العدد 2792 - الأربعاء 28 أبريل 2010م الموافق 13 جمادى الأولى 1431هـ

عودة واشنطن إلى حكاية الصواريخ

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عودة واشنطن وتل أبيب إلى إثارة حكاية تهريب الصواريخ إلى حزب الله في لبنان أعادت تجديد المسألة من زاوية مختلفة. فالكلام عن إرسال إيران وسورية «صواريخ متطورة» والحديث عن وجود ترسانة لا تمتلكها دول كبرى وإطلاق موجة من المخاوف المصطنعة بزعم أنها تهدد أمن «إسرائيل» وعمقها الاستراتيجي جاء في سياق سياسي تمثل في نقاط ثلاث:

الأولى، كشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن وجود أفكار أميركية جديدة طرحها عليه المبعوث جورج ميتشل في زيارته الأخيرة وهو بدوره سيقوم بعرضها على اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في القاهرة السبت المقبل.

الثانية، تأكيد الرئيس باراك أوباما لوزير الدفاع الإسرائيلي التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل» وحرصها على تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط بما في ذلك الحل القائم على دولتين.

الثالثة، إعلان حزب «كاديما» المعارض أن حكومة بنيامين نتنياهو جمدت سراً قرار الموافقة السابقة على مشروعات الاستيطان في القدس الشرقية في مسعى إلى تخفيف التوتر مع واشنطن وتشجيع الفلسطينيين على الدخول في المفاوضات.

النقاط الثلاث تظهر وجود متغيرات في قواعد التفاوض. فالجانب الفلسطيني يبدو أنه بدأ يستعد في حال نجحت واشنطن في الضغط على تل أبيب وأقنعتها بضرورة وقف الاستيطان. والجانب الإسرائيلي يبدو أنه قرر التهاون في مسألة حساسة حتى لا يخسر الدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة. والإدارة الأميركية أرادت من جانبها إرسال إشارة قوية للطرف الإسرائيلي بشأن السلام المترافق مع «أمن» الدولة وعدم تعرضها لمخاطر الصواريخ.

أمن «إسرائيل» يعادل السلام برأي أميركا أو لا سلام من دون ضمان استقرار الدولة العبرية وحمايتها ورعايتها. وهذه الناحية أكدها مستشار الأمن القومي جيم جونز حين التقى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الموجود حالياً في واشنطن. فالمستشار الأميركي رفع أمن «إسرائيل» إلى مرتبة المقدس قائلاً «إن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل أمر مقدس». وبما أن هذه القدسية تشكل الإطار الضامن لكل ما يتصل بالسلام فمعنى ذلك أن أميركا تريد تأكيد التزامها من خلال الضمانات وبإرسال تهديدات مبطنة للجهات التي تشكل خطراً على أمن تل أبيب.

بسبب ضغوط هذه النقطة الملحة عاودت تل أبيب برأيها إثارة مسألة الصواريخ مجدداً وما تمثله من تهديدات على أمنها المكفول من الولايات المتحدة. وجاءت هذه التلميحات هذه المرة في سياق مختلف عن تلك التي أطلقت في الأسبوعين الماضيين. فهذه المرة لم يرد ذكر «سكود» في التصريحات واستبدلت المفردة بـ «المتطورة» من دون تحديد اسم الصاروخ المفترض أن إيران سربته إلى حزب الله من خلال استخدام الممر السوري.

إسقاط كلمة «سكود» من التصريحات الأميركية - الإسرائيلية الأخيرة يؤشر بدوره إلى نقطتين: الأولى، أن خدعة الصواريخ السوفياتية الاستراتيجية انكشفت بعد سلسلة تهديدات مصطنعة انتهت كلها إلى التوافق الدولي والعربي على أنها مجرد شائعة وكذبة كبيرة. الثانية، أن مسألة الصواريخ أخذت في التصريحات المستجدة مناحي مغايرة تركز على الخطر الأمني بغض النظر عن صنف الصاروخ واسمه ومصدره ونوعه وحجمه وطوله وعرضه. وهذا يعني أن الموضوع تطور ولم يعد يقتصر على «سكود» وإنما على أي صاروخ قد يستخدمه حزب الله في حال حصلت مواجهة عسكرية على الجبهة اللبنانية.

الجانب المذكور من مسألة الخطر على أمن «إسرائيل» المقدس أميركياً يعطي صورة عن تلك الملابسات التي ترافقت مع شائعة «سكود» إذ تبين أن المقصود ليس الاعتراض على تزويد سورية بالصاروخ السوفياتي الاستراتيجي وإنما بأي صنف كان من منظومات الصواريخ التي يمكن أن تهربها إيران إلى لبنان عبر بوابة دمشق. وهذا الجديد في الكلام الأميركي - الإسرائيلي يعتبر أخطر أمنياً من سالفة «سكود» التي نفت سورية صحتها. فالملحق المضاف على الحكاية يؤشر إلى وجود متغير في قواعد الاشتباك ومحاولة لتوسيع دائرة الفعل وردة الفعل من خلال إدخال سورية على خط المواجهة وثم إدخال إيران.

التصريحات الأولى ركزت على منظومة «سكود» فقط ولم تذكر إيران بالاسم إلى جانب سورية. التصريحات الثانية ركزت على كل منظومات الصواريخ من دون تحديد نوعها وحجمها وأضافت إيران إلى جانب اسم سورية. وهذا الجديد يعتبر خطوة نوعية في حال واصلت إدارة واشنطن تطوير رؤيتها للأمن الإسرائيلي باتجاه رفعه إلى مرتبة المقدس. فالمقدس يعني رفض المساس بأمنه حتى لو كانت الصواريخ من نوع «غراد» و «كاتيوشا» العادية جداً.

عودة واشنطن وتل أبيب إلى إثارة حكاية «الصواريخ المتطورة» بعد انفضاح أمر «سكود» وإضافة إيران بالاسم إلى جانب سورية يكشفان عن نمو سياسة بدأت تعيد النظر بقواعد اللعبة وتشعباتها الإقليمية وامتداداتها الجغرافية ومساحة الاشتباك المقررة في حال حصلت المواجهة أو في حال قررت الولايات المتحدة فتح أبوابها للتفاوض مع الجانب الفلسطيني بهدف تحقيق السلام الشامل ومن دون تهاون كما ذكر أوباما في خطاب ألقاه أمام قمة «رواد الأعمال للشباب المسلم».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2792 - الأربعاء 28 أبريل 2010م الموافق 13 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:17 ص

      مقال في الصيميم..

      أشكر الكاتب المحترم على المقال المحترم، والذي احتوى على تحليل دقيق لمجريات الأحداث التي تحاك والستار الله من المستقبل الذي ننتظره خلال الصيف القادم، وأرجو من الكاتب تناول هذا الموضوع بموضوعية وحرفية لتفكيك مجريات الأحداث وقراءة المستقبل.. وشكراً مرة أخرى.

اقرأ ايضاً