من الاقتصاد ننتقل إلى السياسة، حيث تمثل الهند إحدى الدول المهمة فيما يعرف باسم «قوس الأزمات»، الذي بات اليوم، يضم بالإضافة إلى الهند والباكستان وأفغانستان، دولا مثل الصين والكوريتين.
يرى البعض أن للهند مكانة مميزة في خارطة السياسة الخارجية الأميركية، وخاصة انتهاء مرحلة الحرب الباردة، مع انهيار الكتلة السوفياتية، وتراجع العلاقات الروسية الهندية من جهة، والتدهور التي شاب حركة عدم الانحياز التي تقودها الهند من جهة ثانية.
لكن هناك من يرجع فضل الطفرة الإيجابية التي عرفتها تلك العلاقات إلى فترة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وهي مسألة أكدها السفير الأميركي لدى الهند ديفيد ملفورد، حيث ألمح، في مطلع العام 2008، أن «العلاقات الهندية الأميركية مرشحة لأن تشهد المزيد من النمو والتطور وأنه بحلول العقد القادم ستصبح العلاقات بين البلدين الأكثر أهمية من وجهة نظر الجانب الأميركي، وأن إدارة الرئيس الحالي جورج بوش تعتبر الأكثر حماسا لتعميق وتعزيز العلاقات مع الهند وأن الرئيس بوش يكن إعجابا متزايدا وأهمية غير مسبوقة للهند وأنه يرى أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ستكون أبرز التحولات المهمة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية خلال القرن الجديد».
وكان المحلل السياسي جيم هوغلاند، قد تنبأ في مقالة له في مطلع العام 2006 بمؤشرات تطور هذه العلاقة حيث قال، في مقالة عنونها «سينغ.. ولوحة العلاقات الهندية الأميركية»، بأنه «في وقت تسرع فيه حتى حكومات صديقة في إبعاد نفسها عن الولايات المتحدة ورئيسها المولع بالحرب والقتال، تعتبر الهند خارجة استراتيجيا عن هذا الموقف.
فقد اختارت الدولة المهيجة في حركة عدم الانحياز هذه اللحظة لصياغة شراكة وثيقة مع واشنطن والتحدث بصورة ايجابية عن القوة الأميركية في الشئون العالمية». ونقل هوغلاند عن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ قوله إن، «الافتقار إلى التعاون النووي (بين نيودلهي وواشنطن) هو آخر عقبة من علاقتنا القديمة، ويمكننا الآن أن نتخلص منها. وليست هناك عقبات أخرى أمام علاقة أكثر عطاء وديمومة مع الولايات المتحدة. والآفاق هائلة بالنسبة لبلدينا».
ويرى هوغلاند أن «الهند هي الصين الجديدة في أنظار إدارة بوش التي وعدت بمساعدة العملاق الهندي، الذي كان هاجعا يوما ما، على التحول الى واحدة من القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى الخمس أو الست في العالم. وقد أدى ذلك الوعد الى خلق إحساس جديد بالأمن في العاصمة الهندية وإزالة التوترات المديدة».
تعزز تلك التصورات للعلاقات المتينة بين البلدين، ترجمة مقالة تحليلية كتبها هيوارد لافرانشي في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، وحملت عنوان «ماذا يريد بوش من الهند؟!»، وأعدت عايدة السنوسي نسختها العربية، ونشرها موقع صحيفة «الجزيرة» السعودية، وحملت الكثير من الإشارات الواضحة للأهمية التي توليها واشنطن لعلاقاتها مع الهند، حيث يرى لافرانشي أن «الرئيس بوش وصناع السياسة في إداراته يريدون التأكيد على أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 قد أدت إلى تغيير أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة ولكن هذا لم يمنع واشنطن من السعي لإقامة شراكة أقوى مع أكبر ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان وهي الهند». وتستعير السنوسي، في ما قامت بإعداده، مقاطع من اطروحات خبير الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن كورت كامبل التي ترى أن «العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والهند هي واحدة من أهم التطورات في الجزء الأول من القرن العشرين، مضيفة أنه من المفارقة أن هذا التقارب الهندي الأميركي بعد انتهاء الحرب الباردة يشكل تخليا أميركيا عن أحد أقرب حلفائها في شبه القارة الهندية منذ سنوات الحرب الباردة وهي باكستان التي كانت أقرب إلى الولايات المتحدة من الهند في تلك السنوات».
هذا التنامي المطرد في العلاقات بين البلدين لا ينفي إطلاقا وجود بعض الشوائب التي تعكر صفو تلك العلاقة، وأهمها العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، وهو ما ألمحت لها الكثير من المصادر الإعلامية الهندية في أكثر من مناسبة، كانت إحداها إبان جولة وزير الخارجية الأميركية كولن باول، في مارس/ آذار 2004، حيث أعربت الهند، كما نقل مراسل هيئة الإذاعة البريطانية «عن شعورها بالإحباط لقرار الولايات المتحدة برفع مستوى علاقتها بباكستان، دون إخطار دلهي مسبقا بذلك». ورأى بيان صدر عن وزارة الخارجية الهندية حينها أنه سيكون «لقرار واشنطن رفع مستوى العلاقات مع إسلام آباد إلى درجة حليف رئيسي من خارج حلف الأطلسي انعكاساته على العلاقات الهندية الأميركية».
واليوم، وفي سياق الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على ما تصفه بالإرهاب العالمي في منطقة قوس الأزمات الذي نتحدث عنه، لا نستبعد أن يكون تعزيز العلاقات مع الهند، كما يرى البعض، هو شكل من أشكال الضغط «على إسلام آباد من اجل مواصلة الحرب ضد ما يسمى بـ «الإرهاب» الذي تتبناه الولايات المتحدة، وتستفيد منه الهند، وتقع خسائره على باكستان». ولعل ذلك كفيل إلى حد بعيد، بتفسير التذبذب، الذي قد يبدو غامضا، الذي يطرأ بين الحين والآخر على ترمومتر العلاقات بين الهند والولايات المتحدة.
ففي أعقاب الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في منتصف 2009 إلى الهند، والتي اعتبرتها دوائر صنع القرار في واشنطن ناجحة بكل المقاييس في تطوير العلاقة بين البلدين، وجدنا السلطات الهندية ترفض دخول مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك بدخول أراضيها. وقد ووجه طلب المسئول الأميركي بالرفض مرتين خلال أقل من شهر. ويستدل، من قراءة ما بثه الإعلام الهندي حينها أن دلهي كانت ترى أن «هولبروك يحاول التدخل في سياستها الخارجية وإثارة الضغط على الهند لصالح باكستان وخصوصا في مسألة كشمير».
كل ذلك يعني أنه مهما كانت تلك الشوائب التي يمكن أن تعكر صفو العلاقات الهندية – الأميركية، تبقى الأهداف الاستراتيجية التي تحكم تلك العلاقات قادرة على تنميتها والحفاظ على استمرارها نحو الأمام.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2771 - الأربعاء 07 أبريل 2010م الموافق 22 ربيع الثاني 1431هـ