ظهر في مصر خلال السنوات السابقة مصطلح مهم تداولته الصحافة وانتشر بين عامة الناس ذلك هو مصطلح «ترزية القوانين» أي الذين يفصِّلون ويخيطون القوانين بحسب رغبة السلطة التنفيذية حتى لو جاء هذا الصوغ مخالفا لمبادئ الدستور وقواعد العدالة والقانون الطبيعي. ولقد تصدت المحكمة الدستورية في مصر لـ «ترزية القوانين» وحكمت بعدم دستورية كثير من النصوص التي تم تفصيلها على خلاف ما تقضي به أصول الصوغ القانوني.
وتثير هذه القضية حوارا مهما وأهمية خاصة لبحث دور الخبير أو المستشار الذي تستعين به مؤسسات القطاع الخاص أو الجهات الحكومية المختلفة في خدمة الجهة التي يعمل بها. يفرض عليه أن يقرأ في عيني المسئول ما يريده ويرغب فيه ويبادر فورا لتقديم ما يرضيه أو يحقق رغبته، وتصور البعض الآخر أن مهمة الخبير أو المستشار هي تنفيذ ما يؤمر بإعداده حتى لو كان من الناحية العلمية والفنية يتضمن كثيرا من الأخطاء وأوجه الانحراف، وهكذا فقد هؤلاء الخبراء والمستشارون أمانتهم العلمية وضمائرهم التي يجب أن تكون حية ساعية إلى تحقيق مصلحة المنشأة أو الجهة الحكومية التي يعملون فيها بصرف النظر عن رغبات المسئول عنها، وفي تقديرنا أن المهمة الأساسية لمعظم الخبراء والمستشارين يجب أن تكون متمثلة في تقديم البدائل لأي موضوع مطلوب بحثه أو دراسته على أن يوضح الخبير أو المستشار ايجابيات وسلبيات كل بديل ويترك للمسئول حرية اختيار البديل الذي يراه مناسبا لتحقيق حسن سير العمل في منشأته أو من الجهة الحكومية التي يشرف عليها، وبهذا المنهج يحقق الخبير أو المستشار المصلحة العامة ويرضي ضميره وأمانته العلمية ويحافظ على كرامته ويرضي خالقه فيما يؤديه من أعمال.
ويذكر أن قيادات البحرين والمسئولين فيها لا يحترمون ولا يقدرون إلا من يحافظ على كرامته وأصول عمله من الخبراء والمستشارين ففي احدى اللقاءات التي تشرفت فيها بمقابلة صاحب السمو رئيس الوزراء قال سموه بالحرف الواحد: «نحن نحترم من يحافظ على كرامته» وبهذا القول الحكيم تتأكد لنا حكمة صاحب السمو رئيس الوزراء وقدرته الفائقة على الموازنة بين المنافقين من الخبراء والمستشارين، وهؤلاء الذين يراعون الله سبحانه وتعالى في أعمالهم ويحكمون ضمائرهم فيما يقومون به أو يسند اليهم من أعمال.
مبدأ المساواة
كان لابد من هذه المقدمة السابقة للحديث عن مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور في المادة (18) التي تقرر أن «الناس سواسية في الكرامة الانسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة» إذ تصور بعض الخبراء والمستشارين أن دستور مملكة البحرين حظر التمييز بين المواطنين في أصول بذاتها، هي التي يكون التمييز فيها قائما على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وأن الدستور يجيز التمييز بين المواطنين فيما عدا هذه الأصول.
ويقابل نص المادة (18) من دستور مملكة البحرين نص المادة (40) من الدستور المصري إذ قررت المحكمة الدستورية المفهوم السليم لمبدأ المساواة إذ جاء في حكم لها أنه «من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الدساتير المصرية ترد المواطنين جميعا إلى قاعدة واحدة، تقيم مساواتهم أمام القانون، باعتبارها مناطا للعدل، وجوهر الحرية، ومفترضا للسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الأغراض التي تتوخاها، تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التي تنال منها هدما لمحتواها أو تقييدا لممارستها، وغدا أمر هذه المساواة متصلا بضمان الحقوق والحريات جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور، أو التي كفلتها النظم المعمول بها، ضمانا لمصالح لها اعتبارها».
ولئن نص الدستور في مادته الأربعين (المقابلة للمادة 18 من دستور مملكة البحرين) على حظر التمييز بين المواطنين في أصول بذاتها، هي تلك التي يكون التمييز فيها قائما على أساس من الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظورا فيها، يبلور شيوعها عملا، ولا يشي البتة باستناده إليها دون غيرها، وإلا جاز التمييز بين المواطنين فيما عداها مما لا يقل عنها خطرا كتفضيل بعضهم على بعض بناء على مولدهم، أو على قدر ثرواتهم، أو لعصبيتهم القبلية، أو مراكزهم الاجتماعية، أو على أساس من ميولهم وآرائهم أو لغير ذلك من صور التمييز التي تفتقر في بنيانها إلى أسس موضوعية تسوغها. ولا يتصور بالتالي أن يكون الدستور قد قصد حمايتها، ولا أن تقرها السلطة التشريعية في مجال تنظيمها الحقوق والحريات على اختلافها، إذ هي تعارضها، ولا تقيمها في ضوء من الحق والعدل.
وفي حكم آخر تقضي المحكمة الدستورية المصرية بأن صور التمييز التي يعارضها الدستور ولا تنحصر فيما يتعلق منها بالجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ولكنها تمتد لكل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو التي حددها المشرع (القضية رقم 137 لسنة 18 ق «دستورية» جلسة 7/2/1998).
وتقضي المحكمة الدستورية المصرية في حكم ثالث في القضية رقم (17) لسنة (18) قضائية «دستورية» (جلسة 3/5/1997) بأن مبدأ المساواة أمام القانون يفترض عملا يخل بالحماية القانونية المتكافئة إذا كان منسوبا إلى الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية بما مراده أن أيا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرا في المعاملة ما لم يكن مبررا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلا بالاغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنها.
وفي الحكم نفسه قررت المحكمة الدستورية المصرية أن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه أنها ينبغي أن تسعهم جميعا، فلا يقصر مداها عن بعضهم ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميما مجاوزا نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها
إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ