أكد صاحب السمو الملكي، أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل «أن الوحدة الوطنية لم تتحقق في بلادنا عن طريق التطرف، وإنما بالاعتدال والتمسك بالقيم والدين والشيم العربية».
جاء ذلك في تصريح خص به صحيفة «الرياض» السعودية، في أعقاب رعايته «حفل توقيع جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي بجامعة الملك عبد العزيز والثانية في مجال البحث العلمي والبرامج الأكاديمية والثقافية المشتركة».
وأوضح سموه بأن «كرسي الأمير نايف للوحدة الوطنية وكرسي منهج الاعتدال السعودي منبعهما واحد ويصب في مصب واحد وهو التوجه إلى نشر الوعي بين شبابنا، بعد أن أصبحت أصوات التطرف مرتفعة سواء كان التطرف من اليمين أو من اليسار والاعتدال ليس له صوت عالٍ».
وتشمل الاتفاقيتان «إنشاء قواعد معلومات مشتركة حول دراسات الوحدة الوطنية ودراسات تأصيل منهج الاعتدال السعودي وكذلك في مجال الأبحاث والرسائل العلمية، وبأن كرسيي الوحدة الوطنية ومنهج الاعتدال السعودي ينطلقان من منبع واحد ويصبان في اتجاه واحد».
في البدء لابد من التأكيد على أن الفكر والثقافة هما بمثابة الركائز الأساسية التي يقوم عليها تطور الأمم، وتفسر، تلك الركائز، ذلك الالتفات المستمر المتطور الذي تبديه نحوهما المؤسسات المجتمعية المنوط بها تشييد هياكل البنية التحتية التي يقوم عليها التكوين الحضاري الذي يؤسس لذلك الفكر وتلك الثقافة، وتمثل بالتالي إحدى الركائز المهمة في تقدم حضارات الأمم والدول، وانتقالها من المراحل الحضارية الدنيا إلى تلك المتقدمة.
بعدها لابد من الإشارة إلى أنه ليست الصدفة المحضة هي التي تدفع مؤسستان أكاديميتان علميتان في السعودية للتنسيق من أجل الدعوة للوحدة الوطنية والترويج لفكر معتدل، والعمل من أجل دحض الأفكار المتطرفة، بعد أن شهدت الساحة السعودية نماذج كثيرة من سلوك التطرف المعادي للاعتدال، سواء تلك العمليات الإرهابية المتطرفة التي استهدفت بعض المؤسسات السعودية، أو الشخصيات المهمة من جهة وما عرفته البلاد من الأشكال المختلفة من أشكال التمزق الاجتماعي نظراً للتكوين السكاني التاريخي الذي نشأت على ركائزه الدولة السعودية.
لكن، ومن أجل قول الحقيقة وإنصاف السعودية، لا تشكل المملكة حالة استثنائية عربية، حيث تسود المنطقة العربية حالة من التشنج الفكري القائم على نبذ الاعتدال، ومعاداة التعايش الاجتماعي بين فئات المجتمع وطوائفه المختلفة. مقابل ذلك تجتاح المنطقة العربية موجة مضادة لذلك التطرف، تحاول أن تؤسس لفكر معتدل. تؤكد على ذلك الكثير من الفعاليات العربية لعل آخرها، بالإضافة إلى توقيع الاتفاقية، مجموعة الأفلام العربية التي شاركت في مهرجان ميونيخ السابع لأفلام دول حوض البحر الأبيض المتوسط، في الفترة من (13 إلى 31 يناير/ كانون الثاني 2010) والتي لاقت إقبالاً ملحوظاً من لدن المشاهدين الألمان، ومن بين أهمها كان الفيلم المصري «حسن ومرقص» من بطولة الفنانين عادل إمام وعمر الشريف، عرض في أول أيام المهرجان، وهو فيلم، كما يقول عنه الموقع الألماني «دولتشه فيله» يحاول أن «يسلط الضوء على قضية الطائفية في مصر التي تشتعل بين حين وآخر بين الأقباط والمسلمين. رجلان أحدهما مسلم والآخر مسيحي يتشابهان في الاعتدال الفكري ونبذ العنف المغلف بإطار ديني، لكن حياتهما لا تسيران كما يريدان، ففكر (بولس) أو رجل الدين المسيحي الذي يمثله الفنان عادل إمام لا ترضي المتشددين المسيحيين، لذلك يحاولون التخلص منه باغتياله. وهي نفس الصورة التي يتعرض لها رجل الفيلم المسلم الذي يقوم بدوره الفنان عمر الشريف، إذ يرفض أن يتولى إدارة جماعة دينية ضالعة في الإرهاب، وتصبح حياته في خطر عندما يقابلون رفضه بتفجير محل العطارة الذي يمتلكه».
على هذا الأساس يطرح توقيع الاتفاقية قضية في غاية الأهمية وهي مسألة الاعتدال الفكري التي بات المجتمع العربي في أمس الحاجة لها، من أجل تطوير فكري عربي متسامح يقوم على الاعتدال والاعتراف بالآخر. فالتطرف بكل أشكاله أصبح ظاهرة مرفوضة من المجتمعات المتحضرة قاطبة.
وإذا ما انطلقنا من مقولة إن الإنسان هو كائن مفكر، فهذا يقودنا أن الفكر المتطرف يخلق بالضرورة كائناً بعيداً عن الاعتدال والوسطية، وبالتالي يقود إلى مجتمع يقوم على العلاقات المتطرفة بين فئاته المختلفة.
ويعكس التطرف، على النقيض من الاعتدال، حالة من الاختلال النفسي والفكري لدى من يتبناه، مصدره عدم قدرة ذلك المتطرف، على التعايش المعتدل أو بالأحرى المتزن مع المجتمع المحيط به. محصلة ذلك هي اختلال التوازن الاجتماعي المطلوب من الداخل، أي الفرد، وعلى صعيد المحيط الخارجي الذي هو المجتمع.
وعبر الفكر المتطرف، تاريخيا، في جوهره عن أزمة لدى من يتبناه، مصدرها أيضا التحجر او عدم القدرة على مواكبة تطورات العصر، فلا يجد المتطرف وسيلة للدفاع عن قناعاته المتحجرة، أفضل من الانطواء نحو الداخل، والاستعانة بالتاريخ، عوضاً عن المستقبل، واللجوء إلى العنف، أو إلى محاربة الاعتدال. فالتطرف القائم على السكون لا يستطيع إلا أن يلفظ الاعتدال، وخاصة ذلك الاعتدال الداعي إلى التعايش مع الآخر، والملتزم بالدفاع عن ذلك الآخر في التمسك بما يؤمن به.
كما أن أحد أسباب اللجوء إلى العنف ونبذ الاعتدال، هو الشعور بالدونية تجاه الأفكار الأخرى، وعدم القدرة على مقارعتها فكرياً وبطرق معتدلة. ولذا فأسرع وسيلة لتغطية ذلك الشعور بالنقص تجاه الأفكار الأخرى، هو محاربتها بأفكار أو سلوكيات متطرفة، تعمي بصيرة من يأخذ بها.
تأسيساً على ذلك، من الطبيعي أن نرى انهيار الحضارات المتقدمة عندما يتسلل إلى ثقافتها الفكر المتطرف، وعلى المستوى ذاته، تحجر الثقافات المتطلعة نحو التطور عندما يغيب عنها الفكر المعتدل الذي هي في أمس الحاجة له كي يدير عجلة تقدمها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2800 - الخميس 06 مايو 2010م الموافق 21 جمادى الأولى 1431هـ
التاريخ لايكذب
كتب التاريخ تبين كيف انهارت دول كثيرة ذو حضارات كانت في وقتها تعد من ارقى الدول وانهارت بسبب التطرف العرقي او الديني. كم من حروب دامية؟ و تعدي دول على دول اخرى بسبب رفض الطرف الاخر, سواءا لاختلاف فكره, دينه, مذهبه و حتى لونه. واريد ان اعرف من الزائر رقم 2, من هي الامة التي ذكرها, اذ انه لاتوجد لها اية اثر. جميع الدول العربية و الاسلامية الحالية تعاني من تفكك عنصري و طائفي. اما اذا كان القصد شكليا فانا اتفق معاكي بعض الشيئ. و شكرا رياض حسن
شُعــــــــاع ... الوســـــــطية
الاعتدال مؤشره الوسطية ، فالخطابات والحوارات والوقفات الإبداعية الفكرية و المبادرات واللمعات العملية ممتدة من ناحية الزمن امتداداً مستقبلياً وبركائز بنائية ، تتهاوى تحته الفورات التعصّبية ، ويُحيد عن الانحدار الهادر والقفزات الإرهابية ، وللتأكيد - بالخط العريض - فإن الأمة الإسلامية أمة وسطية مُنفتحة على الثقافة الشمولية والفنون والمعرفة العالمية . كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض
سلمت
أشكرك على مقالاتك الطيبة