في رسالته التي وجهها بمناسبة «يوم المياه العالمي»، وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون، الوفيات الناجمة عن مشكلات مصدرها المياه بأنها «عار يصم جبين البشرية وعامل يقوض جهود كثير من البلدان في سبل تحقيق تنميتها بمداها الكامل». وحذر الأمين العام في رسالته، أن موضوع يوم المياه العالمي لهذا العام يحمل عنوان «صحة العالم من نقاوة المياه»، من أن «نوعية الموارد المائية وكميتها معرضان معا للخطر».
أما رئيس الجمعية العامة للدورة الرابعة والستين عبد السلام التريكي، فأشار في كلمته بهذه المناسبة أنه «عندما يفقد شخص من كل ستة أشخاص وسائل الحصول على مياه الشرب المأمونة، وعندما لا تتوفر نظم الصرف الصحي، لمليارين ونصف المليار نسمة، وحين يموت آلاف الأطفال كل يوم نتيجة أمراض تنقلها المياه ويمكن الوقاية منها، فإننا ندرك مع الأسف تأخرنا في سعينا في تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالمياه والصرف الصحي».
أسوأ من ذلك يفيد تقرير صادر عن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة «أنه في بداية القرن الواحد والعشرين، سيواجه العالم أزمة مياه، من حيث الوفرة والنوعية، جراء اتساع رقعة المدن بسبب النمو الديموغرافي، والتصنيع، وأساليب إنتاج الغذاء، وارتفاع المستويات المعيشية وضعف إستراتيجيات استخدام المياه، إضافة إلى تسرب يوميا مليونا طن من المياه الملوثة وغيرها من السوائل إلى المياه الباطنية. وفي الدول النامية، هناك أكثر من 90 في المئة من مياه الصرف الصحي و70 في المئة من النفايات الصناعية غير معالجة تسكب في المياه السطحية... وتساهم تلك المياه الملوثة في وفاة قرابة 2.2 مليون شخص سنويا جراء الإسهال الذي تسببه المياه غير المأمونة وسوء النظافة الصحية».
ولقد ازداد عدد التقارير التي تحذر من خطورة شحّ المياه منذ مطلع هذا القرن بشكل ملحوظ. ويشكل ذلك التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للمياه وحفظ الصحة العامة في مارس/ آذار 2007 بمناسبة اليوم العالمي للمياه، علامة فارقة على هذا الطريق، إذ يحذر ذلك التقرير من «كارثة إنسانية تنتظر القارة السمراء وتهدد باندلاع المزيد من الحروب والصراعات من أجل الحصول على قطرة
المياه» ويورد التقرير مجموعة من الحقائق والأرقام من بين أهمها:
1 - يعاني نحو 700 مليون شخص في 43 بلدا من ندرة المياه، وبحلول العام 2025 قد يزداد هذا الرقم ليصل إلى ما يربو عن 3
بلايين شخص.
2 - هناك 40 دولة في العالم وردت في قائمة الدول التي تعاني من أزمة المياه نصفها دول إفريقية.
3 - تعاني 31 دولة، غالبيتها في إفريقيا والشرق الأوسط حاليا من ضغط أو قلة المياه، وسيصل العدد - كما تشير التوقعات - إلى 48
دولة مع حلول العام 2025، أي أن 2 من 3 أشخاص سيواجهون مشكلة ندرة المياه العام 2025؛ حيث ستكفي المياه لاستهلاك 35 في المئة فقط من سكان الأرض.
لكن الأخطر من كل ذلك، تلك التقارير التي نشرت بمناسبة الاحتفالات باليوم العالمي للمياه، والتي حذرت أيضا من تصاعد «العديد من الحوادث الحدودية المرتبطة بالمياه كي تتحول إلى حروب مفتوحة بسبب النقص المتزايد في هذه الثروة الطبيعية الحيوية».
ومن بين تلك التقارير هناك وزاري فرنسي يعزز من تلك المخاوف، حيث يلفت إلى «أن 15 في المئة من بلدان الكوكب تتلقى أكثر من 50 في المئة من مياهها من دول أخرى، واثنان من أصل ثلاثة من الأنهار الكبرى أو الآبار الجوفية، أي أكثر من 300 نهر في العالم يتم تقاسمهما بين دول عدة». وتشارك مؤسسة الاستشارات الدولية «برايس - ووترهاوس - كوبرز»، ( Price Water House -Coopers) هذه النظرة المتشائمة، حيث تتوقع أن تزداد النزاعات حدة بسبب نقص المياه التي تخشى المؤسسة أن «تطال قرابة الثلثين من سكان العالم في العام 2050». وتسرد المؤسسة 11 منطقة، بخلاف منطقة الشرق الأوسط «تشكل موضع خلاف قابل لأن يتحول إلى نزاع». وسبب تمييز المؤسسة لمنطقة الشرق عن سواها من المناطق الأخرى، هو اعتبارها أكثر المناطق تهيؤا لاندلاع حروب واسعة مسلحة جراء النزاعات على المياه. وفي ذلك تقول المؤسسة، «أما المناطق الأكثر عرضة للتهديد فهي الشرق الأوسط، ذلك لأن ثلثي المياه المستهلكة في «إسرائيل» تأتي من الأراضي المحتلة وقرابة النصف من المنشآت المائية الإسرائيلية تقع في مناطق لم تكن ضمن حدود دولة إسرائيل قبل العام 1967».
ولا تنكر تل أبيب ذاتها هذه الحالة، إذ يؤكد مفوض المياه في «إسرائيل» مائير بن مائير مثل هذه الاحتمالات، بعد أن يوسع من دائرة النزاع كي تتجاوز الدول المتاخمة لـ «إسرائيل» فتصل إلى العراق، فنجده يقول «إنه إذا لم تتوفر المياه بشكل كافٍ في منطقتنا، وأصبحت شديدة الندرة، وأصبح الناس في حالة ظمأ شديد فسنواجه حربا بلا شك، مضيفا بأن الأمر لا يقتصر على منطقة وادي الأردن، في بعض المناطق الأخرى كمنطقة وادي النيل ودجلة والفرات هناك احتمال نشوب صراع».
ويوافق أستاذ الاقتصاد ومدير مركز الأرض بجامعة كولومبيا جيفري ساش (Jeffrey Sach) ، وإن كان من منطلقات مختلفة، ما ذهب إليه مائير بشأن الخطورة المتولدة من شحّ المياه في منطقة الشرق الأوسط ويرى أنها «سببا في اشتعال أو إذكاء نار العديد من الصراعات... من تشاد إلى دارفور في السودان، إلى صحراء أوجادين في إثيوبيا، إلى الصومال وقراصنتها، وعبر اليمن والعراق وباكستان وأفغانستان، وبأنها لن تُـحَل من تلقاء نفسها، بل إنها على العكس من ذلك سوف تتفاقم ما لم نستجب لها بصفتنا مجتمعا عالميا».
أخطر ما في النزاع حول المياه في الشرق الأوسط هو أنها معرضة للنضوب نظرا لسياسات الإهمال التي تتعرض لها. هذا الأمر يحذر منه تقرير الصندوق العالمي لحماية الطبيعة الذي صدر في مارس/ آذار 2007 بجنيف، الذي يقول بأن «هناك أنهارا رئيسية كثيرة في العالم تواجه خطر الجفاف بسبب بناء السدود والذي من شأنه أن يؤثر على تدفق مياه الأنهار والحياه البحرية، محددا عشرة أنهار في العالم بينها النيل والريو غراند والدانوب، بوصفها أسوأ ضحايا سوء التخطيط وعدم كفاية الحماية».
ربما يتفق الجميع على أن النفط شكل تاريخيا العامل الرئيسي في إذكاء عوامل الصراع في منطقة الشرق الأوسط، فهل يدرك العالم اليوم، وخاصة قادة الشرق الأوسط أن الماء، وليس النفط فقط، قد يولد صراعات عنيفة لم يعرفها تاريخ المنطقة من قبل.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2761 - الأحد 28 مارس 2010م الموافق 12 ربيع الثاني 1431هـ
كانت الثروات التي نعم بها الله الأمة العربية الإسلامية محط انظار الطامعين
شكرا للأستاذ القدير عبيدلي وكما ان الحقبة المقبلة من العقود القليلة ستشهد مناورات وإحتقانات بسبب اللهاف وسباق الركب وثروات الأمة العربية ستف تكون محط تهافت وتنزاع لنهب العديد كما إضمحل الفكر القومي العربي بعد إجتياح المغول التتار ذوي الوجوه المتعددة والأقنعة المزيفة ليستولوا على مقدرات الشعوب العربية ضمن برمجة دولة دولة مع تحيات (ندى أحمد)