قرار طرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره يمثل الوجه الآخر لقرارات التوطين وتوسيع المستوطنات وهدم المنازل وجرف الأحياء في القدس ومدن وقرى الضفة. فالاستيطان لا يمكن أن يقوم من دون أن تتوسع دولة الاحتلال وتستولي على أراضي وبيوت الفلسطينيين بذرائع ومسميات شتى.
قرار ترحيل الفلسطينيين من أماكن إقامتهم وعملهم في القدس والضفة الذي اتخذته حكومة النازية الجديدة في تل أبيب يشكل من جانب خطوة خطيرة في سياسة التهويد وتغيير المعالم البشرية والحجرية ومن جانب آخر يمثل تحديا للقرارات الدولية ورفضا لكل محاولات استئناف التفاوض بشأن العملية السلمية. فالقرار بداية في مسار مضاد لكل التوجهات السياسية التي ابتدأت في تسعينات القرن الماضي، وخطوة ارتدادية تعود بالمأساة إلى عام النكبة في 1948.
النازيون الجدد في تل أبيب اتخذوا كما يبدو قرار الإطاحة بكل المواثيق وتلك الاتفاقات التي وقعت في أوسلو بإشراف دولي، وهي اتفاقات تضمن عودة الشعب الفلسطيني تحت مظلة سلطة وطنية تؤسس قيام دولة مستقلة وذات سيادة عاصمتها القدس.
حكومة أقصى التطرف الإسرائيلي اتخذت في توجهها الأخير خطوة حاسمة باتجاه مضاد لتلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وما تشتمل عليه من فقرات تؤكد حق العودة (القرار 194) وحق استعادة الأرض (القرار 242) وحق بناء دولة (اتفاقات أوسلو) وحق السماح للفلسطينيين الغائبين أو المبعدين بالسكن والعمل في مناطق السلطة.
تدخل حكومة الثنائي النازي في موضوع السكن والإقامة والعمل وتجاوزها لكل القرارات والاتفاقات، يعني أن تل أبيب تعتبر القدس والضفة لاتزال تقع تحت الاحتلال وهي الطرف الذي يحدد من له حق الوجود في تلك المناطق، ومن يحق له التملك أو حمل هوية أو رخصة إقامة أو عمل. وهذا التجاوز الإسرائيلي يوجه رسالة سياسية تخترق كل القوانين وتنفي عن السلطة شرعية إدارة الأراضي التي تقع تحت سيطرتها بناء على ما تم التوافق عليه في اتفاقات أوسلو. فالاتفاقات هذه على رغم ما احتوت عليه من ثغرات كثيرة وفقرات غير واضحة كانت حاسمة في نقاط مختلفة منها حق عودة قيادة منظمة التحرير وكل الفصائل إلى أرضهم وديارهم تمهيدا لتأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
بناء على اتفاقات أوسلو وما أعقبها من توقيعات وتفاهمات عاد ياسر عرفات ومئات الفلسطينيين إلى غزة والضفة، باعتبار أن النصوص تعطي حق العودة بضمانات دولية تعهدت تل أبيب بتنفيذها وتسهيلها. وإقامة عرفات في رام الله والدعوة إلى انتخابات نقابية وبلدية وتشريعية ورئاسية جاء في سياق تطبيق تلك النصوص التي تم توقيعها في أوسلو وواشنطن والقاهرة وشرم الشيخ.
كل تلك الاتفاقات التي أشرفت الدول الكبرى على ضمانتها أعطت السلطة الفلسطينية شرعية إدارة مناطقها ضمن حدود 1967 ومنعتها من التدخل في شئون الأراضي المحتلة في العام 1948. وأدى هذا التقسيم الإداري للوظائف إلى فك الاشتباك وانسحاب قوات الاحتلال من غزة والضفة وإعطاء صلاحيات للسلطة بإعادة تنظيم علاقات الناس تحت سقف الشرعية الدولية.
حق العودة والإقامة والسكن والعمل والتنقل مسئولية السلطة الفلسطينية، وهي الطرف الذي يحق له تقرير من يخالف القانون أو لا يخالفه. فهذا الشأن التنظيمي يعتبر من مسئوليات السلطة لا الاحتلال باعتبار أنها تمثل الإطار القانوني الذي يحل أو يربط أو يجدد أو يلغي تراخيص المقيمين في نطاق أراضي 1967.
تدخل الاحتلال في شئون السلطة الفلسطينية وداخل دائرة مجالها القانوني لا يكسر فقط مسألة السيادة السياسية وإنما يخترق كل القرارات الدولية ويتجاوز كل الاتفاقات التي وقعت منذ أوسلو حتى الآن. فالنازية الجديدة كما يبدو لا تعترف بالقرارات الدولية وإنما أخذت تتنكر لتلك التفاهمات والالتزامات التي وافقت عليها في الاتفاقات وما تتضمنه من صلاحيات تعطي السلطة حق الإشراف والتنظيم والإدارة ومتابعة كل الشئون من ضرائب وجباية وإقامة وخدمات وتأمينات صحية وتربوية واجتماعية.
خطورة تدخل الاحتلال في شئون السلطة ومجالها القانوني لم يصدر عن فراغ وإنما عن قناعات تأخذ بها حكومة الثنائي النازي في تل أبيب وهي في معظمها خطوات ارتدادية إلى عام النكبة وإشارات استفزازية تتعمد إثارة غضب الدول العربية التي جددت في القمة الأخيرة (مؤتمر سرت) التزامها بمشروع المبادرة السلمية.
قرار الترحيل يشكل نقطة في كأس طافح بالماء. فالنقطة ليست عادية وإنما هي ذلك الرد العنصري المتعجرف على كل دعوات المسامحة والموادعة والمصالحة سواء صدرت من جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة أو حتى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ
حسافه يالبحرين
سبحان الله نفس الوضع في البحرين.
مقال عميق..
مقال عميق ومميز، شكراً للكاتب وليد نويهض..