مطلوب من الرجال القادرين على قول لا لانتخاب المرأة أو ترشيحها بغض النظر سواء كانوا من المعارضين أو سواهم، أن يقفوا وقفة عدل أمام الحقيقة، وأن يسألوا أنفسهم كمحبين للديمقراطية، ومدافعين عن الحريات الشخصية ومتمسكين بعدالة قضيتهم الوطنية، ماذا نفعل في نسائنا في البحرين؟ ولماذا نوافق على ترك من يجهل في الدين وفي حقيقة الشرع، أن يظلم ويفتري عليهن بالتحدث عن خطيئة المرأة في الدفاع عن حريتها، وترك مطرقة التمسك بالعادات والتقاليد البالية أن تطغى على أوامر الله سبحانه وتعالى، بقوله عز وجل: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء 4 - 124.
كما يؤكد سبحانه وتعالى على تساوي البشر عنده وأن معيار نول الرضا والمحبة الإلهية هو عمل الإنسان فقط بقوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل: 16/97.
وتناسوا أوامر الرسول (ص) بقوله: قال الرسول (ص) (الرجل راع ومسئول عن رعيته والمرأة راعية ومسئولة عن رعيتها).
مما يوضح الواجب الذي يشمل كل ضروب الإصلاح في كل نواحي الحياة. قوله تعالى:
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم، وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) التوبة: 71 - 72.
وضع الإسلام المرأة في مكانها اللائق فاعتبرها جزءا مكملا للمجتمع، وإن المجتمع يتقدم بالمرأة وبالرجل على حد سواء ويسير الى ذلك في الكثير من مواضع القرآن الكريم يقول تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما) النساء:32.
فالمرأة والرجل هما ذلك الكائن الحي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ليكون كل منهما مكملا للآخر وسكنا وامانا له، فسعادتها وشقاؤها تعني سعادته وشقاءه، انما لماذا حينما طغى الانسان واصبح غنيا وقويا طغى على نصفه الآخر وقيد فمه وعينه وعقله وجعله مسلوب الارادة، واستخدمه اداة لاشباع الشهوة والغريزة، وكانما كان الرجل ينتقم من الاستبداد السياسي والاجتماعي والسعي وراء لقمة العيش واستبداد الحكام والحكومات ومنطق القوة في مختلف اشكاله وكلها تمارس على الرجل المشلول نصفه الآخر وهو يبحث عن حياة افضل، او يبحث عن الثروة والجاه مما يدفعه ليمارس سلطته وقمعه واستبداده على نصفه الآخر المشلول، والذي كان هو من قيده وشله وبالتالي حزن حينما لم يسعفه ولم يهبه القوة والامان والمساعدة.
واليوم تثبت الاحصاءات والدراسات المتنوعة ان احوال المرأة في عصر التقدم والتكنولوجيا اسوأ بكثير من احوالها من كل ازمنة الضعف والاضطهاد الماضية في الغرب وفي الشرق، فهي تعيش بعيدا عن الضمان الصحي والاجتماعي، وفي اجواء من العنف الجسدي والاستغلال المعيشي تحت ظروف اقتصادية واجتماعية مقيدة لايجاد الفرص المتكافئة في التعليم والعمل، وفي الوصول إلى مراكز القرار.
تجاوز الوضع الراهن
وهذا يدعونا لنتساءل: كيف يمكن للمرأة ان تتجاوز هذا الوضع اذا لم يكن لديها القدرة على استثمار طاقاتها الذاتية من ذكاء وفن وقدرات متنوعة وهبها الله اياها وطلب منها أن تعمل وتحافظ على نفسها، ثم إن عمل المرأة يوسع آفاقها ويبرز وينمي مقومات شخصيتها ويقيها السأم والفراغ بعد ان يكبر الاولاد ويتجهوا إلى العلم والعمل.
ومجد الامة لا يتحقق الا بالانتاجية الكاملة للمنتمين إلى المجتمع وفي المجالات التي يمكن للافراد الاسهام في الانتاج، فمن القواعد الاسلامية في هذا الموضوع: ان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وان ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب. وانه يلزم المسلم ان يسدد ويقارب. وانه لا ضرر ولا ضرار. وانه الضرورة تقدر بقدرها.
وافق الاسلام للمرأة ان تبايع وتتحقق هذه المبايعة بالموافقة الكلامية والموافقة الخطية لقوله تعالى:(يا ايها النبي اذا جآءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين ايديه وارجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن ان الله غفور رحيم) الممتحنة: 12.
وكان الرسول (ص) قد بايع النساء بالكلام من دون المصافحة يوم فتح مكة. فمثل هذه المبايعة نستطيع مقارنتها بانتخابات مجلس الشورى، ذلك لأن مناط الحكم ومصدره واحد في الحالتين، وثانيهما ان للمرأة الاشتراك في عضوية مجالس الشورى على اختلاف انواعها وبقطع النظر عن الاشكال والاساليب التي تطورت اليها هذه المجالس، بل التي يمكن ان تتطور اليها ايضا في المستقبل، فإن مبدأ اعتماد الدولة على الشورى في كل ما تصدر عنه من قرارات واحكام اجتهادية لا نص يلزم بها، أو واجب شرعي يدخل في جوهر الدين واسسه الراسخة.
وافضل ما يدل على هذا هو قوله تعالى في سورة آل عمران: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت غليظا فظ لقلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الامر، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران: 159.
فالمجتمعات الاسلامية السائرة على نهج الرعيل الاول وانضباطها بأوامر الله وهديه تؤمن وتثبت قول الله فعلا حيث يقول جل وعلا: (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى: 38.
فهذا الواجب الذي كلف الله به امام الامة او رئيس الدولة جعله الله في الوقت ذاته حقا ثابتا من حقوق الامة.
اي فهو واجب تكلف بتنفيذه الدولة وحق تتقاضاه الامة وبما ان الامة او الشعب تتألف من شطري الرجال والنساء فإن حق الشورى مستقر بحكم الله وشرعته ولهذين الشطرين من الرجال والنساء ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ ان احدا من الخلفاء الراشدين او الصحابة حجب عن المرأة حق استشارتها والنظر في رأيها. كما اننا لم نعثر فيما صح من حديث رسول الله (ص) وسنته على ما يدل صراحة أو اشارة على ان المرأة لا حق لها في الشورى، ولم نجد انه (ص) تعمد ان يتجنب مشاورة النساء في بعض مما قد يشاور فيه الرجال.
فالمشورة مهما كانت صفتها ومهما تطورت اطرها واساليبها التنظيمية هي مسئولة سياسية في مظهرها وكثيرا ما تكون دينية واجتماعية أو اقتصادية في مضمونها والمسلمون والمسلمات كلهم شركاء في تحمل هذه المسئولية، ومن حق المرأة في مدار هذه الحكام بخصوصيتين:
اولهما: ان تتصف المرأة التي ترشح لشيء من هذه الوظائف بالمزايا والمؤهلات التي تتضمن ان يكون قيامها بأعباء تلك الوظيفة محققا للخير الذي يتوخى من ورائها وهذا الشرط يجب ان يتوافر في الرجال كذلك.
ثانيهما: ان لا يحملها اعباء العمل في تلك الوظيفة على الاستهتار بشيء من الضوابط والآداب الدينية التي ينبغي ان تتقيد بها.
وحينما نتحدث عن حقوق المرأة في الاسلام في مناخ إسلامي صحيح فليس من المنطق تحميل الاسلام مسئولية فشل المجتمع في رعاية لقطات جزئية من مبادئه واحكامه.
فقد اسقط قرار الله عز وجل فوارق الذكورة والانوثة واختلاف الاقوام والقبائل وتمايز ما بين الشعوب المتنوعة عن الاعتبار في ميزان القرب إلى الله أو البعد عنه بعبارة محددة حاسمة بعد ان اثبت هذه الحقيقة ذاتها بأساليب متنوعة شتى يقول سبحانه وتعالى: «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء: 124. في الاية السابقة فافضلية التناسب المصلحي مع الوظيفة تكون في واجب الالتزام والنهوض باعبائها على خير وجه سواء كان هذا الواجب تختص فيه الانوثة أو تختص به الذكورة.
ومن هذه الوصايا والاوامر التي وجهها رسول الله إلى الرجل تذكيرا بل تشديد على حقوق النساء واهمية رعايتها يقول الرسول (ص): (انما النساء شقائق الرجال، ما اكرمهن الا كريم وما اهانهن الا لئيم) رواه أحمد. وقد ترك الله في شرعه هذا الجانب من الحياة للتفكير البشري ولم يقيده فيه بتشريع معين، ولا اسلوب خاص، لكن الله ورسوله طالبا مجتمع الرجال كما ذكرنا سابقا المحافظة على المرأة ومساعدتها وتقدير قيمتها واهليتها الفكرية والخلاقة والمبدعة، وان يساعدها على بناء شخصيتها ضمن حدود دائرة العقيدة والعبادة واصول حظر المحرمات التي حظرها الدين حفظا للعقائد والاخلاق، حفظا للعقول والابدان، وهذه الدائرة لا تلتقي احكامها الا من الدين الذي اكمله الله لعباده من كتاب الله وسنة رسوله. وان كنا نريد ان نقلد فجميع ما يعتمد على العقل والابداع والعلم والدراسات وممارسة الحياة الفكرية والادبية والسياسية وكل ما لا يهين المرأة، ويكفل لها السلامة ولاولادها واسرتها المستقبل.
كانت السيدة خديجة (رض) اول مستشارة للرسول (ص)، وكانت اول من ساعده قبل النبوة وبعدها، وكانت اول من اسلم من النساء، وكانت الحكيمة التي شدت من ازره قبل ان يظهر اي صديق أو قريب في حياته.
كان لمشورة أم سلمة (رض) لرسول الله (ص) عقب صلح الحديبية انقاذ للمسلمين من موقف عصيب، وهناك امثلة رائعة يعرضها التاريخ الاسلامي لنا وكتب السيرة النبوية الشريفة، وكلها توضح حق المرأة في ان تشير على الرجل، ولو كان هذا الرجل رسولا نبيا أو امير المؤمنين، وهي تتحدث عما قدمته النساء من اياد بيضاء في تأييد الرجال في عهد الرسول وشد ازرهم في السلم وفي الحرب وفي بناء الدولة الاسلامية يصعب حصرها.
وهي تؤكد جميعها لكل رجل متمسك في دينه: ان عليك ان تقول كلمة حق في المرأة التي انجبتك واخرجتك إلى الدنيا وفي الاخت وفي الزوجة وفي الابنة التي وقفت معك في دفاعك وألمك وسجنك وحريتك وانه نالها ما نالك في تلك الفترة المظلمة، من القسوة والظلم والألم في عهود الظلام، وانه آن لها ان تقول بملء فمها وتحقق رأيها وتشمخ بعلمها الذي وصلت اليه بمساعدتك وتأييدك ولن تسير القافلة الا اذا كنا معا في درب واحد، املا في تحرير ذواتنا من رق الذل والانتهازية والفساد والظلم
العدد 28 - الخميس 03 أكتوبر 2002م الموافق 26 رجب 1423هـ