العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ

ليس كل ما يقوله «لامي» صحيحا

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لأول مرة منذ انفجار الأزمة المالية العالمية، يتنبأ المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي باحتمال «تحسن التجارة العالمية ، بنسبة 9.5 في المئة في 2010 بعد تراجعها بنسبة 12 في المئة في 2009»، معتبرا أن ذلك يشكل «نبأ سارا للاقتصاد العالمي». ومن بين الأخبار التي كشف عنها لامي، وتبدو سارة في ظاهرها «أن التحسن سيكون اكبر في الدول النامية حيث ستشهد المبادلات الدولية هذه السنة زيادة بنسبة 11 في المئة، منه في الدول الصناعية حيث سيسجل تحسنا من 7.5 في المئة». وكانت التجارة العالمية قد «شهدت في العام 2009 تدهورا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، بنسبة 12 في المئة في حجمها، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بثقلها على المبادلات التجارية». والجديد فيما أفصح عنه لامي هو أن «الصين أصبحت اول مصدر في العالم في 2009 متقدمة بذلك على ألمانيا للمرة الأولى، مع صادرات بقيمة 1202 مليار دولار، في حين احتلت الولايات المتحدة، اكبر مستورد في العالم، المرتبة الثالثة مع 1057 مليار دولار من الصادرات».

على مستوى آخر، وبشكل مستقل، رحب صندوق النقد الدولي بإعلان دبي إعادة هيكلة ديون مجموعة «دبي العالمية» وشركتها للتطوير العقاري، المعروفة اختصارا باسم «نخيل». وأبدى الصندوق استعداده لدعم «مسعى سلطات دبي لإيجاد حل عادل ومنصف» لجميع الأطراف ذات الصلة». وكانت مجموعة «دبي العالمية» قد أعلنت في وقت سابق أنها وبعد أشهر من المفاوضات الشاقة مع الدائنين قد وافقت بأن «الجهات الدائنة غير صندوق دبي للدعم المالي سوف تحصل بموجب المقترح على نسبة مئة في المئة من أصول ديونها عبر إصدار شريحتين من التسهيلات الائتمانية الجديدة التي يحل موعد استحقاقها بعد خمس وثمان سنوات».

في الوقت ذاته وافق زعماء منطقة اليورو، «على خطة لمساعدة اليونان المثقلة بالديون»، مشيرين إلى الدور الكبير الذي يفترض أن يمارسه صندوق النقد الدولي الذي يتوقع منه أن «يقدم تمويلات، إلى جانب اتفاقات قروض ثنائية».

قراءة سريعة لتلك الأحداث الثلاثة المستقلة عن بعضها البعض، تبعث بعض التفاؤل في احتمال نهوض الاقتصاد العالمي من كبوته، سواء على المستوى الكوني العام، أو على الصعيد القطري الخاص لبعض الدول التي كانت أكثر تضررا من الأزمة مقارنة بسواها من الدول المجاورة، كما هو حال دبي واليونان. لكن نظرة متمعنة أعمق تثير في النفس بعض التشاؤم، او المخاوف. فالاستنتاج التلقائي المباشر، كما جاء في تصريحات لامي، بأن تحسن أوضاع التجارة العالمية سيقود تلقائيا إلى تعافي الاقتصاد العالمي فيه بعض التبسيط الذي يصل إلى مستوى التسطيح، وذلك للأسباب التالية:

1. إن هذا النمو في التبادل التجاري، غير مصحوب بتحسن في الاستثمار العالمي، إذ تشير التقارير إلى تراجع الاستثمار العالمي، حيث تتحدث الأرقام العالمية عن تقلص «حجم الاستثمار العالمي تراجع خلال العام 2009 بنسبة 16 في المئة مقارنة مع العام الذي سبقه وصولا إلى 1.6 تريليون دولار». يترافق ذلك مع عدم تجاوز التحسن في التجارة العالمية نسبة التراجع التي عرفتها خلال العامين الماضيين والتي تجاوز مجموعهما 14 في المئة (12 في المئة في العام 2009، و2.4 في المئة في العام 2008، وفقا لتصريحات لامي ذاته).

2.إن هناك اعتمادا على المنظمات العالمية من شاكلة صندوق النقد الدولي، لمساعدة الدول على الخروج من ازمتها. لكن تلك المنظمات الدولية هي الأخرى تعاني، بالإضافة إلى شحة السيولة التي باتت بحوزتها جراء الأزمة المالية العالمية التي مستها أيضا، من العقبات السياسية التي تعيق الكثير من مبادراتها، وفي المقدمة منها ذلك الصراع على عضويتها، ونسب الثقل الذي يفترض أن تتمتع به كل دولة من الدول الأعضاء فيها، وهي الأمور التي استجدت بعد تراجع الاقتصادات التي كانت مسيطرة على الاقتصاد العالمي مثل الولايات المتحدة، وتقدم أخرى كانت ثانوية مثل الهند والصين.

3.إن هذا النمو لا يحدث بشكل عادل ومتزن، حتى وأن قيل إن نسبته المرتفعة ستكون في الدول النامية، حيث تستحوذ دولة مثل الصين على الحصة الأكبر منها. إذ تشير الإحصاءات الدولية، بما فيها تلك الصادرة عن منظمة التجارة العالمية «أن أغنياء الولايات الـمتـحدة الأميركية وأوروبا يزدادون ثراء على حساب الفقراء منهم، وأن هوة التفاوتات الاجتماعية تزداد تباعدا في هذه الـمجتمعات الـمتقدمة. أما قارّة إفريقيا السوداء فقد أصبحت قارّة الفقر والبؤس بلا منافس».

4. التزاوج السلبي بين تقلص حجم الاستثمار العالمي والأزمات التي أحاطت بأسواق المال العالمية، مما أدى إلى تدني غير مسبوق في قيم الأسهم المتحركة والثابتة في الكثير من البورصات الدولية. أدى ذلك بشكل مباشر على أوضاع أسواق العمل المحلية والعالمية، مما قاد إلى هجرة عكسية من تلك الأسواق. وكانت محصلة ذلك خسارة أسواق الدول النامية المصدرة لليد العاملة لكل المدخرات التي كانت تتلقاها من الكتلة البشرية المهاجرة. وضاعف من سلبيات ذلك عودة تلك القوة العاملة إلى أوطانها الأم، كي تزيد من أزمات البطالة التي ولدتها أو وسعت من نطاقها الأزمة المالية العالمية.

كل هذه الأمور تدفع المرء إلى أن يقرأ بعناية فائقة متحفظة تصريحات لامي، وأن يتحاشى أية اندفاعة متفائلة غير محسوبة العواقب، لأنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية مصدرها تلك النظرات المتفائلة غيرالموضوعية. فليس كل ما تدعيه تلك المنظمات مبني على أسس علمية غير متحيزة، نظرا للنفوذ الذي ما تزال تتمتع به، داخل صفوفها ، دول مثل الولايات المتحدة، تسعى جاهدة لتجيير سياسات تلك المنظمات، وكذلك تصريحات المسئولين فيها لمصلحتها الذاتية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً