دروس كثيرة يمكن أن نستقيها ونتمعن فيها من خلال ما جرى في تلك الأمسية، لكن الأهم منها والأقوى علاقة بالجدل الذي أثارته المداخلات يمكن تلخيصه في النقاط الآتية:
1 - أول تلك الدروس هو ضرورة تحديد المدخل الصحيح لمشروع النعيمي الوطني الديمقراطي، فأكثر ما تردد في تلك الأمسية، كانت تلك التحولات الفكرية الجذرية، والتي كانت صحيحة وإيجابية وتستجيب لما استجد من ظروف سياسية، في فكر عبدالرحمن، بشأن العمل الوطني، وضرورة بلورة تيار وطني ديمقراطي صلب ومتماسك، يملك رؤية واضحة من مجريات الأمور، ويتمتع بمرونة فائقة في التعاطي معها، سواء على المستوى الداخلي، في نطاق قوى ذلك التيار، أو على الصعيد الخارجي، من خلال القنوات التي تربطه مع سائر القوى الأخرى. كم سيكون النعيمي سعيدا على فراشه عندما تترامى لآذانه حوارات ناضجة حول هذا الموضوع الذي اضطرته ظروفه دون تحقيقه. كم كان جميلا لو سخرت تلك الليلة لحلقة حوارية يساهم فيها، من يعتقد النعيمي أنهم أهلا لتلك المشاركة، كي يقدموا للجمهور، رؤية متطورة لما سخر النعيمي حياته النضالية من أجله. فطالما اتفق المشاركون على أن أحد أهم التحولات الفكرية التي رافقت مسيرة النعيمي النضالية، هو إيمانه العميق بدور التيار الوطني الديمقراطي في قيادة الشارع البحريني نحو شاطئ الأمان، فلماذا لا نستجيب لندائه الروحي ونحقق ذلك، حتى وإن غاب عن المشاركين بجسده، فسيكون معهم بفكره وطروحاته.
2 - ثاني تلك الدروس كان ضرورة تلافي تغييب دور النعيمي كزعيم وطني، فنادرة هي تلك القيادات التي يمكن أن تتحول من مجرد شخصية في أعلى هرم تنظيم معين، إلى رمز وطني يقود أمة بحالها. وقلة هي التي تدرك ذلك الخيط الرفيع بين قائد تنظيم، مهما بلغ ذلك التنظيم من كبر في الحجم، وزعيم أمة مهما بلغ حجم تلك الأمة من الصغر. كان النعيمي، أكثر المناضلين، ممن عادوا من المنافي بعد المشروع الإصلاحي، أهلية لأن يقود شعب البحرين الذي كان يتطلع له كزعيم وطني أكثر من قائد تنظيمي. هذا لا يجحف الدور الذي ساهم به النعيمي في تأسيس «وعد»، ولا يقلل من الدور الذي مارسته، وما تزال تمارسه «وعد». ولربما فات على تلك الأمسية أن تبرز هذا الدور.
3 - ثالث تلك الدروس هو أهمية وضوح الهدف من إقامة تلك الفعالية، فكثيرة هي تلك الأهداف التي يمكن أن يسعى لتحقيقها من وراء إقامة ذلك الحفل، لعل أكثرها مباشرة هو تقديم شكل من أشكال الوفاء لمناضل سخر حياته، منذ أن كان طالبا على مقاعد الدراسة لخدمة وطنه، وعدم التردد في بذل أي شيء مهما غلا من أجل ذلك الوطن. أهداف أخرى يمكن رصدها مثل تجيير الليلة لتحقيق ما ناضل النعيمي من أجله، وهو كشف ما يعانيه المواطن من حيف السلطة التنفيذية، أو تنوير الرأي العام البحريني بأحد الأبعاد التي خلقتها سيرة النعيمي النضالية، عربية كانت أم عالمية، وهو أمر لم يكن صعب المنال نظرا إلى تداخل نضالات النعيمي وتشابك قنواتها المحلية بالإقليمية والدولية على حد سواء. كان من الواضح أن الهدف، وكما أشار العكري، ليلتها ولأكثر من مرة، هو إقامة فعالية ذات علاقة بتاريخ الحادثة، أكثر من أي شيء آخر. ليس في ذلك أي خطأ سوى أنه حال دون أن تأخذ الفعالية المدى الواسع الذي تستحقه ويستحقه صاحبها من جهة، وساهمت في الإحباط، ولو بنسبة بسيطة، الذي ألمَّ بالحاضرين من جهة ثانية.
4 - ثالث تلك الدروس كان لفت النظر إلى ضرورة التوقف عند فكر النعيمي، فعلى الرغم من أهمية كل ما قيل في تلك الليلة بشأن أنشطة لجنة «مشروع النعيمي» وضرورة القيام بجمع أعماله، وإنتاج فيلم وثائقي يدور حولها، يبقى هناك ما ينبغي القيام به وهو لا يقل أهمية عن كل ذلك، وهو مناقشة «فكر النعيمي» أو بالأحرى وأكثر أهمية من ذلك هو تشخيص إضافاته للفكر السياسي العربي، من خلال الأعمال الفكرية التي أنتجها. لكن مشروع من هذا النوع، يتطلب أول ما يتطلب، ممن سيتصدى له هو استعداده، كما كان النعيمي، للاستماع للآخر وعدم نفيه، لكي لا يتحول المشروع، على الطريقة العربية التقليدية، وهو ما لا يريده النعيمي لنفسه، ولا لمناسبة تقام من أجله، إلى مجرد معلقات مديح محنطة تعلق على جدران كعبة من طراز جديد. سيرة النعيمي الجدلية، تدعونا جميعا أن تكون علاقتنا به جدلية تتجاوز ما هو تقليدي بما يتناسب ومستوى العطاء الجدلي الذي قدمه النعيمي. كل ذلك ينبغي أن يدفع لجنة جمع تراث النعيمي أن يكون أفق تفكيرها واسعا بسعة حق النعيمي علينا جميعا.
5 - رابع تلك الدروس هو فهمنا لحرص النعيمي على القبول بالآخر. كان النعيمي رغم تمسكه بالثوابت الفكرية في كل محطة من محطات مراحله النضالية، منفتحا على الآخرين، ينصت لما يقولونه، حتى وإن لم يقتنع به. كان صلبا، صعب المراس في نقاشاته، لكنه لم يكن عنيدا أو صنميا. كان كالجواد الجامح لا يفقد أصالة الجواد لكنه بخلاف غيره من الجياد، يعشق الحرية ويكره أسر قيود الانصياع. ولعل أحد الدروس المستقاة من تلك الليلة، أنه ربما كان جميلا لو سلط الضوء، ومن منطلقات الحب لا الحقد على محطات مرونة النعيمي في علاقاته مع من اختلف معهم، سواء في داخل صفوف التنظيم، أو خارج أطره.
بقيت ملاحظة عابرة يغص بها الحلق، وهي حديث بعض من تناول سيرة النعيمي بصيغة الماضي، أكثر ما يحز قي نفوس رفاق النعيمي، ممن كانوا معه في الأيام الحالكة، أن يقرأوا عنه في صيغة الماضي. هم مستقبليون ويرفضون كما عودهم النعيمي أن يكونوا ماضويين، حتى في الشكل، ويصرون على أن يكونوا، كما كان النعيمي مستقبليين في كل ما يصدر عنهم.
حب النعيمي مزروع في قلوب رفاق دربه، لا يستطيع أحد مهما حاول أن يتنزعه منها، وفكره منغرس في صدور جماهير تنظيمه لا تمحو آثاره الرياح العاتية، دع عنك النسمات الباردة، وتحولاته الفكرية علامات مضيئة على طريق نضالات جيله الذي لا يزال النعيمي يعيش بينهم من خلال صموده في الظروف المستحيلة التي يعيشها، والتي لا يستطيع أن يدرك قسوتها إلا من عاشروا النعيمي في دروبه الوعرة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2775 - الأحد 11 أبريل 2010م الموافق 26 ربيع الثاني 1431هـ
الى من يعيش وهم الماضي خذ الحكمة من طفل تصدى لك ليلة المؤتمر
الأستاذ عبيدلي هل انت تجهد نفسك لكتابة ثلاث حلقات عن مواضيع على خلفية خلافية تحدثت عنها في ندوة وعد وكان من حقك وحق غيرك ان يتحدث كما يشاء ولكن محيطك الذين تتوهم انك قد تحررت منه رغم مغادرتك الطويلة وولوجك في المنحى المعاكس لما سار عليه النعيمي ورفاقه ثم دخلت تيار آخر الذي تروج له قبيل الإنتخابات النيابية ودافعت عن الشورى وكنت تعتقد انه بإمكانك من خلال بضع كلمات جر وعد لإتجاه القبول بالواقع كان عليك الوقوف مؤتمر وعد عندما تصدى لك شخص لا مكان له من الإعراب ثم تناولك في صحيفة
الحس الوطني لا يعرفه إلا من إكتوى بشرارة حب الوطن
اللهم آمنا في أوطاننا وإحفظ لنا ولاة أمورنا ورد كيد الكائدين في نحورهم اللهم يسر للأمة قائدا مبصرا ... اللهم إحفظنا من البطانه الفاسدة