العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ

فرق المعتزلة: الاختلاف على المصدر والواقعة

اختلف المؤرخون أيضا على تحديد معنى موحد لمفردة الاعتزال، فافترقوا على مصدرها وأصلها ومن أين جاءت التسمية، كذلك اختلفوا على الاسم وأصله وماذا يعني بوصفه مصطلحا ودلالات الأمر الذي دفع الكثير من أهل الاعتزال إلى نسبة الاسم إلى صاحب المقال (المدرسة) حتى لا تختلط الأمور ويضيع الأساس بالفروع والخارج بالداخل. وعلى هذا افترقت المعتزلة إلى أسماء من الصعب حصرها نظرا لادعاء الكثير من المفكرين في عصرها الذهبي الانتساب إليها لاكتساب الشهرة واحتلال الموقع المميز وسط النخبة الثقافية التي لم تكن بعيدة عن السياسة والاستفادة من الدولة وأجهزة السلطة.

إلا أن الاسم الأبرز والأشهر الذي عرفت به المعتزلة في بداياتها كان «العدل والتوحيد». وعلى هذا ينقل صاحب «الفهرست» ابن النديم عن أبي عبدالله بن عبدوس نقلا عن أبي يعلي زرقان (واسمه محمد بن شداد) وهو صاحب أحد كبار شيوخ المعتزلة (محمد بن الهذيل) قوله عنه، قال: «حدثنا أبوالهذيل العلاف قال: أخذت هذا الذي أنا عليه من العدل والتوحيد، عن عثمان الطويل». وكان معلم أبي الهذيل، قال: «وأخبرني عثمان الطويل انه أخذه عن واصل بن عطاء، وأن واصلا أخذه عن أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، وأن عبدالله أخذه من أبيه محمد بن الحنفية، وان محمدا أخبره أنه أخذه عن أبيه علي بن أبي طالب» (ص 202).

يلاحظ هنا ادعاء شيخ المعتزلة في عصره محمد بن الهذيل النسب الفكري لحركة الاعتزال ومحاولة ربط مدرسته بالإمام علي بن أبي طالب (رض) لإعطاء شرعية إسلامية ومشروعية تاريخية لتلك الحركة التي كثر الجدل حولها والخلاف عليها. ومثل هذا النوع من الادعاءات نجده عند الكثير من المدارس والحركات السياسية القديمة، إذ كانت تلجأ دائما إلى تلفيق مجموعة روايات وحكايات للربط بين الادعاء وعلاقات حسب ونسب ومصاهرة بالشجرة التي تصل فروعها إلى آل البيت وأهل الرسول (ص) وأصحابه أو أصحاب أصحابه. إلا أن الادعاء شيء والصلات الحقيقية مسألة أخرى. وهذا ما كشفته الكثير من الدراسات والأبحاث المعاصرة استنادا إلى مناهج علوم التاريخ. كذلك نفته المصادر القديمة. فمثلا الجرجاني في كتابه «التعريفات» لا يشير إلى هذه المسألة، إذ يكتفي بتعريف الاعتزال بجملة مختصرة تقول: «المعتزلة، أصحاب واصل بن عطاء الغزّال. اعتزل عن مجلس الحسن البصري» (ص 282).

كذلك فعل ابن النديم (توفي 380 هجرية) في مقالته الخامسة حين تطرق إلى تسمية المعتزلة في الفهرست (انتهى من تأليف الكتاب سنة 377 هجرية) فقال عن تسمية المعتزلة نقلا عن أبرز شيوخهم (أبوالقاسم البلخي) قوله: «سميت المعتزلة لأن الاختلاف وقع في أسماء مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة. فقالت الخوارج هم كفار مشركون وهم مع ذلك فساق. وقالت المرجئة هم مؤمنون مسلمون ولكنهم فساق. وقالت الزيدية والأباضية هم كفار نعمة، وليسوا بمشركين ولا مؤمنين وهم مع ذلك فساق. وقال أصحاب الحسن (البصري) هم منافقون وهم فساق. فاعتزلت المعتزلة جميع ما اختلف فيه هؤلاء، وقالوا: نأخذ بما أجمعوا عليه من تسميتهم بالفسق، وندع ما اختلفوا فيه من تسميتهم بالكفر والإيمان والنفاق والشرك». فالاسم الذي لحق بالمعتزلة لا صلة له بالقول بل بالفعل (اعتزال زاوية في مسجد الحسن البصري). فالقول بدأ بالاختلاف على المرتبة الوسطى بين الكفر والإيمان، فقالوا عن مرتكبي الكبائر بالمنزلة بين المنزلتين (الفسق).

حتى أن ابن الأخشيد رفض ربط حركة الاعتزال بأيام الحسن البصري فقال بأن «الاعتزال لحق بالمعتزلة في أيام الحسن على ما ذكره قوم، ولم يصح عندنا ولا رويناه». وقال: «والمشهور عند علمائنا أن ذلك اسم حدث بعد الحسن».

هناك إذا روايات عن التسمية والواقعة. بعض الرواة يربط المسألة بالخلاف الذي نشب بين واصل بن عطاء وشيخه الحسن البصري، وبعض الرواة يربط المسألة بالخلاف الذي وقع بين قتادة (تلميذ البصري) وعمرو بن عبيد (صديق واصل) وأخيرا موافقة ابن عبيد على تسمية الاعتزال لأن الكلمة محببة وقال لأصحابه «فهذا اتفاق حسن فاقبلوه». فسميت المعتزلة

العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً