العدد 2786 - الخميس 22 أبريل 2010م الموافق 07 جمادى الأولى 1431هـ

المياه... تلك القنبلة الموقوتة (3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تخلص معظم الدراسات التي تحذر من شحة المياه إلى نتيجة رئيسية مفادها «أن المياه ستكون سبباً غالباً في الحروب خلال القرن الحالي». صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، على سبيل المثال، تستشهد في عددها رقم 8296، الصادر بتاريخ 15 أغسطس/ آب 2001، بدراستين، الأولى تلك التي أعدت للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وتجد «أن 70 دولة على الأقل في أربع قارات ربما تدخل في حروب حول المياه»، والثانية التي كانت من نصيب الأمم المتحدة، وترى أن «احتمالات أن يصبح العطش خطراً يهدد العالم بالإضافة إلى تدني مستويات المعيشة لدى ثلث البشرية تقريباً».

في السياق ذاته ينقل موقع صحيفة «الشعب» الصينية مقاطع من تقرير أصدره في منتصف مارس/ آذار 2009 «الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة» يؤكد أن «تحسين التعاون بشأن المشاركة في الأنهار يمكن أن يساعد الحكومات على تجنب نزاعات المياه». ثم يعود للتحذير من أن «زيادة الطلب على المياه قد يؤدي إلى نشوب نزاعات بشأن الموارد المشتركة».

موقع السعودية تحت المجهر، ينقل مقالة مطولة لأحمد الشاطر، يستشهد فيها بما أوردته ماودري بارلو (Maude Barlow) في كتابها «الوثيقة الزرقاء» (Blue Covenant)، التي تعتبر «نقص المياه، وعدم المساواة في الحصول عليها، والتحكم في مصادر المياه من أخطر المشكلات التي تواجه كوكب الأرض». وتدعو باولو، تأسيساً على ذلك، ومن أجل تحاشي أية حروب إلى «ضرورة وضع ميثاق دولي يهدف إلى التعاون للتصدي لهذه الأزمة لأن قضية أزمة المياه العالمية تعد مسألة حياة أو موت بالنسبة للعالم الذي يتوقع أن يشهد العديد من الصراعات والحروب في سبيل الحصول على المياه». ويعلل الشاطر تحول المياه إلى قنبلة موقوتة يمكن أن يدمر انفجارها العالم إلى أن «أكثر من 215 نهراً رئيسياً و300 حوض للمياه الجوفية مشتركة بين دولتين على الأقل مما يخلق نزاعات بشأن ملكية هذه المصادر أو آلية استخدامها».

مسألة مهمة لابد وأن نشير لها هنا وهي عدم عدالة توزيع المياه على الصعيد العالمي، وهو أمر يشير له المدير العام لليونسكو السابق كويشيرو ماتسورا حين يقول «إن التناقص القائم في هذه الموارد (يقصد المياه) والتنافس المتزايد الذي يثيره، يهددان السلم ومهمة القضاء على الفقر، ولذلك ينبغي التأكيد على ضرورة العمل على أن يصبح هذا المورد الحيوي موزعاً بشكل أكثر نجاعة وإنصافاً». وعدم العدالة في التوزيع تؤكدها أيضاً مقالة صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية التي أشرنا لها سابقاً حيث يرد فيها « إذا افترضنا أن أي شخص في هذا العالم يستخدم نفس كمية المياه التي يستخدمها المواطن الأميركي العادي، فإن مصادر المياه الحالية يمكن أن تخدم 4 مليارات شخص فقط. ومع ذلك فإن عدد سكان العالم سيصل حسب التوقعات إلى 8 مليارات نسمة بنهاية العام 2020».

على مستوى الشرق الأوسط، يكتسب موضوع النزاع على المياه بعداً إستراتيجياً نظراً لطبيعة النزاع العربي – الإسرئيليي أولاً، وللسياسة العدوانية التي تنتهجها «إسرائيل» في استيلائها القسري على المياه العربية، وتحويل مصادرها لصالحها ثانياً. هذا الموضوع كان محور حلقة «وراء الخبر» التي تبثها قناة «الجزيرة» من قطر، والتي شارك فيها في فبراير/ شباط 1999، بالإضافة إلى معدِّها محمد كريشان، وزير المياه الأردني الأسبق منذر حدادين، والكاتب والمحلل السياسي «الإسرائيلي» شاؤول منشية، ووزير الري السوداني الأسبق يحيى عبد المجيد، وأحمد الشولي، والتي كان سبب عقدها كما يقول كريشان «إعلان إسرائيل (حينها) عن احتمال تخفيض كمية المياه المخصصة للأردن وفقاً لاتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية»، والتي تعبر عن «أزمة تمس الأمن القومي العربي في الصميم، فأزمة المياه تؤكد كل الدراسات بأنها ستكون محور الصراعات في المنطقة خلال العقد الأول من القرن المقبل». يستهل الشولي الحلقة بالقول بأن الدراسات والتقارير التي نشرت حتى الآن ترى «أن مسألة المياه ستكون مفتاح الحرب والسلام في الشرق الأوسط خلال العقد القادم، فالتزايد المستمر في عدد سكان المنطقة، يواكبه تناقص مستمر في موارد المياه، ونتيجة للمواسم المتعاقبة أصبح الماء شحيحاً بدرجة لا مثيل لها في أي مكان آخر في العالم، فمتوسط نصيب الفرد من المياه بالمعايير الدولية يبلغ نحو ألف لتر مكعب سنوياً، ولكن 53 في المئة من السكان العرب لا يحصلون على هذه النسبة، وتشير الدراسات إلى أن هذه الأزمة سوف تزداد تفاقماً بحيث يصل العجز المائي العربي إلى ما يزيد عن 171 مليار متر مكعب بحلول العام 2030، مما يزيد من خطورة هذه القضية الاستراتيجية على الأمن القومي العربي».

ويعزز كريشان ما ذهب إليه الشولي قائلاً «يعني الإحصائيات تشير إلى أن بلدان الشرق الأوسط تحتاج مع نهاية هذا القرن الآن، إلى ضعفي كمية المياه المتوفرة حالياً، وإلى أنه بحلول العام 2025 تحتاج إلى أربعة أضعاف هذه الكمية، وأنه في الشرق الأوسط لا توجد سوى تركيا ولبنان يمتلكان مصادر مائية تلبي احتياجات الحاضر والمستقبل بينما، دول أخرى مثل مصر أو إسرائيل بحاجة إلى ضعفي المتاح حالياً سواء كان مياهاً سطحية أو مياهاً جوفية». وينهي الشويكان مقدمته بسؤال مرعب يقول فيه «إذن يبدو أن هناك أزمة حقيقية، ولكن هل يمكن أن تصل هذه الأزمة إلى حد التصادم أو حروب الماء كما يروج من حين إلى آخر»؟ ولا يخرج المشاركون في الندوة هذا التصور الذي يحول المياه هنا أيضاً إلى قنبلة موقوتة أشد نفجاراً من تلك الدولية، مصدرها كما ذكرنا طبيعة الصراع الشرق أوسطي.

ما يضاعف من خطورة القضية في الشرق الأوسط، هي كون الحلول المطروحة، كما يقول البعض «في الأساس مبادرات أوروبية ودولية وليست نابعة من دول المنطقة؛ وهو ما يفتح الباب أمام التدخلات الدولية في المنطقة».

كل ذلك لا يعني أن ليس أمام العالم سوى طريق واحدة هي الحرب من أجل حل مشكلات المياه، فهناك الكثير من الجهود أجل تجنيب البشرية هذا الخيار، فهناك إعلان لاهاي 2000 الصادر عن اجتماع دولي «شارك فيه أكثر من 150 وزيراً من وزراء المياه والموارد المائية والبيئة من القارات الست‏، سوية مع مجموعة أخرى وعدد من القيادات والشخصيات القيادية الدولية منهم رؤساء دول وحكومات سابقون»‏.

ويبقى السؤال قائماً من ذا الذي بوسعه نزع فتيل هذه القنبلة قبل انفجارها المدمر للجميع؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2786 - الخميس 22 أبريل 2010م الموافق 07 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً