استكمالا لمقومات ومبادئ الديمقراطية الحقة التي جرى تبشيرنا بأيامها الجميلة وجاءت بعد طول انتظار ديمقراطية مشوهة، فإن مبدأ فصل السلطات الذي تمّ النص عليه في دستور 1973 ودستور 2002 وكذلك في ميثاق العمل الوطني، باعتباره مبدأ ضروريا لتأكيد استقلالية كل سلطة وعدم هيمنة أو تدخل او تأثير سلطة أخرى عليها، وهي الهيمنة التي تؤدي عادة إلى الانتقاص من حرية وشفافية السلطة المهيمن عليها، هذا المبدأ بقي عندنا في البحرين نصا جميلا في الدستور والميثاق، أما على أرض الواقع فان السلطة التنفيذية بقيت هيمنتها على السلطة التشريعية، وتمثلت هذه الهيمنة في سنّ مجموعة من القوانين بما فيها اللائحة الداخلية للسلطة التشريعية، وتحديد رواتب وامتيازات أعضاء هذه السلطة، وسلبها سلطة التشريع من التقدم بمشروع قانون الى اقتراح بقانون او اقتراح برغبة يتم التقدم به إلى الحكومة او السلطة التنفيذية لتتخذ هي القرار الذي تراه بشأنه... وهذه التدخلات وغيرها الكثير أدت إلى التقليل من صلاحيات ومكانة السلطة التشريعية، وعلوّ مكانة السلطة التنفيذية التي باتت دستوريا وقانونيا وعمليا هي السلطة الأقوى والأكثر سيطرة، في حين ان السلطة التشريعية في الديمقراطية الحقة هي السلطة الأقوى والأكثر نفوذا لأنها السلطة الممثلة للشعب أولا، ولأنها هي التي تراقب وتحاسب السلطة التنفيذية وليس العكس.
بالاضافة إلى ذلك ايضا فان الديمقراطية الحقة لا تكون ولا تطلق عليها هذه التسمية الا اذا انطلقت ومن ثم تأطرت بدستور ديمقراطي، وأعني به الدستور العقدي الذي تضعه جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا عاما حرا ونزيها، وليس الدستور الذي تضعه السلطة التنفيذية خلف أبواب مغلقة ثم يقدم إلى الشعب من دون مناقشة او تعديل، ومهما اشتمل على مبادئ منافية لروح ونص الدستور الديمقراطي، ومنها على سبيل المثال الجمع بين أي من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد شخص او مؤسسة واحدة، وغياب حصانة الشرعية الدستورية المتجسد في غياب المحكمة الدستورية المشكلة والموافق عليها والمرتبطة بالسلطة التشريعية وليس السلطة التنفيذية كما هو الحال عندنا.
واذا ما قال البعض ان الديمقراطية ممارسة وانها تنمو وتتطور بالتدريج، واننا في بداية تحولنا الديمقراطي، فإن الرد عليه يكون بأن التطوير والممارسة يأتيان بعد ارساء مبادئ ومقومات الديمقراطية الحقة، وبالتالي تطوير وترسيخ هذه المبادئ من خلال الممارسة وهذا ما نريده ونطالب به
العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ