بُعيد حلقات «الهزائم» والاغترابات المتتابعة وانهيار الاتكاء على مصطلح الموضوعية والوسطية واللعب بأصول النهج البراغماتي كيفما كان، ووفق خطوط التوفيقية كمنهج عند بعض الساسة لمسايرة الواقع السياسي القائم وتبريره باستحضار حسناته وبذل الجهود الكثيفة لتزيينه بشكل فاقع أو مربك في المجالس المحلية والمنتديات الدولية، يحدث ذلك والبلاد في حال لم يشهد لها مثيل في تاريخها في ممارسة النهب والفساد المنظم بشتى الأساليب والحيل والأشكال، بعد كل هذا وذاك لا غرابة البتة ان نشأت في مجتمعنا المحلي «نزعة مهادنة» متذاكية تستقي فعلها ومشروعها السياسي من مصطلحات الاعتدال والواقعية والتفاهم بين أفراد مجتمع الأسرة الواحدة الوادعة في المتخيل، كما لا عجب أن تقتات «نزعة المهادنة» من ممارسة فن الممكن وما يتمخض عنه من مغانم، بل وخوض المساومات لحل مشاكل المواطن المستعصية بالانتظار عند أبواب المسئولين وتحقيق بعضٍ من فتات هنا أو هناك لضمان العودة إلى منصة الصدارة في المجالس المعينة أو المنتخبة، بل لا عجب ان تمادت «النزعة» في دعوتها لترويج خطاب المرونة وإعادة النظر في قبول الأمر الواقع تأسيسا على فكرة غالبا ما يتم اجترارها بتسطيح ألا وهي أن «الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها وهي تخطو خطواتها في المراحل الانتقالية».
إن خطورة «نزعة المهادنة» مدمرة؛ ذلك لأنها تضع أمام جيل الشباب تجربة «انهزامية وتلفيقية»، خطورتها في احتمالية تحولها إلى عادة متبعة ونموذج لتشكيل سلوك الفرد السياسي في مجتمعنا المحلي فتحرف وعيه وتفكيره وتزيف اتجاهاته ومواقفه في الوقت ذاته، لِم لا وهي التي تمثل تعبيرا عن انعدام الالتزام بالمبدأ واحترامه تحت اعتبارات أن التغيير والتجدد سمة من سمات الحياة وممارسة الحرية والاستقلالية والنضج السياسي الذي يفرضه عالم اليوم المتحرك بوتيرة متسارعة، فمن لا يستجيب للتغيير فهو غير ناضج وغير مؤهل لتداول الفعل السياسي في السوق، بكلمات أوضح، من لا يخلخل قناعاته المبدئية ويمارس شهادة الزور، فهو قابع في زنزانة المقولات السياسية الجامدة والخاملة الكسلى، بالطبع يحدث ذلك دون مواجهة الإجابة عن السؤال بشأن ماهية هذا التغيير والتبدل من حيث أسبابه وملابساته ونتائجه! أيّ خطيئة وأيّ خربشة يرتكبها أصحاب «نزعة المهادنة» في حق تاريخهم الوطني؟! أيّ خطيئة؟!
أن تتبدل قناعات الأمس في قضية كالقضية الدستورية والمؤسسة التشريعية ومن قبل بعض من تصدر الملف الدستوري نفسه وبدرجة دراماتيكية تتجاوز موقف المعارضة السياسية، أن ترتهن تلك القناعات للقبول بمبدأ انتقاص حقوق المواطن الدستورية والرضا «بمجلس الشورى» (على الطريقة الحالية) كأمر واقع لا مناص منه، باعتبار أن تجارب العالم أثبتت حاجة المجتمعات لهذه التشكيلات لضمان سير العملية الديمقراطية وعدم انحرافها وانجرارها للاتجاهات الطائفية والمذهبية، بل والإيغال بعيدا للقبول طواعية باحتمالية ما يردد من إشاعات وفقاعات بالتعيين في هذا المنصب أو ذاك المجلس حين يفرد العرض المتأمل على الطاولة «كصدقة ومنة لا يجوز ردها»، حتما كل ذلك يحفز على طرح سؤال مُلحّ عند المتلقي عن ماهية التنظير والتعبئة التي تمت في الماضي القريب لمناهضة فكرة مشاركة «مجلس الشورى المعين» سلطة التشريع مع «مجلس النواب المنتخب»، وخصوصا أن ذاك التنظير لم يكن اعتباطيا، أوهكذا يدرك من كان يتابع عمق التحليل لفكرة المعارضة الدستورية وإصرار قادتها آنذاك ممن يبرر بعضهم اليوم قبول ما حاربوا ضده بالأمس. صحيح التنظير والتعبئة استندا على أسس بنيوية فكرية وفلسفية وسياسية استلهمت تجارب الممالك الدستورية السابقة، بيد أن الجمع ودعاة المهادنة اليوم لم يكونوا يدورون كالثور في الساقية آنذاك، كما لم يكن دورانهم في حلقة مفرغة خاوية من مضامين الفعل السياسي لأجندة المعارضة الوطنية، وقتها لم يكن الظرف السياسي فارغا ويحتاج إلى من يملأ فراغه بدزينة من التنظيرات والعبارات بقدر ما كانت الحاجة ماسة ومازالت لأن يحصل المواطن البحريني على حقوقه الدستورية والسياسية كاملة غير منقوصة وكما أقرتها الشرعة الدولية والدساتير، لا كما في هيئة منه أو مكرمات.
حتما في تاريخ الأمم وأفرادها ثمة منعطفات سوداء تسبقها مراحل مرت بعمليات اختمار وتحولات تتفكك فيها المبادئ وتتبدل الأحوال، وهذا لا يتم بيسر، لكن الثابت أيضا أن تحولات البعض وتبدلاته حدثت بعد جرد حساب دقيق لصافي الأرباح والخسائر تماما كما يحدث عند مدققي الحسابات المالية في الشركات والمصارف، إنها النفس البشرية الضعيفة حتى وإن كابرت وزيّنت صورتها أمام الشاشة بترديد بعض الشعارات. أما حين تهتز الثقة في نهج المهادنة والمسايرة المتذاكي وشخوصها، لا يبقى من جوهر الأصل إلا خواء، وقتها تفقد القضية الوطنية العادلة بريقها ومصداقيتها حين يحملها المترنح المتململ واليائس المهزوم بعد أن أعياه استكمال اجتياز تاريخه الوطني الذي كان حافلا بحق، بيد إنه انتهى.
ليست القضية الوطنية وحدها ستكون باهتة، إنما الشعارات التي ما عاد لمضمونها أي دلالات حين غادرت أدبياتها وسياقاتها التاريخية وتم تشويهها وتطويعها كأداة تلميع لواقع سياسي قائم ومهلهل والإشادة به والإكثار من التبجيل لشخوصه، وهي ذاتها الشعارات التي استخدمت كمادة إعلامية ترويجية لهذا النائب البرلماني أو ذاك، لا يعود حينها لعبارات سيادة القانون والعدالة والمساواة في الحق والتعددية والقبول بمبدأ تداول السلطة واحترام حقوق الإنسان أي جواز عبور للضمير الوطني، بل إن أمر استحضارها لإعلان الولاء والوصول لبيوت الدولة قد يشكل خاتمة الملهاة التي ربما تنتهي فصولها بما لا يليق، بما قد يثير الشفقة ليس إلا!
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 2763 - الثلثاء 30 مارس 2010م الموافق 14 ربيع الثاني 1431هـ
الكاتب والصداقه
عزيزتي الكاتبه
كوني عاد واضحه واختاري بين ان تكوني كاتبه واضحه و التعبير عن رائيك بدون خجل او ان تكتبي وانت محرجه وكانك متخفيه وراء ماكتبتيه ....
الخيزرانة
حتى قصة الخيزرانة حاول يبررها، عاد ما تمشي علينا، شعب البحرين مو مغفل.
لا جديد!
يا ما حذّرنا من هذا الشخص النكرة على عالم السياسة و الوطنية.
الذي حصل هو أنه انكشف الغطاء لكم يا أختي العزيزة الآن!!ّ بعد فوات الأوان ! و ألإ كان مكشوفاً لنا من زمان!!!
في النهاية هو درسُ لكم!
طوبى لمن كان يتصدّى له في الندوات و اللقاءات العامة!
تحياتي...
أخوكِ عبدعلي فريدون
هكذا تفعل الايام تفضح وتكشف المستور
قالوا وفي قولهم صدق وحق ( تستطيع ان تخدع بعض الناس بعض الوقت , لكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت ) وهذا ما تجلى وظهر في سلوك من تعنيه او من تعنيهم عامة ويبقى الامر الرجال مواقف اذا كان يصدق عليهم رجال وما عملخم السابق الا خداع ونفاق وعندما جد الجد انقلبوا وربما وعدوا وربما جاء يوم مكافأيهم على خدماتهم السلبقة التي خدع بها من عمل معهم وراحوا ضحاياهم وكانوا يقولون ولا يصدقون القول .