شفيق الغبرا - * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية ww
08 أبريل 2010
اجتمعت منذ أيام مجموعة «الجدال الثقافي العربي وأثره على جهود التواصل بين الولايات المتحدة والعالم العربي» لدراسة العديد من المسائل التي تفرق بين العالم العربي والولايات المتحدة.
أطلق على المجموعة اسم مجموعة مالطا، لأنها جمعت منذ في مالطا مثقفين عربا ومثقفين أميركيين لتبادل الرأي والمعرفة. وقد قاد المجموعة سؤال أساسي: ما هي الأسباب التي دفعت بالولايات المتحدة والعالم العربي إلى طريق التصادم؟
كان أخطر ما وقع هو بالتأكيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ونتائجها المباشرة على العالمين الإسلامي والغربي، إذ دخلت الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت في حربين كبيرتين، الأولى في أفغانستان والثانية في العراق، وذلك بالإضافة إلى حروب صغيرة في مناطق مختلفة من العالم ضد القاعدة. ولقد دفع هذا الوضع بالعلاقة العربية الأميركية إلى مأزق، وهو ذات المأزق اليوم في العلاقة الإيرانية الأميركية. إذن نحن أمام صراع يتطلب تفسيرا وإجابات.
لكن الأهم بأن هذا اللقاء الأخير الذي عقد في مركز كارتر في مارس/ آذار في مدينة اتلانتا الأميركية بدأ بمفاجأة من العيار الثقيل: حضور الرئيس السابق جيمي كارتر وإلقائه كلمة نقدية تجاه إسرائيل ومستوطناتها وتوسعها واحتلالها للقدس والضفة والجولان.
ركز كارتر على ضرورة أن تتوقف إسرائيل الإن وإلا فات الأوان. كلمة كارتر التزمت بأهمية حل الدولتين، لكنها لم تغلق الباب امام فقدان هذا الاحتمال وبروز احتمال الدولة الواحدة. لكن هذا سيخلق صراعات جديدة في ظل الرفض الإسرائيلي لمبدأ المساواة بين العرب واليهود في الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
هكذا تحولت هذه الجرأة في الطرح للرئيس كارتر والذي يخرج عن المسار الأميركي العام إلى بداية لنقاش الفوارق بين الرؤية الأميركية والعربية.
وقدم أيضا أندرو يونع الذي عمل ممثلا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة قبل أن يستقيل نتاج ضغط من اللوبي المؤيد لإسرائيل بسبب لقائه العام مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك. وتحدث فوكوياما مقدما تحليلا عالميا على قدر كبير من الأهمية عن دور الدولة في منطقة الشرق الأوسط، كما تحدث رضوان السيد طارحا رؤيته للفوارق والتصادم بين الشرق العربي والغرب الأميركي. وتحدث حسن منيمنة منظم اللقاء ثم ديفيد بلانكين هورن رئيس مؤسسة القيم الأميركية ومفكرون آخرون عن أهمية هذا الحوار والأبعاد التي يمكن أن تحقق تقدما. لقد اكتسب اللقاء بعدا شموليا وثقافيا في عمقه.
لكن الأساس في هذا اللقاء هو أهمية الوعي الصريح بالأبعاد التي تفرق بين الولايات المتحدة من جهة وبين العرب من جهة أخرى. فهناك نظرة تبلورت في العالم العربي بأن السياسة الأميركية في معظم الأحيان تصب مباشرة بمصلحة إسرائيل. فقد نجحت إسرائيل على مدار العقود باستخدام نفوذها في الولايات المتحدة لجلب الدعم لتوسعها ولاحتلالها. لهذا فحتى اليوم تمثل المسألة الفلسطينية أحد أهم أسباب التصادم الأميركي العربي والإسلامي الأميركي. المسألة الفلسطينية هي أكبر صخرة مانعة بين الحضارتين والثقافتين.
لكن هناك قضايا أخرى لابد من التعرف عليها تلقي الضوء على تاريخ الاختلاف بين الولايات المتحدة والعالم العربي. ففي التاريخ دعمت الولايات المتحدة شاه إيران ضد مصدق، لكنها انتهت بثورة الخميني، ودعمت الولايات المتحدة إسرائيل ضد القومية العربية وعبدالناصر فانتهت بالحركات الأصولية، ودعمت المجاهدين الأفغان ومجموعات بن لادن فانتهت بالطالبان والقاعدة، ودعمت الولايات المتحدة غزو إسرائيل للبنان العام أو غضت النظر عنه والذي استهدف اجتثاث منظمة التحرير من لبنان فانتهت بحزب الله في جنوب لبنان. كما أنها أعاقت وفق الرغبة الإسرائيلية حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المنتخبة برئاسة حماس فانتهى الأمر بسيطرة حماس على غزة. لائحة قصر النظر الأميركية طويلة. فالدولة الكبرى في العالم تتعامل مع السياسة في الشرق الأوسط انطلاقا من هموم وحسابات مباشرة تأتي من تأثيرات محلية وانتخابية وإسرائيلية. لقد ضاعت العلاقة العربية الأميركية في حمى الحسابات الضيقة وانتهى بنا الأمر إلى صدام أكبر كما هو حاصل في السنوات القليلة الماضية.
لكن أسباب المواجهة بين العالم العربي والولايات المتحدة في هذه المرحلة أخذت بعدا ثقافيا يضاف على البعد السياسي. فهناك ثقافة رافضة للولايات المتحدة كمصدر للثقافة العالمية ومصدرا لطرق الحياة الجديدة، إذ أصبح الانقسام العربي العربي بين إسلامي وغير إسلامي وبين قومي وأقل قومية وبين مؤيد لحل الدولتين ورافض لحل الدولتين في فلسطين أحد مصادر الاختلاف حول التعامل مع الولايات المتحدة. هذا التناقض هو الآخر يصب في الصراع الأوسع حول دور الولايات المتحدة الإقليمي.
إن تغير العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يتطلب تغيير قواعد اللعبة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. جوهر التغيير يبدأ في فلسطين، فهي النقطة المركزية التي سببت الانقطاع الثقافي والمعنوي بين العالمين وهي التي وضعت الولايات المتحدة في كفة والعالم الإسلامي في كفة أخرى.
إن الرفض الإسلامي للولايات المتحدة ينطلق أساسا من الصراع العربي الإسرائيلي. فهناك شعور قديم جديد يزداد تأصلا ويزداد عمقا في العالم الإسلامي بأن الولايات المتحدة ستؤيد إسرائيل مهما فعلت تجاه العرب. إن هذا الجانب المؤثر على العلاقة الأميركية العربية بحاجة لحل حقيقي وصادق وإلا ازدادت العلاقة تأزما وتلونت بأبعاد يصعب التنبؤ بآثارها.
العدد 2772 - الخميس 08 أبريل 2010م الموافق 23 ربيع الثاني 1431هـ
العبيد والسيد
العلاقات العربية الامريكية هو العلاقات بين العبيد والسيد