العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ

قمة سرت والخيار البديل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في ظل دعوة العقيد الليبي معمر القذافي إلى الجهاد ضد سويسرا تنعقد القمة العربية اليوم في سرت لبحث مجموعة ملفات أخذت تضغط على أمن الدول وسيادتها وموقعها الإقليمي ودورها في الدفاع عن هويتها. الهموم العربية كثيرة وهي في مجموعها تحتاج إلى آليات للمتابعة وإرادة سياسية تتشكل منها قوة دينامية قادرة على استيعاب المستجدات والتعامل معها انطلاقا من قدرات ذاتية ومواثيق دولية.

الوضع العربي ليس ضعيفا إلى حد الانهيار ولكنه ليس قويا حتى يؤسس خطة عمل قادرة على فرض حضورها السياسي على الأجندة الدولية. وبسبب المنزلة بين المنزلتين يمكن رؤية التعارضات العربية وصعوبة التوفيق بينها على برنامج تستطيع الدول المعنية تنفيذه في سياق مشروع واضح المعالم في أولوياته ومحطاته الزمنية.

التوافق العربي مثلا على مسألة القدس وضرورة حمايتها من مخطط التوطين في الأحياء العربية والاستيطان في الضفة الغربية ظهر بقوة على رأس جدول أعمال القمة. إلا أن التوافق على الحقوق الفلسطينية المضمونة دوليا لا يكفي لإنقاذ المدينة من تغيير معالمها التي دخلت في طور متقدم يفرض شروطه السلبية على المفاوضات ومبادرة السلام العربية.

قرار الدول المجتمعة في سرت برفع ملف القدس والضفة إلى محكمة العدل الدولية والمطالبة بإرسال لجنة تقصي لكشف حقائق التزوير والاستيطان يعتبر خطوة متقدمة للرد على مشروع صهيوني لا يأبه للقرارات الدولية ويعاند الضغوط ويقفل الأبواب أمام كل الحلول السياسية والإنسانية. هذه الخطوة التي اتخذتها الدول العربية قد تشكل مناسبة لكشف ملف الأراضي والملكيات وفضح قرارات المصادرة الباطلة ولكنها أيضا قد لا تكفي لتعطيل الاستيطان ومنعه من التنفيذ.

هناك مشكلة فعلية بين التوافقات العربية على قضايا المنطقة وأولوياتها وبين إمكانات الدول المعنية على ترتيب خطة عمل تعتمد آليات قادرة على تنفيذ ما يمكن اعتماده من قرارات صائبة في القمة.

عدم وجود خيار بديل يشكل الآن نقطة ضعف مفصلية في المشروع العربي الراهن. والرئيس السوري بشار الأسد عبَّر من جانبه عن المأزق حين قال وبكلامه الخاص عن أن «الحرب هي الحل الأسوأ، ولا أحد يبحث عن الحرب في أي مكان في العالم». خيار الحرب إذا غير مطروح الآن ولكنه قد يتحول في مرحلة أخرى إلى «الحل الأسوأ» في حال تواصل الاحتلال واستمر في خطة «التهويد» والاستيطان وتغيير معالم الهوية العربية للقدس والضفة.

يبقى السؤال: هل الدول المجتمعة في سرت مستعدة لذلك «الحل الأسوأ» في حال فشلت كل البدائل السلمية واستمرت «إسرائيل» في سياسة لوي الحقائق والامتناع عن تلبية نداء السلام؟

العمل على تأسيس البدائل مسألة ضرورية وطبيعية، لأن الاكتفاء بالخيار الوحيد يعطي فكرة سلبية ويقدم فرصة للكيان الصهيوني أن يستمر في مشروعه من دون خوف من وجود رادع آخر. والسلوك الإسرائيلي الذي تمظهر بعد صدور مبادرة السلام العربية في قمة بيروت في العام 2002 اعتمد في منطقه الانتهازي على معادلة سياسية أحادية الجانب، معتبرا أن خطوة الدول المجتمعة هي دليل ضعف لا دليل قوة وبالتالي استمر يواصل مخططاته انطلاقا من تلك القراءة السيئة لخطة فتح أبواب التفاوض والتفاهم.

«إسرائيل» لاتزال تعتبر نفسها فوق القانون الدولي وأعلى درجة من دول «الشرق الأوسط» وهي الطرف الوحيد الذي يمتلك الأوراق وعنده القدرة على اتخاذ القرارات، وبالتالي فهو الجانب الذي يحق له تقرير توقيت لحظة السلام أو إعلان الحرب. هذا الرد الإسرائيلي الذي تمثل في محاصرة ياسر عرفات في مقر الرئاسة في رام الله وإعادة احتلال الضفة، ثم في العدوان على لبنان وتدمير قراه ومؤسساته في حرب 2006، ثم العدوان على غزة وتدميرها ومحاصرتها في حرب 2008 – 2009، يؤشر في مجملة على وجود قراءة خاطئة لمبادرة السلام العربية. فالاحتلال نظر إلى انفتاح الدول العربية على «إسرائيل» نقطة ضعف لا خطوة جريئة وشجاعة تقوم على الصدق لا المناورة والخديعة.

الدول العربية المجتمعة اليوم في قمة سرت تحتاج فعلا إلى تصحيح هذه القراءة الخاطئة التي اعتمدتها «إسرائيل» للتعامل مع مبادرة السلام. وتصحيح القراءة يتطلب بدء التفكير في صوغ خطة بديلة والذهاب عمليا نحو تشكيل رؤية موازية لا تتردد في طرح مشروع «الحل الأسوأ». الحل الأسوأ ليس خيارا ولكنه بات حاجة عربية لابد من اعتمادها لدرء المخاطر من جانب والانتباه إلى وجود احتمالات إسرائيلية باللجوء إلى خيار الحرب من جانب آخر.

دعوة القذافي إلى الجهاد ضد سويسرا أضاعت بوصلة الاتجاهات ولكن منطق الدعوة بحاجة إلى تصحيح وتصويب حتى يتشكل ذلك الخيار البديل (الحل الأسوأ) في حال تصدعت مبادرة الجنوح نحو السلام وفشلت في توصيل رسالتها السياسية والإنسانية إلى احتلال استيطاني متعجرف ومتكبر.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:38 ص

      الجامعة العربية الشعبية

      أرى الحل إذا لم تخرج القمة هذه بشيء جاد: أن على كل شعب أن يختار قيادة سياسية محترمة تمثل غالبيته، وأن تجتمع هذه القيادات كل عام في قمة عربية بديلة تحت مسمى (الجامعة العربية الشعبية) وتكون بمثابة جامعة ظل . وتقرر ما ينبغي فعله ضمن استراتيجية عربية شعبوية تحفظ مصالح الأمة.

    • زائر 1 | 2:33 ص

      عبد علي عباس البصري

      عزيزي انويهض الاقليم او الامتداد العربي بما يحويه من خيرات وعقول وأموال سائله وجامده كل هذه تجعل من العالم العربي دوله عظمى .اليس كذلك ؟؟؟ فلماذا نحن نبتز كما تبتز الاماء للقريب وللبعيد .
      اما التواقف العربي بالنسبه للقدس فقد حسب رئيسا لوزراء الصهيوني الموقف وقال القدس عاصمه الكيان الصهيوني والمستوطنات خط احمر العرب مازالو يراهنون على محادثات السلام.؟

اقرأ ايضاً