جاء الرد العربي على هذا «العرس الإسرائيلي» تقليدياً ومتوقعاً، حيث بدأت مسيرة «التصدي اللفظي العربي»، يقودها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي لم يتردد في أن يبدي «استنكاره الشديد» لقرار «قبول إسرائيل في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، دون أن يتردد في إبداء أسفه واندهاشه «في أن تنضم دولة قائمة بالاحتلال وتستثمر ثروات الأراضي المحتلة التي تدخل في حساب دخلها في هذه المرحلة بالذات»، دون أن ينسى التعريج على المدينة المقدسة كي يؤكد «أن العرب لن يتركوا القدس لقمة سائغة في فم الإسرائيليين مهما كانت الصعوبات».
كان ذلك على المستوى العربي العام، أما على المستوى الفلسطيني الخاص، فقد اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية «موافقة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية متناقضة تماماً مع الأساس الذي قامت عليه المنظمة»، وحذر وزير الشئون الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في تصريح خص به وكالة الصحافة الفرنسية، بأنه ينظر «ببالغ الخطورة الى هذا القرار لأنه يتناقض تماماً مع أسس تشكيل المنظمة وشروط العضوية فيها وخرق لقوانين المنظمة حينما يتم قبول دولة احتلال».
حتى حركة حماس لم تتخلف عن ركب المنددين والشاجبين والمهددين، معتبرة، كما قال المتحدث باسم حكومة حماس في غزة طاهر النونو «قبول اسرائيل في عضوية الاتحاد الاقتصادي الأوروبي مكافأة لها على جرائمها بحق شعبنا».
قائمة الشجب العربية طويلة، وليس هناك ما يدعو لعرض جميع من هم بين صفوفها. ونكتفي بتلك النماذج للتدليل على استمرارية النهج العربي القائم أساساً على المواجهة اللفظية، أكثر من سواها من الأسلحة الأخرى، في إدارة الصراع مع «إسرائيل». ليس القصد من ذلك الوصول إلى استنتاج مفاده التقليل من أهمية المواجهة الإعلامية التي تكتسب اليوم أهمية متزايدة، نظراً إلى كثافة الحضور وقوة النفوذ اللتين باتت تتمتع بهما المؤسات الإعلامية اليوم، لكنها تفقد أهميتها ومبرراتها، بل وحتى جدواها ما لم ترتكز على العناصر التالية:
1 - دقة التوقيت بحيث لا يأتي متاخراً، كما حصل مع معركة حجب العضوية في منظمة التعاون الاقتصادي على «إسرائيل»، عندما بعثت وزارة الخارجية الفلسطينية قبل أيام معدودات من الإعلان عن الفوز «الإسرائيلي»، إلى الدول الأعضاء تحاول إقناعها بالعدول عن قرارها. مقابل ذلك دأبت إسرائيل منذ مطلع هذا القرن، وكثفت جهودها في العام 2007، من أجل نيل هذه العضوية. وشاركت قبل ذلك، ومن أجل تعزيز فرص قبولها كعضوة فاعلة، في العديد من لجان المنظمة، بما فيها تلك التي تدرس علوم «النانو»، وكذلك لجنة المحافظة على البيئة. لذا جاء «الإنجاز الإسرائيلي»، تتويجاً لجهود متواصلة لما يزيد، كحد أدنى - على 15 سنة، استحقت أن تعزز بحملة إعلامية مكثفة شاركت فيها العديد من المؤسسات الصهيونية، «إسرائيلية وغير إسرائيلية».
2 - موازين قوى مصاحبة، فتاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي الذي يمتد على ما يربو على النصف قرن يثبت لنا أن تل أبيب تدير عجلة محركها الإعلامي، بعد أن تخلق حقائق مادية لصالحها على الأرض، تساعد على ميلان كفتها في ذلك الصراع. حينها يأتي الإعلام الصهيوني المغلف بطبقة سميكة من الإدعاءات الكاذبة، والمطالب المزورة، مرتكزاً على انتصارات على أرض الواقع ولصالح «إسرائيل»، تسمح له بتضليل الرأي العام العالمي، ومن ثم تحقيق انتصار إعلامي يساعد ذلك الذي سبق وأن تحقق فوق ساحة الصراعات العسكرية أو حتى الاقتصادية.
3 - حسابات دقيقة، قادرة على قراءة متوازنة لموازين القوى بشكل صحيح، وتقويم خريطة التحالفات على نحو سليم. فغالباً ما تأتي الحرب الإعلامية الصهيوينية ضد العرب بعد قراءة المؤسسة السياسية «الإسرائيلية» لتلك الموازين بعيداً عن أي انفعال عاطفي، أو تشنج سياسي. مقابل ذلك، نادراً ما نجد وراء تحريك آلة الإعلام العربي بعيدة عن تلك القراءة، وعوضاً عن ذلك يحاول الإعلام العربي المنفعل التغطية على الفشل على الصعيدين العسكري والسياسي، بحملة إعلامية باهتة تولد نتائج عكسية سلبية مضادة للمشروع العربي في ذلك الصراع.
من الخطأ أن تقودنا تلك المقدمة إلى نتيجة تيئيسية تضع «إسرائيل» في خانة المارد الذي لا يقهر، فهناك حالات كثيرة، وخصوصاً خلال الصدامات العسكرية بين المقاومة العربية في لبنان وترسانة الحرب العسكرية «الإسرائيلية»، التي نجحت في كشف عورات تلك الترسانة، وتبيان نقاط الضعف فيها. ولذا فإن «التفوق» مدين بالكثير للتراخي العربي، أو بالأحرى لسيادة روح الهزيمة في نفسية المواطن العربي، شاملاً ذلك الآملين في المؤسسة العسكرية العربية، ومن يقفون في أعلى هرم قيادتها السياسية.
ولربما كانت هذه «النزعة الدونية» المتفشية في صفوف مؤسسات صنع القرار السياسي والعسكري العربي على حد سواء، هي التي تمد الإعلام الصهيوني بما يحتاجه من وقود يمكنه من الاستمرار والتطور، والتفوق.
خطورة هذه الحالة العربية التي يمكن أن توصف بالمرضية، هو تحول الإعلام العربي، من مؤسسة صدامية تدافع عن خطوط الدفاع العربية الأولى المتقدمة، إلى اسطوانة نحيب مستمر لا يكف عن البحث عن «مارد معتد» يحيك «مؤامرة» يكون العرب ضحاياها الرئيسيين. حالة النحيب هذه غرست نفسها عميقاً في أعماق الذهنية العربية، وتحولت، بفضل ذلك، إلى سلوك دائم غير قابل للتوقف، أو التغير. فلابد أن يكون هناك حائط بوسع العرب أن يبكوا أمامه. وليس ما حققته «إسرائيل» عندما نالت العضوية إلا حائط تحد جديد، لم يجد العرب وسيلة للتعبير عن استيائهم من التحديات التي وضعهم أمامها سوى النحيب عليه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ
عبد علي عباس البصري
انا سمعت عنحائط المبكى وهو عند اليهود يا سعاده الكاتب فهل للعرب حائط مبكى لا ننعرفه نحن. نعم العرب تسميه حائط البراق.
اليهود ذو أقليه على نحو متزايد وسيطروا على قلب الوطن العربي في أطهر بقعه مباركه
إننا نتعامل مجددا مع صعوبات في فترة تتسم بمشاحنات وانقسامات. لكننا أصبحنا أكثر تواصلا عن أي وقت مضى، وأكثر قدرة على نشر أفكارنا ومعتقداتنا والتعبير عن غضبنا ومخاوفنا. مع دعوتنا لحق الدفاع عن آرائنا فليس هناك من هو على صواب طوال الوقت. لكن علينا أن نتذكر أن هناك اختلافا كبيرا بين انتقاد سياسة أو سياسي ما، وبم أننا لن نحمل الأجيال القادمة تبعات الصرع على الساحة ماذا سنعمل نحن من الآن مع تحيات (ندى أحمد)