العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ

سؤال لإياد علاّوي: هل أنتَ من بني أسد؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن لا يُصاب أحدٌ بداء الابتذال في السياسة فذلك أمر دونه شِيب الغراب. وللتحديد أكثر. فحين يستذكر السياسيون أوضاعهم الشخصية والمسلكيّة إبّان وجودهم داخل فرو المعارضة السياسية وأيام «النضال» فقد يجدون أنفسهم (وهم في الحُكم اليوم) وقد اتَّسخوا بكلّ ما أسِنَ حاله في الصّفة والموصوف.

فالسلطة والنفوذ هما مَنْ يتحكّمان في الغرائز والميول. لتصبح الأخلاق والقيم والمبادئ مجرّد مُصطلحات كارتونية لا تصمد ولا تقدر على القيام بدور محوري أو بتقويم مَسْلكٍ أو تصويب إجراء. هنا تُصبح القضية غير مرتبطة بمصداقيّة نظاميّة، ما دامت السلطة هي من يملك السطوة والكعب الأعلى في تسيير طبائع البشر.

قبل أيام شنّ أعضاء في إحدى القوائم الانتخابية العراقية هجوما من نوع خاص على زعيم القائمة العراقية ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي. الهجوم تضمّن الادّعاء (تهكّما وتعييرا طبعا) القول بأن والدة إيّاد علاّوي ليست عراقيّة، وإنما هي لبنانية الأصل! وللوهلة الأولى فإن الغرض من ذلك يُعرَف من خلال تزمين ذاك الإعلان المُبتَذل والرخيص.

وبعيدا عن موقفنا من الرجل وبرامجه السياسية فإن الأكيد أن البوح بهكذا أمر هو عَصْرٌ لآخر ما تبقّى من قَطرات الشّتيمة السياسية، لكنه أيضا مدعاة للنّظر في أمور أكبر من ذلك بمسافات. فهو يُؤسّس لتثويرات يُرتَجَى منها أن تضرب خيشوم الوطنية العراقية الحسّاس، أو على أقلّ تقدير استفزاز الانتماء المباشر للأرض، بغرض الانتقاص من الخصوم والاصطفاف وراء الجُدوديّة العشائريّة لأغراض بائسة.

وربما من أراد الانتقاص من علاوي عبر ذلك القول تورّط في غيره من الشخوص ممن يليه نَسَبَا في الدم والسياسة. فإحدى العضوات الكريمات من قائمة ائتلاف دولة القانون هي أيضا من أب عراقي وأمّ لبنانية، وفي مسيرة العراق الطويلة منذ زمن سحيق هناك من ارتفعت هامته في السياسة والأدب والفن وهو يرتدّ في أصله (من الأب أو الأم) تارة إلى تركيا وتارة إلى إيران وأخرى صوب باكستان أو الهند، وعديد من البُلدان.

بل لا ضير لدى هؤلاء (المُعيِّرين) إن أنِسُوا اليوم بصلحي الوادي الذي هو من أب عراقي وأم أردنية، ولا بشذى حسّون التي هي من أب عراقي وأمّ مغربية أيضا، لكنهم ولأغراض مُبيّته يضمرون عكس ذلك لأندادهم السياسيين وهو في مجموعه خطاب جاهلي أرعن، يُريد حصر الأنساب في عرق يضيق عند رأسه، فلا ترى حينها شعبا عراقيا كالذي نراه اليوم، مُوزّع بين الأكراد والسّنّة والشيعة والأزيديين والصابئة والمسيحيين.

عندما قرأت لإياد علاّوي وهو يرد على ذلك قائلا «أنا أتشرف كون أمي لبنانية ومن عائلة عسيران المنحدرة من جنوب لبنان، وتعود إلى قبيلة بني أسد العربية، العريقة في محاربتها للاستعمار الفرنسي، وقد حملت أمي الجنسية العراقية منذ تأسيس الدولة، العام 1921» لم أحبّب أن يدخل الرجل في مثل هذا السجال المُبلّل بالوضاعة وقلّة الاحترام من مُطلقِيه.

وقُلت حينها: هل هذا التنكيل مرّده نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة؟ كيف تُنتج السياسة في العراق قذارة كالتي نراها اليوم؟! وكيف يُصبح التسلّل إلى أصول دماء الناس والتصيّد عليهم، لهزيمتهم معنويا وإضعافهم في المعارك مهنة لبعض الناس الذين نُحِتَت أسماؤهم طيلة ثلاثة عقود على ذاكرتنا بأسمال المظلوميّة والاضطهاد؟! هذه ردّة سياسية لا يُمكن استيعابها.

ولأن أصل الحديث في التعيير وسُبّة الدم نابع من الربح والخسارة، فإننا نستغرب ما يجري اليوم حقا بالتأسيس على ذلك. فقبل الانتخابات يستنكف ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي قيمة التحالف مع الائتلاف الوطني العراقي بزعامة السيد الحكيم ثم نجده اليوم (وحين أصبح الحكيم بيضة القبّان)، يُهرول باسم المشتركات العقائدية والسياسية إلى كسب ودّ الحكيم وعينه على الحكومة ورئاستها وليس شيئا آخر.

الأكثر من ذلك، فإنه وحين تُعلِن المفوضيّة العراقية العليا للانتخابات عن فرز 79 بالمائة وما أشارت إليه حول تقدم قائمة نوري المالكي (حينها) على غيرها من القوائم يخرج الأخير في الإعلام ليقول بأن التزوير الذي يتحدّث عنه البعض حصل بشكل طفيف ولا يُؤثّر على جوهر النتيجة، ليعود مرة أخرى ليقول بأن هناك تزويرا «جنونيا» في عدّ الأصوات لصالح القائمة العراقية!

بمعنى أن الانتخابات ناجحة ولم يشبها تزويرٌ ناجز إذا ما فزتُ فيها أنا، إلاّ أنها تُصبح مزوّرة وغير نزيهة عندما أهزَم فيها أمام الخصم، بالضبط مثلما فعل مير حسين موسوي في إيران قبل تسعة أشهر. الأكثر غرابة أن يتمّ التهديد بالجيش وبالزّخم الطائفي إن لم يُستَجَب لما يقوله المعترضون. وهو السيناريو الذي حدث في انتخابات العام 2005 وأنتج ما أنتج من مصائب على رؤوس العراقيين.

المرحلة التي يمرّ بها العراق اليوم لا تحتاج أكثر من تسكين للجراح، وتصويب للمواقف، وتهدئة لخواطر الطوائف، ولملمة للوطنية المُهشّمة. وإذا ما أصرّ البعض على الإمساك بالمُلْك العضوض فإن الكوارث هي من نصيب الجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 10:43 ص

      هذه اموالا ديه تلعب دورها

      لقد لعبت اموال دورها في العراق كما في لبنان ولولا اموال البترو دولار ا لما نجح علاوي وكيف يقبل على نفسه تسليم العراق الوثنيه. لقد ارادوها العرب لعلاوي لكي يدخل العراق الحضيره العربيه ويصبح العراق كسيحا كالانظمه العربيه

    • زائر 5 | 4:18 ص

      علاوي إنتبه لأيادي الغدر

      علاوي إنتبه لأيادي الغدر التي صرحت أنها لا تقبل بإرادة الشعب العراقي. إن فوز علاوي أثبت لنا أن الطائفيه شيء طارئ على المجتمع العراق ي الشقيق. الطائفيه لا أصل لها في العراق بل هو بضاعه مستورده من أذناب إيران و أذناب القاعده.

    • زائر 4 | 3:10 ص

      المنتصر

      المنتصر هو الشعب العراقي فقط

    • زائر 3 | 2:24 ص

      جبتها عدل يا محمد

      يعني حتى في الاحتجاج على الانتخابات فيها تقليد على الايرانيين ؟؟ والله جبتها عدل يا محمد

    • زائر 2 | 2:22 ص

      الخوف من علاوي

      معادلة المالكي ليست جديدة . انتخابات + فوز = انتخابات نزيهة . انتخابات + خسارة = انتخابات مزورة !!!!!!

    • زائر 1 | 11:00 م

      ...

      فوز علاوي سيكوت حقبة سيئة للعراقيين

اقرأ ايضاً