العدد 2787 - الجمعة 23 أبريل 2010م الموافق 08 جمادى الأولى 1431هـ

شائعة «سكود» والرسالة الأميركية المزدوجة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مسارعة واشنطن إلى تبني مزاعم صحافية إسرائيلية بشأن تهريب دمشق صواريخ «سكود» سوفياتية الصنع إلى حزب الله اللبناني، تؤكد مجدداً تلك العلاقة الاستراتيجية التي تربط العاصمة الأميركية بحكومة تل أبيب مهما اختلفت معها في ملفات أخرى. فالتصريحات العنيفة التي صدرت عن مسئولين في إدارة باراك أوباما محذرة من مغبة استخدامها ضد العمق الإسرائيلي استهدفت تطمين تل أبيب وتجديد الثقة السياسية التي تعرضت إلى الاهتزاز في الفترة الأخيرة.

واشنطن تدرك سلفاً أن تلك الصواريخ الثقيلة غير مجدية على رغم انها تصنف من الأسلحة الاستراتيجية ذات القدرة التدميرية الهائلة قياساً بالراجمات (غراد وكاتيوشا) التي يعتمد عليها حزب الله. منظومة «سكود» لا تصلح لتكتيكات المواجهات الدفاعية في الجنوب لأنها كلاسيكية وتحتاج إلى صيانة دائمة وعناية فائقة وتتطلب موازنة خاصة وطاقماً جاهزاً ومتدرباً على الحروب النظامية. وهذه الشروط غير متوافرة في تنظيم يتبع أسلوب الحركة السريعة والتنقل بين الأودية والمرتفعات والضرب والاختفاء وعدم الظهور في الساحات نهاراً درءاً لمخاطر الانكشاف.

كذلك تدرك واشنطن أن النظام في سورية أذكى من أن يتورط في خطأ كبير يمكن أن يستدرجه إلى السقوط في فخ عسكري يتطلب جهوزية غير عادية ليست متوافرة الآن. فالنظام بحكم التجربة الطويلة يعرف أصول اللعبة وخطوط النار وحدود التقدم والتراجع وبالتالي ليس سهلاً تورطه في عملية غالية الثمن ومكلفة بشرياً ومادياً.

هذه التوصيفات لما يسمى شائعة «سكود» تؤشر إلى وجود أهداف أخرى تتجاوز حدود المسألة الصاروخية أرادت واشنطن إرسالها إلى دمشق وتل أبيب في وقت واحد. الإدارة الأميركية استغلت أخبار الصحف وسارعت إلى البناء عليها من دون أن تتبنى صحتها لتخويف سورية من جانب وتطمين تل أبيب من جانب.

الجانب الأول المتعلق بدمشق وجه رسالة سياسية عنيفة تحذر من مغبة فتح جبهة عسكرية تنطلق من الجنوب اللبناني مشيرة في تضاعيفها إلى احتمال تطور أو تعديل قواعد الاشتباك وتوسيع دائرته الجغرافية ليشمل الأراضي والبنى التحتية السورية.

الجانب الثاني المتعلق بتل أبيب وجه رسالة سياسية تضامنية أبدت حرص الولايات المتحدة على أمن «إسرائيل» واستمرار التزامها بالدفاع عنها وحمايتها من المخاطر بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر المرحلية.

شائعة «سكود» شكلت مناسبة لإدارة أوباما لإعادة توضيح معالم صورة تعرضت في المدة الأخيرة للتشويش بعد تلك الخلافات التي ظهرت في أفق العلاقات بين البلدين بسبب تعنت حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان ورفضها التجاوب مع الطلبات الأميركية بشأن استئناف المفاوضات وتجميد عملية بناء المستوطنات وتمديدها إلى الإحياء والقرى الفلسطينية. وجاءت المسارعة الأميركية لتعطي تل أبيب ذاك الزخم المطلوب إعلاميا للتغطية على ما يقال من تحركات واتصالات وتحرشات بدأت الولايات المتحدة تتعاطاها بنية إسقاط حكومة نتنياهو - ليبرمان أو على الأقل فك ارتباط الثنائي والدعوة إلى تأليف تحالفات جديدة مع العمل وكاديما.

الكلام عن وجود معركة خفية بين إدارة أوباما وحكومة تل أبيب الأولى تقودها أجهزة وشبكة من الاتصالات والعلاقات بقصد إعادة تشكيل وزارة نتنياهو والثانية تقودها لوبيات سياسية في الكونغرس الأميركي بقصد منع واشنطن من ممارسة الضغط على الحليف الاستراتيجي في «الشرق الأوسط» يشبه كثيراً شائعة «سكود» من حيث صدقيته. فالكلام عن خلاف يحتاج إلى أدلة دامغة ليرجح احتمال دخول واشنطن في معركة كسر إرادة مع تل أبيب، ولكنه شكل حاجة إعلامية تلبي متطلبات مؤقتة تشبه في مفعولها السياسي تلك الفرضيات التي أطلقتها صواريخ «سكود» في فضاء لبنان وسورية.

شائعة الصواريخ لا تختلف في توقيتها عن وظائف الكلام عن نشوب معركة وراء الكواليس بين واشنطن وتل أبيب. فالشائعة غير قابلة للتصديق لأن دمشق أذكى من أن تتورط في لعبة خطرة تعرف مسبقاً مدى كلفتها. والكلام عن انقطاع حبل الود بين واشنطن وتل أبيب يحتاج بدوره إلى تدقيق حتى لا تختلط الأمنيات بالوقائع ويتحول الاختلاف إلى مراهنة غير محمودة.

الاختلاف بين أوباما ونتنياهو موجود، والاستعداد للحرب بعد تجميد العمليات العسكرية بناء على القرار 1701 يجري على قدم وساق منذ صيف 2006. فهذه وقائع لكنها لا ترتقي إلى حد تصور ارتسام سيناريو أميركي يعيد ترتيب العلاقات الاستراتيجية مع «إسرائيل» في إطار هيكلي يتعارض مع الثوابت، كذلك لا ترتقي المزاعم الصحافية إلى درجة من الصدقية حتى يمكن تقبل أخبار تهريب سورية صواريخ «سكود» إلى حزب الله.

الشائعة جاءت للرد على الكلام بشأن الخلاف الأميركي – الإسرائيلي وتوضيح خطوطه وترسيم معالمه ضمن أطر ضيقة يمكن التحكم بها والسيطرة عليها. ولهذا السبب سارعت واشنطن للبناء على أخبار الصحف وتوجيه رسالة إلى الطرفين: الأولى تطمين تل أبيب إلى المظلة الأمنية والثانية تحذير دمشق من مخاطر تجاوز الحدود المتعارف عليها في اللعبة الدولية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2787 - الجمعة 23 أبريل 2010م الموافق 08 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:59 م

      الرشد

      ان حزب اللة يملك اسكود بشرى ايمانى يرهب عدواللة بعلم اصفر وشعب محب وقائد انسان دو احساس ملك شعوب العالم حتى فى دول غير اسلامية

    • زائر 3 | 4:36 ص

      14 نور:: شائعة أم حقيقة

      شائعة أم حقيقة حلمُ ُ أم يقظة كلها وجهُ ُ واحد دول الإمتناع تحت الخطر شائوا أم أبوا فعلوا أم إفتعلوا فهم ليسوا على خطى قوى الظلام الحالك ومن لم يكون كذلك فهو نورُ ُساطع يسهل تدميره وذلك في نظر دول الظلام أما في عقيدتنا فهي كالآتي دول الإمتناع ساطعة وسط الظلام صحيح ولكنها تعمي عيونهم وستظل تدافع عن قضاياو حقوق الأمة وستنتصر لأنها تدافع عن حق لا عن باطل فدعهم يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون
      فالذي نظر بالأمس إلى المناورات الإيرانية يكون قد عرف القوة الفعلية التي سيراها وسيلمسها عند الإلتحام

    • زائر 2 | 3:19 ص

      تحليل محترم

      تحليل واقعي ومحترم، شكراً للكاتب على المقال.

    • زائر 1 | 11:16 م

      عبد علي عباس البصري

      هذه رساله الى سوريا ولبنان ، واللتين ستدفعان الثمن الباهض ، عند ثوران بركان الخليج ، الذي يتوقع ثورنه بين صيفي عام 2010 و 2011 وستكون الحرب غير متوقعه الوقت والآثار ، ستصب الصواريخ الايرانيه كل ثقلها على الاراضي الاسرائيليه ، بينما ستكون لبنان وسوريا الارض الخصبه للقاذفات والمدفعيه الاسرائيليه (هذا ما توقعته صحيفه ايديعوت احرانوت الاسرائيليه كمانشرتهاصحيفه القدس العربي يوم امس)

اقرأ ايضاً