العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ

العراق والسلسلة الثلاثية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مهما كانت التوافقات التي يمكن أن تتوصل إليها الكتل النيابية الأربع الفائزة في الانتخابات العراقية الأخيرة فإن دولة بلاد الرافدين دخلت في طور انقسامي يرجح أن يعيد تشكيل خريطة العلاقات الإقليمية والتوازنات الداخلية. فالعراق بعد سبع سنوات من الاحتلال والتقويض والتفكيك والفرز الطائفي والمذهبي والأقوامي أصبح يتكون ميدانيا من مجموعات أهلية منطوية على ذاتها في مناطق جغرافية منعزلة يطلق عليها محافظات.

انقسام العراق واقعيا الذي تولد بفعل الاحتلال أخرج الدولة من المعادلة وأعطى فرصة للأقاليم المجاورة للتدخل بحسب ما تقتضيه متطلبات الجغرافيا والمجال الحيوي لدول الجوار معطوفة على نسبة حجم المجموعات الأهلية في الداخل. والنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية تعطي عينة موضوعية عن موازين القوى وتوزعها السكاني على الخريطة المحلية وامتداداتها الإقليمية، وموقع كل طرف من دول الجوار في المشاركة أو الضغط أو التأثير لتشكيل الحكومة المقبلة.

على أساس هذه القراءة يرجح أن تلعب طهران الدور الأساس في تكوين هيئة العراق وصورته الأهلية - السياسية، باعتبار أن اللائحتين المحسوبتين على الشيعة تشكلان غالبية نسبية راجحة ما يعطي لها أفضلية في التأثير على المعادلة وما تتطلبه من ضمانات أمنية وامتداد جغرافي - اقتصادي.

الكتلة السنية التي يرأسها إياد علاوي نجحت في أن تكسب منفردة الموقع الأول في التوازن الانتخابي ولكنها قد تتراجع إلى المرتبة الثانية في حال فشلت في كسب تعاطف أو تحالف واحدة من القائمتين الشيعيتين إضافة إلى التحالف الكر دستاني. وعلى هذا التوزع يستبعد أن تلعب الدول العربية المجاورة للعراق الدور الأساس في تشكيل الحكومة والمحافظة على هوية بلاد الرافدين ووحدة الدولة باعتبار أن المكون الأهلي الذي يمكن أن تعتمد عليه تراجع عن موقعه السابق ولم يعد يمتلك ذلك التأثير في إعادة تشكيل الصورة كما كانت عليها في العقود الماضية.

التحالف الكردستاني الذي احتل المرتبة الثالثة أصبح في الموقع الأضعف في المعادلة ودخل الآن طور التراجع ويرجح أن يدفع كلفة التوافق إذا تقارب علاوي مع المالكي والصدر، وأيضا لا يستبعد أن يدفع ضريبة التخاصم إذا اختلف علاوي مع المالكي والصدر على توزيع مقاعد الحكومة. وبهذا المعنى تبدو الحقبة الذهبية للتحالف الكردستاني في حال من الغياب مقابل ظهور معالم مرحلة جديدة للتوازنات لن تكون لمصلحته مهما حاول قادته الحد من الخسائر المحتملة.

مشكلة التحالف الكردستاني أنه يعاني من عزلة إقليمية وضعف في عمقه الجغرافي وعدم قدرة على التحرك خارج المنظومة الإقليمية التي تتحكم بها تركيا وإيران. فالشمال العراقي يفتقد إلى موقع بحري أو منافذ ومخارج ومعابر وممرات برية تعطيه حرية الحركة وذلك الهامش المستقل للتعامل مع الخارج. فالجغرافيا في النهاية تفرض شروطها السياسية على التحالف الكردستاني وبالتالي فإن الثنائي طالباني - بارزاني لا يستطيع أن يتخذ مبادرة من دون الرجوع إلى طهران أو الاطلاع على موقف أنقرة وقراءة مصالحه بناء على حسابات الأقاليم ودول الجوار.

شمال العراق بعد سبع سنوات على الاحتلال والتقويض أصبح الآن الحلقة الأضعف في السلسلة الثلاثية. ويرجح أن تزداد الحلقة ضعفا بعد الانسحاب الأميركي في العام 2012. وهذا الأمر يتطلب مراجعة من قادة الكرد لمجموعة من العناصر التكوينية التي شكلت أساسا لكل تحركاتهم وانتفاضاتهم في العقود الأربعة الأخيرة. فالمشروع السياسي الذي طمح سابقا إلى تشكيل دولة كردية كبرى تتجمع في داخلها كل المكونات الأهلية من إيران وتركيا وسورية والعراق أصبح في طريقه إلى التبخر بسبب الممانعات الإقليمية والممنوعات الدولية التي أخذت تفرض شروطها حتى على تلك المحافظات التي تقع جغرافيا في شمال بلاد الرافدين.

هناك إذا متغيرات مهمة في تركيبة العراق بدأت تتمظهر سياسيا بعد حصول تلك التحولات في البنية السكانية وما أنتجه الاحتلال (التقويض) من انشطارات أهلية وتمزق طائفي ومذهبي وأقوامي. وكل هذه المتغيرات التي بدأت بالقوة تحولت كما يبدو الآن إلى حال أخذ يستقر بالفعل، ما يؤشر إلى نمو قوى تلعب الدور الأول في تشكيل صورة العراق، وتراجع دور قوى إلى المرتبة الثانية، وأخرى (الأكراد) إلى الدرجة الثالثة. وهذه الحقائق الميدانية (الأهلية - الجغرافية) لا يمكن استبعادها من معادلة القوة وامتدادها الإقليمي الجواري. فالعراق بعد الانتخابات دخل في طور انقسامي بدأ يلعب دوره في تعديل صورة الدولة من خلال إعادة تشكيل خريطة العلاقات الإقليمية وما تمثله من مراكز قوى في التوازنات الأهلية الداخلية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:20 ص

      14 نور :: تابع لمفاجئة ستقلب الموازين! تحياتي للكاتب الأستاذ وليد فهو دائما بقلب الحدث.

      فهناك أموال دخلت عن طريق البحر ووصلت عن طريق النهر وبحماية النسر الأصلع فما أن إجتمع السيف و النسر حتى أرخى الليل ستاره و وصلت الأموال إلى مستحقيها وتوزعت على طالبيها لقاء أعمال بان أثرها بعد ولوج الصباح و إقرار النتاج من كبد الصناديق المغلقة فكان على إثرها هبوط المتوقع وإرتفاع الغير متوقع فهي كانت صورة للإنتخابات التي حصلت في لبنان مع إختلاف بسيط في السيناريوا الذي تم تطبيقه وذلك بعد الأخذ بالطبيعة العراقية وحيثياتها ولكن مهما طال الليل لا بد أن تخرج الشمس و الظاهر بأن خروجها بات قريباً.

    • زائر 1 | 10:01 ص

      14 نور :: مفاجئة ستقلب الموازين!

      ربما ستنتهي هذه النظرية وذلك بناءً على المعلومات الجديدة التي صدرة من المحكمة الدستورية العراقية التي قررت أن يعاد فرز الأصوات يدوياً وذلك يعني إنقلاب الموازين في الإحصائات التي أجروها قبل وإبان الإنتخابات التي حصلت في العراق وكانت نتائج عدد من هذه الإحصاءات لصالح إئتلاف دولة القانون, وقد صدقت المحكمة الدستورية مزاعم الكيانات التي رفعت الشكوى والطلب بإعادت فرز الأصوات يدوياً للمحكمة الدستورية وبعد التحقيق ثبت بأن هناك تلاعب عن طريق إدخال الأصوات عن طريق الحواسب الآلية وذلك بعد رشوة الموظفين.

اقرأ ايضاً