غالبا ما تتمتع القيادات الشابة بنظرة مستقبلية واعدة خاصة إذا ما كانت مقرونة بالمعرفة العلمية والإدارية وحب تقديم الأفضل بما يتناسب والتطور التقني والمعرفي والخطط المستقبلية، حيث هذه الصفات التي نعتقد يتمتع بها المحافظ الشاب. وبهذه المناسبة نبارك له على الثقة السامية من لدى جلالة الملك بتعيينه محافظ للمحافظة الجنوبية، التي تعد أحد المحافظات التي تحتاج إلى إعادة ترتيب أغلب دوائرها لما تعانيه هذه الدوائر وخاصة الدائرة الأولى (الرفاع الشرقي).

من واجبنا كراصدين نقف مع من يمثل الشباب كقيادي لإعانته على المهام الموكلة إليه، وذلك من خلال توصيل أمنيات المواطن والمقيم بالمحافظة، ليحظى بقراءة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المعاش، حيث هذا الواقع لا يتوافق مع طموحاتنا، فنحن أولا بحاجة إلى تثبيت وتصحيح مخرجات المجتمع المدني والمتمثل بإيصال أعضاء بلديين ونواب انطلاقا من عقل بارد يعلو عن الانفعالات والشعارات لأن ما تحتاجه المحافظة لا يستطيع المحافظ الشاب القيام بها بمفرده ولكن من خلال تضافر الجهود، حيث هذه المخرجات أفرزت أعضاء بلديين ونواب تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، والشواهد على هذا التنافر واضح للأعين من خلال مناسبات كثيرة لا تعد ولا تحصى ابتداء من عدم التواصل فيما بينهم وصولا إلى أخذ الأسبقية لاستقبال الشخصيات العامة بمعزل عن دعوة هذا الطرف أو ذاك.

ولكن في إطار الجدل الدائر والاجتهادات البلدية والاجتماعية والاقتصادية القائمة اليوم تبرز إلى السطح قضايا التنمية والبناء بشكل صارخ ومترابط، مع إدراكنا بأن ما حدث في المجتمع البحريني يعد انقلابا شاملا مع أن هذا الانقلاب لا يعني أن المجتمع البحريني عموما أصبح مجتمعا عصريا حديثا فلا تزال بنى المجتمع التقليدي تفرض نفسها وتتحكم في عمق الفكر والممارسة. ولكن هذا القول لا ينطبق على مجالسنا بالمحافظة إلا من رحم ربي، التي استقبلها المحافظ مؤخرا. فبنيان هذه المجالس الفكرية القائمة هو نمط مختلط وهجين، نمط لمجتمع فقد توازنه في التعاطي مع هذه الأمور وفقد وتيرة تقدمه وأصبح حراكه مرهون بحراك غيره!

وبعد تشخيص واقع الحراك المدني بالجنوبية، وانطلاقا من باب الشفافية نذهب لواقع هذه المحافظة، حيث تحوي ما نسبته 53 في المئة من مبانٍ بحالة سيئة لعمر افتراضي من 5-10 سنوات و16 في المئة بحالة جيدة حسب ما جاء في تقرير المحافظة لسنة 2009، وهذا ما ينطبق على الرفاع الشرقي (الدائرة الأولى) التي تحوي نسبة السواد الأعظم من هذا التقرير. وفي المقابل، وبلغة المشاريع الاستثمارية المقامة بالمحافظة الجنوبية دون حلبة البحرين هناك مشاريع كبيرة في رفاع فيوز، العرين، درة البحرين فقط، وتمتد على مساحة إجمالية لا تقل عن 30 مليون متر مربع وبتكلفة لا تقل عن 21

مليار دولار. غالبيتها تعد مدنا مغلقة لشريحة معينة من المجتمع.

وعند الحديث عن حجم إسهام تلك المشاريع الضخمة اجتماعيا، مثل بناء دار رعاية لكبار السن أو الإسهام في ترميم البيوت الآيلة للسقوط وغيرها من مشاريع نظير حجم الاستثمار بالمحافظة فإنها تساوي صفرا، نعم صفر، والسبب يعود لعدم كفاءة المجلس في التعامل مع مثل تلك الاستثمارات، حيث جل اهتمامهم التكريم ابتداء بالأئمة والمؤذنين وصولا للمصلين ومن ثم التلاميذ والمدرسين وصولا بالمتقاعدين ومن ثم الأعضاء السابقين وصولا إلى تكريم بعضهم بعضا، وهذا ما تثبته سجلاتهم، ليس افتراء أو تجنيا عليهم.

وللأمانة نقول بأن هناك إسهامات لتلك الشركات تتمثل كراعية لسباق القدرة وبعض الدورات الرمضانية وهذا يقودنا لتقييم ما هو المهم والأهم.

أما الأخوة النواب فإنهم على الرغم من أنهم مشرعين ومراقبين إلا أن هذا لا يعني التعفف عن طرح مثل تلك الأمور المصيرية لأسباب هم من يملك إجابتها، وكأن لسان حالهم يقول إن المسئولين يرون شيء لا تروه، فلا تثيروا حفيظة المسئولين!

طبعا المسئولون يخالفون ما يعتقدون به السادة النواب.

إن الجنوبية تتطلب شروط داخلية كبيرة تبدأ بإصلاح وترميم المجلس البلدي، والتفات النواب للمتطلبات الصغيرة لدوائرهم وتحرر المجتمع المدني المتمثل في المجالس، خاصة تلك المجالس التي تعتقد بأنها أحد هذا الحراك، في الوقت الذي مازالت تخفق في طرح القضايا المتعلقة بالمواطن كونه إنسان في المقام الأول بين المسموح والممنوع، وتعزل مطالباته المعيشية أو تسجيل تحفظه وامتعاضه في سجل الممنوع.

أي أنواع الحراك نريد؟ فالأمر يحتاج من الجميع إلى التفكير في ترتيب الأولويات باتجاه ما ينشده المواطن والمقيم من طموحات لا تتعدى ما وصلت إليه المحافظات المجاورة.

إن جوهر المشكلة ناتج بين الخلط بين اليوم القريب واليوم البعيد ليس تسهيلا للأمور بل أن هذا هو جوهر الارتباك الحادث في سؤال ما العمل؟

إن أشد ما نحتاجه اليوم هو وضوح الغايات والوسائل معا وعلينا جميعا أن نفتح شهيتنا للعمل والإنتاج والمبادرة وأن نندفع اندفاعا صوب المستقبل، ولكن ليس بهذه المخرجات.

لذلك نقول من اللامعقول هنا هو ترك هذه الحقائق ومجافاتها والإبقاء فقط علي الحديث في القضايا المتعددة والمثارة في مجتمعنا والابتعاد موضوعيا عن التشخيص النقدي والعلمي لها، حيث من المفترض أن يتم البحث عن نقاط القوة الموجودة لدينا والبحث عن عناصر القوة التي تنقصنا والتي أهمها هو تصليب وتقوية داخلنا بالصراحة المطلوبة.