العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ

أضرتنا الحليقة وستدمرنا الملتحية

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

إلى وقت قريب كان آباؤنا يتوجسون علينا من الفضائيات الحليقة، فقد راج عنها في زمن ليس ببعيد أنها غررت بالإنسان وهيجت غرائزه ودفعته للحرام، فآذى نفسه وظلم بانحرافه مجتمعه.

لقد دفعت تلك القنوات في أوائل سنوات البث الأرضي العديد من أفلام الغواية واللهو إلى واجهة الشاشات فأضرت بأخلاق الجيل، وحركت غرائزه بطريقة حيوانية، وأشعلت نار الشهوة في نفسه، لتتركه بعد ذلك بين مفترق طرق أحسنها سيئ ومقيت.

وحين تطور العلم وتمكن الناس من التعامل مع نتاجاته العلمية في ما سمي بالثورة في وسائل الاتصال والإعلام، كانت القنوات الحليقة على أتم الاستعداد للاستفادة من العلم في بث سمومها وفسادها وانحرافاتها، والسبب في سبقها واستفادتها من التكنولوجيا، هو أنها كانت موجودة على الأرض بلا منافس حقيقي لها.

يلزمني الإشارة هنا إلى أن بعضا من تلك القنوات الحليقة الأرضية (سابقا) أو الفضائية (راهنا) لها مقدار من العطاء العلمي والثقافي والإنساني لا ينكر، ولا يمكن لأي أحد أن يختصر دورها في المجون واللهو فقط، مع ما كان في أغلبها من انفلات وبعد عن قيم وعادات وتقاليد المجتمع.

كان أمل الناس وحلمهم معلقا على اللحظة التي يرون فيها البديل القوي والمناسب لتلك القنوات الحليقة، ومع أن الزمن قد طال على تفرد الحليقة بالإعلام، لكن العلم بثورته الهائلة قد يسر التكنولوجيا وجعلها متاحة للجميع، مما ساعد في وجود المنافس الحقيقي لتلك القنوات، فتكاثرت الفضائيات الملتحية مبشرة بنفسها كبديل واعد وصاعد لخدمة الأخلاق والقيم الدينية والإنسانية.

كنا نأمل أن تستنقذنا هذه من تحريض الشهوة والغرائز السائد إلى صفاء الوحي ووعي العقل والدفع نحو الخير، لكن الذي حصل (في بعضها على الأقل) أنها أبعدتنا عن التفاعل مع تحريض الشهوة والغرائز وضخت فينا وفي أبنائنا وأجيالنا تحريض الكراهية والبغض والتصنيف، فاندفعت تغذي الأحقاد وتصنع التوترات وتدفع نحو الموت والدمار.

لم تنظر (بعض) هذه القنوات يوما للإنسان كمكرم يستحق العيش الهادئ، والحياة المطمئنة، والسلامة على دينه وماله وعرضه، بل نظرت للإنسان من زاوية حادة وفاصلة، بعد أن ألبسته آلاف الأقنعة التي حجبت إنسانيته التي يشترك فيها مع الآخرين، وسلطت الضوء على فوارقه ومفارقاته لبقية أبناء آدم.

المتابع لبعض الفضائيات الملتحية يدرك حجم الضرر الذي تسببه الكلمات الجارحة بحق الآخرين، ومقدار الجمر الذي تسعره في نفوس مشاهديها، ومقدار الحنق الذي تشحن به قلوب الآخرين الذين تسلط عليهم لسانها البذيء بالسب والشتم والتهجم.

أتمنى أن لا يقرأ القارئ مقالي وقد صنفني في موقفي مسبقا بأني أقصد تلك الفضائيات التي لا تتوافق معي فحسب، كلا بل قصدت كل الفضائيات الملتحية التي تثير الكره والضغينة مع تقديري وافتخاري بكل فضائية ملتحية وملتزمة بخلق الإسلام وقيمه التي تدعو للسلام وحفظ الكرامات واحترام خيارات البشر.

ليست كل الفضائيات الحليقة منفلتة، وإن خيل للقارئ ذلك من مقدمة المقال، فبعضها مليء بالمعرفة والوعي والعطاء الإنساني الغزير، وليست كل الفضائيات الملتحية ملتزمة بتعاليم الدين وأخلاق الإسلام وهدي سيد المرسلين، بل بعضها فالت وقبيح ومخيف بسبب الشر والكراهية التي تنثر سمومها بين الناس.

وإذا كانت بعض الفضائيات الحليقة قد أضرت بأخلاقنا وسلوكنا وأثرت سلبا على أجيالنا، فإن خوفي كبير من أن تسبب لنا الفضائيات الملتحية دمارا يزهق أرواحنا ويحرق الأخضر واليابس من الخير والنعيم الذي نعيش فيه، وإني لأراها نذر حرب حقيقية نزولا عند قول الشاعر فإن الحرب أولها كلام.

فهل يعي العقلاء الخطر؟ أم سنجامل تلك الفضائيات (لأنها ملتحية) حتى يتمكن الدمار منا؟

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:50 م

      الاخلاق

      هو توجه أبا محسن ليس إلا ، فالحليق والملتحي يحمل توجه ما بداخله يعكس روح منطقه ، القضية هي أخلاقيات غائبة وأخلاقيات متبناة فلا العمامة تغير صاحبها إن كان ذا منطق منغلق وفكر جامد ، ولا النيو لوك هي انعكاس لتفاهة المرء وعدم جدواه ، لو كنا أبا محسن منصفين لربما قرأنا الجوهر قبل المنظر وأقررنا بالأنسب لنا حسب معطيات وحاجات وتطلعات نحتاجها .. القصة كله تكمن بالاخلاق ، فهي حقيقة لتوجهنا وصورة لسلوكياتنا المعلنة والمستترة بالرغم من الحلق والإلتحاء .

    • زائر 5 | 11:33 ص

      شكر وثناء...أجودي

      أشكر الشيخ كل الشكر على هذا التوازن المطلوب في هذا المقال... والمطلوب من كل شخص الاصرار عليه,, والعمل به, كما فعل زائر رقم 3 لكم جزيل الشكر والامتنان.....تحياتي

    • زائر 4 | 5:43 ص

      ...

      شيخ محمد الصفار الله يعطيك العافية ان شاء الله
      مقالاتك رائعة ومفيدة بكل ما للكلمة من معنى
      استمر في الكتابة فاني وجدت في مقالاتك الكثير من الرسائل التي نحتاجها في اسرنا ومجتمعنا ...

    • زائر 3 | 2:13 ص

      صح السانك يا شيخ

      لو أن النبي الأعظم (ص) حاضر بروحه وجسده في عالمنا اليوم لاستنكر ما آل إليه وضع المسلمين من إباحة دماء وأعراض باسم الدين (لا يلدوا إلاّ فاجراً كفّارا). في زمنه (ص) كان الصديق لكل من حوله. لم تكن هناك كراهية فالنبي زوج عائشة بنت أبي بكر وعمر وعثمان من خيرة صحابته وأمير المؤمنين (ع) زوج ابنته الزهراء (ع).
      خطباء المنابر من الفريقين يحملون بأيديهم معاول الهدم ويمزقون وحدة المسلمين ويساعدون العدو الصهيوني على اختراق صفوف المسلمين. وهم يدركون قول الأمير (زلة العالم تفسد العوالم).
      منصور العصفور

    • زائر 2 | 2:04 ص

      كن متزنا

      مقال جميل جدا. مقياس العطاء لا يرتبط بالضروره بالمظهر العام لذلك الانسان وهذا ينطبق على كل مناحي الحياة بما فيها القنوات الفضائية. مشكلة اغلب الناس انهم يعتمدون المظهر كمقياس اساسي فعندما يرون شخصا ملتحيا يلبس ثوبا قصيرا يحكمون عليه بكونه ملتزما و قد يكون بعيد عن الالتزام بل ربما مجرما. وفي الطرف المقابل قد تجد شخصا شاذا بطريقة لباسه و لكن عندما تتقرب و تتعرف عليه تجده مثال للمؤمن الملتزم بسلوكه مع نفسه و الآخرين.
      على الانسان في الأخير ان يكون حكم نفسه و أن يكون حذرا فيما يشاهد اويسمع.

    • زائر 1 | 10:16 م

      عبد علي عباس البصري

      الحق يجب ان يقال ؟ ويجب على الطرف الآخر ان يراجع دفاتره وتوجهاته . قبل فوات الاوان ؟ اما عن البغضاء والكراهيه في مواجهه الحق والحقيقه ، فهذه القضيه قديمه قدم التاريخ ، فلن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. وانا اقول بالمعنى انك لن ترضى عنك الناس كل الناس بشتى مذاهبهم (شيعي او سني)حتى تتبع اهوائهم. وأنا اشحع كل عالم دين او سياسه او اجتماع او اقتصاد ان يهدي الناس الى الصراط المستقيم ،ويعلمهم كيف يجب ان يكونوا في الحياه . نعم لا بأسلوب الكراهيه والبغضاء بل بالحب والاخاء.وبالحقيقهوالعلم.

اقرأ ايضاً