العدد 2770 - الثلثاء 06 أبريل 2010م الموافق 21 ربيع الثاني 1431هـ

مثلث الفرص والتحديات... النفط والتنمية والإصلاح في أقطار مجلس التعاون (2 - 3)

علي خليفة الكواري comments [at] alwasatnews.com

مفكر قطري

ضياع فرص التنمية

إذا أجرينا مقارنة يتبين لنا مدى ابتعاد التغيرات المصاحبة لعصر النفط في المنطقة، عن نهج التنمية.

فقد أضاعت التغيرات العشوائية المتقلبة على المنطقة فرص تنمية محتملة، نتيجة لعدم إصلاح أوجه الخلل المزمنة بل تفاقمها، وعجز السياسات الحكومية عن إحداث تغييرات هيكلية تسمح ببناء قاعدة إنتاجية - مؤسسية وبشرية ومادية - بديلة للنفط.

وهذا العجز لا ينفي وجود تحسن في جوانب من الحياة المادية مثل ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع المستوى الصحي وانتشار التعليم والاتصال بالعالم. ولكن تبقى الحقيقة بأن تلك التحسينات تمثل حالة سمحت بها الوفرة النفطية ومرهونة باستمرارها.

أما الجوانب المعنوية من الحياة فلم تشهد تحسنا يذكر، باستثناء الكويت التي عاشت فترات من الحياة الدستورية وتمتع مواطنوها بشكل متقطع، بقدر من المشاركة السياسية.

ولذلك فإن ضمانات الحريات العامة وضمانات حقوق المواطن والإنسان لم تتقدم، بل إن بعضا من ضماناتها التقليدية قد تراجع نتيجة لتراجع الدور السياسي للقبيلة العربية، دون استبداله بمؤسسات مجتمع مدني حديث ومستقل عن هيمنة السلطة وتوجيهها المباشر له من خلال تولي أصحاب الحكم مقاليد إدارة ما يسمى منظمات المجتمع المدني، فضلا عن هيمنتهم على القطاع الخاص ومجالس إدارات الشركات المساهمة.

الأمر الذي أخل بمتطلبات الحد الأدنى من التوازن بين السلطة والمجتمع، وجعل المواطنين يقفون عاجزين أمام آلة السلطة التي تضخمت بفضل امتلاكها لريع النفط وتحكمها في سياسات إعادة توزيعه، في ظل وجود الفساد الكبير واستباحة المال العام الذي تؤكده ظاهرة تسرب عائدات النفط – دون مساءلة - قبل وبعد دخولها الميزانيات العامة، كما تشرعه بعض الدساتير والنظم واللوائح. هذا إضافة إلى تأثير الخلل السكاني على دور المواطنين، وكذلك ضمان الحماية الأجنبية لكل سلطة صديقة بصرف النظر عن رضى الشعوب. فقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى نشوء «سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز» على حد تعبير الزميل محمد غباش.


نمط «تنمية الضياع»

والسؤال المنطقي، إلى أين سوف يؤدي استمرار ذلك المسار الخطر بمجتمعات المنطقة وشعوبها في المستقبل؟.

لقد فوتت التوجهات الاستهلاكية والشخصية لمتخذي القرار، على المنطقة فرصة بناء قاعدة إنتاجية بديلة للنفط، وضيعت بالتالي فرصة بدء عملية تنمية مستدامة على كل من دولها. فهل تدفع - اليوم - التوجهات التي مازالت تحكم مسار الحاضر - بمجتمعات المنطقة إلى الضياع - لا قدر الله - بعد أن ضيعت توجهات الماضي فرصا ثمينة لبدء عملية تنمية مستدامة؟.

إن المعطيات التي أفرزتها التغيرات المصاحبة لعصر النفط واستمرار أوجه الخلل المزمنة وتفاقم الخلل السكاني والخلل السياسي والخلل الأمني على وجه الخصوص، تدفع بدول المنطقة بشكل عام والإمارات وقطر والبحرين بشكل خاص إلى نمط « تنمية الضياع»... إن جاز تسمية التغيرات الراهنة «تنمية».

إن التنمية يجب أن تكون من أجل المواطنين كما يجب أن تعتمد عليهم، وما يجري هو تهميش دور المواطنين واقتلاع مجتمعاتها الأصلية.

ولعل تفاقم الخلل السكاني وما سيؤدي إليه من تحول بعض دول المنطقة أو أجزاء منها إلى مراكز دولية منقطعة الصلة بالمجتمعات الأصلية فيها، بلغتها وهويتها ومصالحها - نمط سنغافورة -، يظل احتمالا واردا بالنسبة للدول الأصغر في المنطقة. هذا إذا استمر - لا قدر الله - الخلل السكاني في تداعياته ولم يتمكن المواطنون من التوافق على قواسم وطنية مشتركة ويكتسبوا حق المشاركة السياسية من اجل أن يقوموا بدور التيار الرئيسي في المجتمع.

ومن هنا فإن احتمالات الضياع لا يجوز التقليل منها، إذ إن هناك خطرا ماثلا يهدد بانزلاق التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة إلى مآزق يصعب الخروج منها. هذا إذا لم تكن بعض دول المنطقة قد انزلقت إليها بالفعل.

ومن أخطر هذه المزالق هو ما تشهده الإمارات وقطر والبحرين وربما عمان من تفاقم الخلل السكاني والتوجه لتطوير بنية أساسية اجتماعية وثقافية، عمادها اللغة الانجليزية في التعليم العام والجامعات وفي الإدارة والخدمات الترفيهية، من أجل خدمة متطلبات سياسات التوسع العقاري لغير حاجة المواطنين والوافدين للعمل، وإنما بقصد التوطين عن طريق تشجيع مشتري العقارات من مختلف القارات وعبر الحضارات بتوفير بيئة اجتماعية وثقافية مفضلة لديهم، وبمنحهم أقامات دائمة مع كافة أفراد أسرهم بصرف النظر عن حاجة العمل إليهم في الدولة المانحة للإقامات الدائمة أو إمكانيات اندماجهم في المجتمع الوطني.

ومن الملاحظ إن تشريعات وتعليمات ربط شراء العقارات بحق الحصول على إقامات قد صدرت في الإمارات وقطر والبحرين وعمان منذ 2004 بناء على «نصيحة وتخطيط» كبريات الشركات الاستشارية الأجنبية، وترتب عليها استقدام للوافدين بشكل غير مسبوق من أجل بناء مدن ليست لتلبية حاجة المواطنين والمقيمين فيها.

وقد أدت سياسات الاستقدام هذه إلى تدني مرعب في نسبة المواطنين في إجمالي السكان، حيث أصبحت نسبة المواطنين في العام 2007: 10 في المئة في الإمارات و16 في المئة في قطر ، والى النصف في البحرين بعد أن كانت قبل عام واحد تساوي الثلثين، هذا مقارنة بنسبة 20 في المئة في الإمارات، ونسبة 31 في المئة في قطر العام 2001.

أما مساهمة المواطنين في إجمالي قوة العمل فقد تدنت إلى 5 في المئة في الإمارات و7 في المئة في قطر و15 في المئة في البحرين (الكواري 2008).

إقرأ أيضا لـ "علي خليفة الكواري"

العدد 2770 - الثلثاء 06 أبريل 2010م الموافق 21 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً