يعتقد كثير من الباحثين في علوم النفس بأن معظم الناس يستطيع مواجهة المتغيرات الكبيرة بالحياة والتي تتطلب عادة الصبر، حيث يتحلون بروح الشجاعة والابتكار عندما تواجههم المشاكل الحقيقية كالطلاق والأزمات المالية والابتلاء بالمرض وفقد الأحباء والأعزاء ولسبب أو لآخر فإنهم يرقون إلى مستوى الحدث ويستجمعون قواهم الداخلية ويتمسكون بالحياة ويتضرعون لله ويسألونه المساعدة ولكن المشكلة تكمن في التعامل مع المتغيرات الصغيرة والمشاحنات اليومية سواء بالمنزل أو بالعمل والتي كثيراً ما تتراكم لتصل بالفرد إلى درجة الإحساس بالحزن والإحباط.
والله عز وجل يتجاوز عن التوافه ويغفر اللمم (وإن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً).
ولو أن الناس عاشرت بعضها البعض بناءً على هذه القاعدة من السماحة وكما يقول الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
وهذه القاعدة إذا كانت مطلوبة بين الأصدقاء للبقاء على الأواصر بينها فإنها من باب أولى بين أفراد الأسرة الواحدة ألزم فإن ضاق الزوج أو ضاقت الزوجة بغلطة من جانب أحدهما تذكَّرْ أن في الطرف الآخر صواباً في جانب آخر وإن حزن من جانب فإنه فرح من جانب آخر وهكذا.
وعليه من المفيد أن تذكر نفسك عزيزي القارئ في كل وقت بأن ما لديك من النعم أكثر بكثير من ما ينقصك فلِمَ تبكي على ما ليس لديك بدلاً من أن تفرح بما عندك؟ واعلم بأن بعض الأمور التي قد تزعجك مثل بعض مطالب الأطفال التي لا تنتهي ولا يمكن إرضاؤها، زحمة المرور، وجود بعض الفوضى بالمنزل وغيرها من أمور عارضة لا تستحق كل ذلك القلق. فإذا استطعت أن تنظر إلى هذه الأمور الصغيرة ووضعها في نصابها أصبحت قادراً على التعامل مع الحياة بشكل أفضل وأن تُسعد نفسك ومن حولك أيضاً.
ففي حالة حدوث شجار ما بين أولادك فالخيار لك إما أن تتضايق وتفسد يومك كله أو أنك تتقبله باعتباره جزءاً لا يتجزأ من تركيبة الأسرة الواحدة وحين لا تكون وظيفتك أو علاقتك برئيسك في العمل تماماً كما تريد فبإمكانك أن تشعر بالإزعاج والضيق أو في الوقت نفسه تستطيع أن تشعر بأنك محظوظ لأن لك وظيفةً تقتات منها فهناك الملايين في العالم من يعيشون بدون وظيفة ولا ملجأ أو مأوى وإن كان ذلك لا يمنع أن تعمل على تحسين وضعك بالعمل في نفس الوقت والحين لا تستطيع السفر إلى بلد ما لقضاء إجازتك السنوية فبإمكانك أن تشعر بالظلم والرثاء والحزن لنفسك لعدم استطاعتك بالقيام بهذه الإجازة بينما يمكنك في الوقت نفسه أن تخطط لإجازة محلية أو لبلد قريب منك وذلك في حدود ميزانيتك وبدون اللجوء إلى قروض شخصية وديون تتراكم عليك وتورث لك توتراً والذي بدوره سيتعبك بدنياً ونفسياً.
إن وزارة الصحة التي تهتم بصحة كل شخص يعيش على هذه الأرض الطيبة تدعوك أن لا تهتم بهذه الأمور الصغيرة ولا تدع توافه الأشياء تسلب منك سعادتك وصحتك والتي بدونها لا تصل حياتك لمستوى من الجودة التي تريدها لنفسك وتريدها وزارة الصحة لك
وتذكر دوماً وأبداً بأن الله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إقرأ أيضا لـ " "العدد 2814 - الخميس 20 مايو 2010م الموافق 06 جمادى الآخرة 1431هـ
مقال رائع
شكراً لكي يا دكتورة , هذا هو الكلام الذي نحن بحاجة أن نسمعه لكي ننتبه إلى هذه التفاصيل اليومية التي تسلب سعادتنا دون أن نشعر . ومعظم الناس بحاجة ماسة لأن يغيروا أشياء كثيرة في أنفسهم .
رائعة
المقالة اكثر من رائعة وجائت فى وقتة فى ظل هذة الضغوطات 0
مليون شكر لك د/ امل
كلامك رائع بامتياز لا يتفوه به الا الحكماء . اتمني من القا رئ ان يتبصر جيدا في مفرداته . فنحن دائما نضيع سعادتنا في توافه الامور . اخيرا دعائ لك وللجميع بالتوفيق . الفردان