العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ

مثلث الفرص والتحديات... النفط والتنمية والإصلاح في أقطار مجلس التعاون (3 - 3)

علي خليفة الكواري comments [at] alwasatnews.com

مفكر قطري

متطلبات الإصلاح

إصلاح أوجه الخلل المزمنة في المنطقة هو المدخل لبدء عملية تنمية حميدة طال انتظارها. والتنمية بدورها تتطلب سياسات نفطية تخضع النفط لاعتبارات التنمية. فلابد لكل سياسة جادة للإصلاح أن تحدد أوجه الخلل التي تسعى إلى إصلاحها, وتعين الأهداف المرجو الوصول إليها من عملية الإصلاح وتلتزم بالاستراتيجيات التي تحقق ذلك.

وأوجه الخلل المزمنة في المنطقة يمكن إجمالها في أربعة أوجه رئيسة، منها اثنان متفق عليهما مع الحكومات.

أولهما: الخلل السكاني.

وثانيهما: الخلل الإنتاجي - الاقتصادي.

واثنان آخران مسكوت عنهما على المستوى الرسمي:

أولهما: الخلل في العلاقة بين السلطة والمجتمع وغياب الديمقراطية في معظم أقطار مجلس التعاون.

وثانيهما: الخلل الأمني والاعتماد على الغرب في توفير الدفاع عن دول المنطقة مقابل الهيمنة على قرار دولها.

ومن هنا فإن أية أجندة للإصلاح المنشود في المنطقة يجب أن تبدأ بإصلاح أوجه الخلل المزمنة الرئيسية الأربعة المذكورة أعلاه, إضافة إلى تحديد أهداف عملية الإصلاح وسياساته ومراحله.

وهذا يتطلب بالضرورة أن يتغير حال الشقاق بين جماعات المواطنين وتياراتهم الفكرية إلى حالة وفاق على قواسم وطنية مشتركة. قواسم تعمل من أجل تحقيقها جماعة وطنية في كل دولة من أجل تفعيل دور المواطنين, باعتبارهم اللاعب الثالث المفترض في تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة إلى جانب الحاكم ودول الحماية الأمنية التي أصبحت لاعبا محليا رئيسيا.

وجدير بالتأكيد أن دواعي الإصلاح والمطالبة لم تتوقف في المنطقة على المستوى الأهلي وكذلك على المستوى الرسمي، فمنذ قيام مجلس التعاون اعترف المسئولون في المجلس بوجود مسار خطر وكتب عبدالله بشارة العام 1987، في العدد السادس من مجلة التعاون، مؤكدا وجود مطالب إصلاح، تغلق دونها الأبواب. وأضاف أن «التحدي الذي يواجه دول الخليج - هو قدرتها من عدمها - على التجاوب مع هذه الطرقات».

وفي العام 1998 نجد أن «استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى لدول مجلس التعاون (2000 - 2025)»، والتي اعتمدها القادة في ديسمبر/ كانون الأول 1998 في أبو ظبي، تؤكد أن «من أبرز التحديات التي تعيشها مسيرة التنمية الوطنية بدرجة أو بأخرى ولم تتخلص منها... (هي) استمرار هيمنة الموارد الأحادية على مصادر توليد الدخل، وهو ما يعمل على تضييق خيارات التنمية وفرص الكسب...».

وتضيف الاستراتيجية مؤكدة ارتباط كافة التحديات بـ «اختلالات بيّنة في التركيبة السكانية بما تتضمنه من تأثيرات سلبية على التجانس الاجتماعي وبواعث المواطنة والولاء».

وعلى المستوى الأهلي, يمثل «مشروع الإطار العام لاستراتيجية التنمية والتكامل» في أقطار مجلس التعاون الذي تم إعداده العام 1983, أحد تصورات الإصلاح المطلوبة لتصحيح مسار التنمية في المنطقة.

وقد بدأ هذا المشروع بالمنطلق والطموح الذي تمثله المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس التي اعتبرت أن المجلس جاء «استكمالا لما بدأته (دول المنطقة) من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتهم نحو مستقبل أفضل وصولا إلى وحدة دولها».

وبعد ذكر الغايات بعيدة المدى للتنمية والتكامل في المنطقة أكد الإطار العام هذا على التحديات التي تواجه المنطقة والإمكانيات المتاحة لها. وتوقف المشروع عند الأهداف الاستراتيجية العاجلة وحددها في التالي:

أولا: تخفيض الاعتماد على النفط تدريجيا وإخضاع إنتاجه لاعتبارات التنمية.

ثانيا: تخفيض قوة العمل الوافدة وتعديل تركيبها وتحسين نوعيتها.

ثالثا: إخضاع النفقات العامة لمعايير الجدوى الاقتصادية.

رابعا: إصلاح الإدارة الراهنة وتنميتها (مبتدئين بالإدارة السياسية).

خامسا: بناء قاعدة اقتصادية بديلة.

سادسا: بناء قاعدة علمية - تقنية ذاتية متطورة.

سابعا: إصلاح التعليم وربطه بمتطلبات التنمية.

ثامنا: توفير البيئة الملائمة لتنمية ثقافة اجتماعية مستمرة.

وفي الختام حدد مشروع الإطار العام هذا, متطلبات تنفيذه في ما يلي:

أولا: تجسيد الكيان السياسي الموحد وترسيخ أسسه.

ثانيا: إيجاد إدارة إقليمية لإدارة التنمية.

ثالثا: تهيئة الإدارة المحلية وتوثيق ترابطها مع إدارة التنمية الإقليمية. (الكواري 1985)

وقد كان التأكيد على متطلبات التنفيذ هذه - مع الأسف - السبب الرئيسي لرفض وزراء التخطيط للمشروع, باعتبار التنمية والتكامل لديهم مجرد مشروعات مشتركة وليست إصلاحا سياسيا واجتماعيا إلى جانب الإصلاح الاقتصادي.


نحو إصلاح جذري من الداخل

وبالرغم من التعثر المتواصل لكل مطالب الإصلاح في المنطقة, فإن الإصلاح مازال مطلبا ملحا, كما كان الإصلاح دائما مطلبا لأهل المنطقة في العصر الحديث. فالمطالبة بالإصلاح لم تنقطع على مدى قرن من الزمان، ولكنها مع الأسف أٌجهضت أو تم احتواؤها، ولم تتبلور في الغالب وتصبح حركة شعبية مستدامة، حتى تكلل بالوصول إلى توافق مع الحكومات, تتوافر له مقومات التطبيق على أرض الواقع. ويستثنى من ذلك المرحلتان القصيرتان اللتان شهدتا وضع دستور الكويت العام 1962، ودستور البحرين للعام 1972، والتي كان لظروف الاستقلال، إضافة إلى الحركة الوطنية في كل من الكويت والبحرين فضل في خروج تلك الدساتير.

واختتم بذكر الجهود التي بذلها منتدى التنمية، ففي اللقاء الخامس والعشرين لمنتدى التنمية العام 2004 - الذي يضم في عضويته نخبة من مواطني الدول الست في مجلس التعاون - تمت مراجعة التوصيات التي أكدت عليها لقاءات المنتدى على مدى 25 عاما وتمت دراسة أوجه الخلل المزمنة. كما تم التوصل إلى مشروع أهلي للإصلاح الجذري من الداخل في أقطار مجلس التعاون. وقد تحددت أجندته في ما يلي:

أولا: تصحيح العلاقة بين السلطة والمجتمع.

ثانيا: إصلاح الخلل السكاني.

ثالثا: إصلاح الخلل الاقتصادي - الإنتاجي.

رابعا: إصلاح الخلل الأمني في إطار اتحاد دول مجلس التعاون.

خامسا: مطلب الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمع المدني؛ باعتبار الديمقراطية هدفا من الأهداف الوطنية، وإلى جانب ذلك وسيلة لتحقيق بقية الأهداف. (الكواري 2004)

ويبقى التحدي الرئيسي الذي يواجه أهل المنطقة وفقا لما جاء في مشروع الإصلاح من الداخل, هو توافق الأفراد والجماعات التي تنشد التغيير - على المستوى الأهلي والرسمي - على قيام حركة جامعة من أجل الإصلاح المنشود, في كل دولة وعلى مستوى مجلس التعاون.

إقرأ أيضا لـ "علي خليفة الكواري"

العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً