صدر حديثاً كتاب «روافد من بلادي» للكاتب الصحافي قاسم حسين، ضمن مجموعة إصدارات صحيفة «الوسط». وهو كتاب في 91 صفحة، من القطع الكبير، يجمع بين سيرة المكان والإنسان، حيث ينقل لوحات اجتماعية متنوعة من حياة القرية (البلاد) التي كانت عاصمة للبحرين قبل أربعة قرون.
الكتاب من سبعة فصول، يتحدّث عن البدايات وعالم المدرسة وأجواء القرية خلال الستينيات والسبعينيات، ويرسم ملامح بعض الشخصيات العابرة في الزمان.
ويسرد الكاتب تجاربه الأولى في الحياة، ويقدّم لقطات مختارة بعناية من حياة الجيل الذي ترعرع مع بداية عهد الاستقلال، وشهد التحولات الاجتماعية الكبرى. وكان هذا الجيل آخر جيلٍ شرب من ماء «الحِب»، وتعلّم القرآن عند المطوّعة، وأتقن فنون السباحة في عين عذاري وشهد بعينيه ساعات احتضارها الأخيرة، وكان آخر جيل يغمض عينيه قبل النوم على مناظر الشهب المتطايرة في السماء.
الكتاب يجمع بين فن السيرة الذاتية والسرد الأدبي، لمجتمع القرية في زمن التحولات، وهو الكتاب الأول للصحافي قاسم حسين ضمن إصدارات «الوسط».
وأشار قاسم إلى أنه تغطي هذه المذكّرات نحو عقدين من الزمان، فتبدأ بمطلع الستينيات وتتوقف عند عتبة الثمانينيات. مرحلة شهدت تغيرات كبيرة في حياة الوطن وأهله، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وإن كانت تقتصر على تقديم خلفية لهذا التغيّر الاجتماعي الكبير، من خلال عدسةٍ أدبيةٍ تقوم بوظيفة الوصف والتدوين. إنها كتابةٌ أقرب إلى «التأريخ الاجتماعي» لمجتمع القرية البحرينية في زمن التحوّلات.
في الطريق إلى المنامة ...
في أحد أيام ذلك الزمن البعيد، أمسك الأب بيد طفله الذي لم يتجاوز الرابعة، للذهاب إلى المنامة. وفي أوضح صورة تعيها الذاكرة، يتذكّر كيف قطعا الشارع إلى نهايته حتى دخلا دكاناً صغيراً، واجهته الزجاجية الخارجية وجدرانه الداخلية مغطاة بالصور الكبيرة والصغيرة، بعضهم بالغترة والعقال، وبعضهم بالبدلة و «النكتاي»!
دخلا فتكلّم الأب إلى صاحب الدكان الصغير كلاماً لم يفهم الصغير منه شيئاً، ثم أدخله إلى مكانٍ مظلمٍ صغير، وهناك أوقفه على كرسي خشبي صغير، وطلب منه أن ينظر في الصندوق الأسود المغطى بقماشٍ أمامه. ولم يدرِ لماذا إلاّ بعد أن كبر وشاهد صورةً له بثوبٍ أبيض ونعالٍ من المطّاط، وهو ينظر أمامه في وجوم. كانت تلك أول صورةٍ تُلتقط له في حياته، وكانت هذه أقدم صورة تختزنها ذاكرته، وقد كان هذا هو أول عهده بالمنامة، وأول عهده بالتصوير الذي أصبح عنده هواية، وأصبحت الصور من أمتع ما يمتلكه وما يحرص عليه.
فتحت عيني في صيف العام 1962 على بيتٍ واسع الأرجاء، مكوّن من غرفتين وفناء مسقف يوازيهما، وفضاء مفتوح على فناء واسع، وغرفتين إضافيتين من الخشب عن اليمين والشمال. يتوسط البيت بئر ماء على عمق ثلاثة أمتار، ولكنه كان يبدو لي آنذاك أعمق من ذلك بكثير. هذا «الجفر» احتفره الوالد ليوفّر على أهل بيته عناء الذهاب إلى الكوكب أو العيون أو الحقول المجاورة للاستسقاء وجلب المياه كما تفعل غالبية نساء الحي.
الجفر كان حفرة ذات قطر صغير، دائرية الشكل، محكمة البناء، إلا أن ذلك لم يمنع أن تسقط فيها الأشياء بين فترة وأخرى، وكثيراً ما كانت تسقط فيها الفراخ الصغيرة، وفي إحدى المرات سقطت فيها دجاجة، فاضطرت إحدى الفتيات إلى النزول في البئر بطريقة تثير الإعجاب، لإنقاذ الدجاجة من محنتها!
هذا البيت كانت تقطنه أسرتي الصغيرة التي التأم شملها منذ ثلاث سنوات، بالإضافة إلى عمّتي وزوجها، وجدتي وخالتي وخالي، والأخير سيختفي سريعاً عن ناظري، ولا يعود إلا بعد أن يستكمل دراسته في سورية، ليستقل ببيتٍ مع جدتي وخالتي منذ مطلع السبعينيات.
في الشتاء كان البرد قارصاً، وفي بعض سنوات الستينيات، كان يتساقط بعض البردي (الثلج) الصغير، وهي ظاهرةٌ ستختفي بعد سنوات قليلة، مع التغيرات المناخية وتصاعد حرارة الأرض.
كان المطر يستمر أحياناً لساعات طويلة، وتظلّ السماء تحلب أحياناً طوال الليل. وكانت الأمطار تخلّف مستنقعات كبيرة تولّد الكثير من البعوض، ولكنها توفّر ميداناً للعب الأطفال لأيام طويلة حتى تجففها الشمس. إلا أن الأمطار التي تحمل الكثير من أسباب المتعة للصغار، كانت تحمل معها الكثير من المتاعب للكبار، خصوصاً مع تسرّب المياه من سقوف المنازل. تتحوّل القصة إلى معاناةٍ كبيرةٍ تحمل الكثير من الهم والضيق، وتصبح المعاناة أكبر إذا تسرّب الماء من أكثر من موضعٍ بالسقف، فكان على الأم أن توزّع الأواني والقدور حيث يتساقط الماء، وكان لتساقطه صوتٌ مزعجٌ يمنع النوم عن عيون الصغار، فضلاً عمّا يحدثه من حالة استنفارٍ للعائلة في تلك البيوت البسيطة التي لا تقوى على مواجهة زخاتٍ متواصلةٍ من المطر.
على أن أسوأ منظر شتوي شاهدته في حياتي كان في ليلة ماطرة مليئة بالرعب. كان قد حلّ علينا عمّ والدتي القادم من دبي، رجلٌ عجوزٌ مهيبٌ طويل القامة، أبيض اللحية، فكان أن اصطحبه والدي إلى المنامة لحضور أحد المجالس الحسينية. وأوقف سيارته الشاحنة أمام مأتم العجم الكبير، وذهب مع ضيفه إلى أحد الأزقة وتركني بالسيارة لوحدي، وفي تخميني الآن انه قصد مأتم بن زبر القريب.
كان الظلام دامساً، والمطر يهطل غزيراً، وأنا في كابينة السيارة سيطر عليّ خوفٌ شديد، زاده ما كان يلتمع من برقٍ بين فترة وأخرى، بالإضافة إلى انبعاث شرارات قوية بفعل تساقط المطر على الأسلاك الكهربائية المعلقة على أحد الأعمدة بالشارع قريباً من السيارة.
على رغم هذا الخوف الطارئ أو تلك المعاناة الدائمة، كان الشتاء يحمل معه جانباً جميلاً جداً لنا نحن الصغار، إذ كثيراً ما كان يرجع الوالد من عمله في الليل، وهو يحمل كيساً مليئاً بحبّات «الحمبصيص» الملساء ذات الفرو، وكان يلذّ لنا أن نتحلّق حوله بعد أن يستقر مكانه، فيقوم بشيّ هذه الحبّات اللذيذة على الوابور الذي يعمل بالكيروسين، وبعد سنوات لاحقة كان يقوم بذلك على أطراف المدفأة الكهربائية، فتسمع تقصّفها بعد أن تنضج على اللهب الأحمر.
في الصيف يكون النوم في «الحوش»، ذلك الفناء الواسع الكبير. وفي كل يوم كانت هناك مراسم تقليدية تجري عند ساعة الغروب، حيث يجري رشّ الفناء الترابي بالماء، لامتصاص الحرارة التي اختزنها في النهار. ثم يجري صفّ الأخشاب وترتيبها بطريقة هندسية متراكبة، ثم يجري وضع الفرش والوسائد عليها. بعد أن تفرغ الأم من هذه المهمة اليومية الشاقة بعد المغرب، يبدأ دورنا نحن بعد العشاء، فكان يستهوينا اللعب والقفز عليها.
كانت هذه الطريقة المتاحة لأغلب الناس للتغلب على حرارة الجو والرطوبة في أشهر الصيف، بعدها دخلت المروحة الأرضية التي تدور فتوزّع نسمات الهواء على النائمين. وكنا نستمتع بالاقتراب منها ولصق وجوهنا بشبكها الخارجي والصراخ فيها حتى تتضخم أصواتنا، وأحياناً تأخذنا الشقاوة إلى المغامرة بنزع الشبك ومدّ إصبعنا للإمساك بالمروحة وإيقافها.
بعد أن تهدأ العاصفة وتنتهي الشقاوة والألعاب، كم كان جميلاً أن تستلقي على ظهرك وتفتح عينيك كل ليلةٍ على منظر السماء المرصّعة بالنجوم، حيث تراقبها وهي تتوهج من بعيد. وبين فترةٍ وأخرى تشاهد بعض الشهب التي تمرق سريعاً في السماء، فربما تشاهد كل ليلةٍ شهاباً أو شهابين قبل أن تغرق في نومٍ عميق.
هذا المنظر الساحر سنحرم منه بعد سنوات، مع التوسع في استخدام الكهرباء، وطغيان الأضواء الصناعية على النور القادم من السماء. كما ستُحرم من هذا المنظر الخلاب الأجيال التالية، التي لن يقدّر لها أن تغلق عينيها كل ليلة على منظر النجوم المتلألئة، والشهب المتطايرة في قبة السماء. ربما كنا آخر الأجيال المحظوظة بتلك المتعة التي لا يعدلها شيء قبل النوم، غير حكايات الجدة التي كانت تتحفنا كل ليلة بحكاياتها الطويلة، التي تكررها كل ليلة عن «عرّوه»، والتي لا أذكر نهايتها قط، لأن النوم كان يسرع إلى جفوني قبل إكمالها!
القصص الأخرى التي كانت تلهب خيال الطفولة، لم تكن تقتصر على الحكايات الشعبية والخيالية وقصص المغامرات، وإنما كان أكثرها مأخوذٌ من سيرة النبي (ص) وأهل بيته، وأكثرها يدور حول شخصيات كربلاء. واثنتان من هذه القصص ظلّت محفورة في أعماقي، الأولى عن قصة طفلَيْ مسلم اللذين نجيا من القتل في واقعة كربلاء، ولكن جرى تعقبهما واعتقالهما لاحقاًً أثناء فرارهما، وقتلهما أحد الجفاة وألقى بهما في النهر. أما الثانية فقصة القاسم بن موسى الكاظم، الذي هرب من ملاحقة السلطات حتى استقر في مدينة الحلّة، حيث تزوّج وأنجب طفلة وحيدة، مات عنها وهي صغيرة فأوصى بإرجاعها إلى المدينة المنوّرة لترعاها عائلته. مثل هذا القصص الديني يبقى مؤثراً في الوجدان والسلوك والمفاهيم التي يتشربها المرء في الحياة.
منزلنا الكبير يرتبط في مجمعٍ واحدٍ مع عدّة بيوت، في جوارنا بيت تسكنه عائلة مكونة من أخوين والأبناء، وفي ظهر بيتنا عائلةٌ الأبوان في عمر أبوينا، فجاء الأبناء والبنات في أعمار متقاربة، وقامت بينهم صداقات دامت سنوات وسنوات. البيت الثالث تفصلنا عنهم مسافة من الأعمار، مع ذلك ربطنا الجوار بعلاقة متينة من الصداقة والمحبة وحسن الجوار. والبيت الأخير عاشت فيه عائلة من الكادحين الطيّبين.
في هذا المحيط، عرفنا العلاقات الاجتماعية الطيبة وحسن الجوار والبساطة والإخاء. أحياناً تحتاج إحدى الأمهات إلى علبة معجون طماطم أثناء الطبخ، فكانت تفتح النافذة وتنادي على «أم محمد» لتجلب علبة، وفي مرةٍ أخرى تطلب أم محمد رأس بصل، أو حبات بطاطس، وكان مركب الحياة يسير سيراً هيناً لطيفاً على هذا المنوال.
في هذا المحيط، كانت كلّ ربة بيتٍ منهن تقوم بشؤون بيتها بالكامل، وتحرص فوق ذلك على نظافته ونظافة محيطه، إذ تحرص على كنس الشارع الترابي غير المسفلت آنذاك، فواجهة البيت من الخارج تدل على نظافة صاحبته.
هذا الجيل من الأمهات كان مكرِّساً كل حياته للمنزل والأبناء، فمحيط حياته لا يتجاوز هذه الحدود الضيقة، والاهتمامات لا تتجاوز تربية الأبناء والطبخ والغسل وتنظيف المنزل. لو كانت هناك جوائز للأمهات المثاليات المضحيات في ذلك الزمان لاحتارت لجان التحكيم في الاختيار.
حياة هذا الجيل لم تكن سهلة على الإطلاق، لكنه واجهها بالصبر وقوة التحمل والإيمان بالقدر، وربما بتسليم من لا يجد له بديلاً أفضل. كثيراتٌ منهن كان لهن مهنة من المهن البسيطة الملائمة لأوضاع ذلك الزمان، وبعضهن يسهمن في أعمال الزراعة مع أزواجهن وأبنائهن، يسقين الزرع وبعضهن يسلقن النخل لخرف الرطب. وبعضهن يجدن الخياطة وأعمال التطريز، فيوفرن جانباً من احتياجاتهن المادية، ويسهمن في تحمل تكاليف المعيشة، فالبحرينية لم تكن طارئة على سوق العمل في عقد السبعينيات.
في تلك الأيام، كانت الوالدة تجلس بعد الظهر إلى ماكينتها، ونتحلق حولها لتسرد علينا قصصاً وحكايات، ونستمع معها إلى إذاعة الكويت، التي تبث تمثيليات شعبية، لعل أشهرها في تلك الفترة «بوشلاخ»، التي لا تنتهي قصصه وادعاءاته!
رغم ضيق المحيط الاجتماعي، كانت للوالدة صداقاتٌ تربطها بعددٍ من الجارات من أصول مختلفة، من بينها عائلةٌ يمنيةٌ كان ابنها محمد زميلنا في الدراسة الابتدائية، وكان أبوه يعمل سائقاً في مصنع للمشروبات الغازية، ويستأجر بيتاً قريباً من منزلنا. في ذلك البيت، شاهدت لأول مرةٍ مجموعةً من الأرانب، التي تعيش في أنفاق حفرتها تحت الأرض في الفناء.
مدرسة الخميس هي مدرستي الأولى، وهي ثاني مدرسة نظامية حديثة تأسّست في البحرين. دخلتها لأول مرةٍ مع والدتي في صباح أحد الأيام، حين اصطحبتني للتسجيل فيها. كان هناك مدرسٌ يجلس إلى طاولةٍ صغيرةٍ متواضعةٍ يقوم بتسجيل أسماء الملتحقين الجدد. ولم أكن حينها قد أكملت السادسة، لكن إصرار أمي على التسجيل، والطريقة البدائية البسيطة المتبعة آنذاك، بمد اليد من فوق الرأس إلى الأذن الأخرى، مهّدا الطريق لي فسبقت أقراني بعامٍ واحدٍ من الدراسة، وهو ما سيظل يرافقني دائماً، أن أكون من أصغر التلاميذ في كلّ الفصول التي التحق بها حتى الجامعة.
المدرسة كانت فضاءً مفتوحاً، فهي بلا سور، ويمكن للمارّة أن يشاهدوا الطلبة داخل فصولهم. وقد أقيمت على مساحةٍ من الأرض كانت تنظم فيها سوقٌ أسبوعيةٌ عامرةٌ تُقام كلّ يوم خميس، ومنه استمدت اسمها وأعطته إلى المنطقة الشمالية الغربية من البلاد القديم، عاصمة البحرين قبل أن يتم نقلها إلى المنامة على بعد كيلومترين قبل أربعة قرون.
في هذه السوق كانت تباع مختلف البضائع والغلال، فتتوزع الفرشات لبيع المحاصيل الزراعية والأسماك واللحوم والمواشي والحمير التي كانت وسيلة النقل الرئيسية قبل انتشار السيارات. وكنا صغاراً نأتي السوق للعب في غير يوم الخميس. وبعد توقف السوق كنشاط تجاري أواخر الستينيات، ظلت آثاره قائمةً داخل محيط المدرسة، فكنت ترى بعض المصطبات في الجزء الشمالي من المدرسة، التي جرى تسويرها بعد سنواتٍ في الثمانينيات.
وإلى جانب تاريخ المدرسة، ظلّت مرتبطةً بالمسجد التاريخي القديم الذي يحمل الاسم نفسه، ويفصلها عنه الشارع الرئيسي. وكثيراً ما كان مدرّسو الرسم يكلفون الطلاب برسم المسجد بمئذنتيه الشامختين، ويقوم بعضهم بإخراجهم أحياناً إلى الساحة ليرسموا المنظر المهيب في الفضاء الطلق.
في مدرسة الخميس، كان هناك الكثير من مدرسينا في بدايات مشوارهم المهني، من بينهم الاستاذ حسن بهلول الذي عُرف كواحد من أشهر الخطاطين على مستوى البحرين، وعلي حفّاظ الذي عُرف كواحدٍ من كبار الفنانين التشكيليين.
ولأن المدرسة غير مسوّرة، فإنها مفتوحةٌ على الشوارع والطرقات، ففي جنوبها يوجد «الجبل»، وهو تلةٌ جيريةٌ صغيرةٌ مستطيلة الشكل بارتفاع أربعة أمتار تقريباً، وكنا نلعب ونلهو بتسلقها في بعض الأيام، وفي الدوام يأخذنا بعض مدرّسي الفن إليها لنقتطع أجزاءً صغيرة في حجم الكف أو أكبر قليلاً، لنعمل على نحتها. لكن هذه الصنعة لم تكن تلقى قبولاً لدى عوائلنا، فهذا الدرس إنما يعلّمنا كيف نصنع الأصنام!
إذا ذكرنا «نحت الأصنام»، فلابد أن نذكر في المقابل الأستاذ أحمد بن رجب، الذي علّم أغلب الطلبة الصلاة. كان رجلاً عجوزاً طويل القامة، متقدماً في السن. ولم يكن يكتفي بتعليم المقرّر في الكتاب المدرسي، وإنما أخذ على عاتقه مهمة تعليمنا الصلاة. كان يخرجنا من الصف في طابور، ويقودنا إلى مسجد ناصر الدين، الواقع في الطرف الجنوبي من المدرسة. هناك تعلّمنا أول الدروس الدينية في كيفية الوضوء وأداء الصلاة، فكان (رحمه الله) نعم المعلّم للطلاب، وكم سهّل على الأسر مهمة تعليم أطفالها الفروض الدينية الأساسية.
إلى الشمال من المدرسة، يقع مسجد الخميس، الذي كان يعرف تاريخياً بـ «المشهد ذو المنارتين»، وبسبب المناهج الدراسية، رسخ في أذهاننا أنه مبني في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز (99 - 101 هـ/ 717 - 719م)، لكن عندما كبرنا اكتشفنا أن هناك روايات أخرى، تثبت انه أحدث عهداً من ذلك، إذ بني في عهد الدولة العيونية، التي أسسها عبدالله العيوني (467 - 638 هـ/ 1074 - 1240م) ، وامتدت من العاصمة «العيون» بالاحساء، إلى القطيف وجزيرتنا «أوال»، ووصلت شمالاً إلى كاظمة بالكويت، حتى عمان جنوباً. وبنى المسجد حفيده أبو سنان محمد بن الفضل العيوني (518 هـ/ 1124م). وعرفنا أيضاً انه هو الذي شيّد المنارة الغربية، أما المنارة الشرقية فشيدت بعد قرنين من الزمان (تحديداً في العام 724 هـ/ 1323م)، في عهد الدولة العصفورية التي خلفت حكم العيونيين.
العدد 2799 - الأربعاء 05 مايو 2010م الموافق 20 جمادى الأولى 1431هـ
لفنه
نشكر السيد قاسم حسين و أود ان أصصحح اسم استاذ الدين و هو الاستاذ ابراهيم بن عبدعلي ال رجب رحمه اللةز