كما رأينا أصبح «الإرهاب» موضوعا عالميا، يمس بشكل أو بآخر جميع دول العالم، صغيرها مثل فلسطين، وكبيرها من مستوى الولايات المتحدة الأميركية. ولعل من أكثر المعالجات وضوحا في كون «الإرهاب» أحد الألغاز التي ما يزال القانون الدولي عاجزا عن التوصل إلى رأي محدد بشأنها، ما جاء في مقالة محمود صافي المعنونة «لماذا فشلت القوانين الوضعية في تعريف الإرهاب؟»، حين قال نصا «تعمل التشريعات الجنائية الوضعية في مختلف دول العالم على معالجة مشكلة الإرهاب، غير أنها تقف عاجزة عن وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة، وتكتفي بالنص على أفعال معينة تمثل صورا من الجرائم الإرهابية يتم إخضاعها لنظام قانوني خاص لمواجهة آثارها على المجتمع وردع مرتكبيها، مضيفا، وقد تجنب أغلب فقهاء القانون الدولي، والمنظمات الدولية وضع تعريف محدد ودقيق للإرهاب على اعتبار أن في البحث عن تعريف لهذه الظاهرة مضيعة للوقت والجهد والأجدى التركيز على الإجراءات الفعالة لمكافحته». وليس القصد هنا الإساءة، إلى القوانين الوضعية، أو التقليل من دورها في تنظيم العلاقات داخل مجتمعاتها، بقدر ما أردنا لفت النظر إلى درجة تعقد العلاقة بين تلك القوانين المعمول بها في الكثير من بلدان العالم، و«الإرهاب».
ويدلل صافي على صحة ما ذهب إليه عندما يستشهد بما «أكدته الأمم المتحدة في 19/12/1985 عندما أدانت الجمعية العامة جميع أشكال الإرهاب وأغفلت تعريفه، وهو ما فعله البروتوكولان المضافان لمعاهدة جنيف سنة 1949، 1977 والمؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المسجونين المنعقد في هافانا 1990 وكذلك مؤتمر الأمم المتحدة التاسع المنعقد في القاهرة سنة 1995».
أما أمين خلاف، في مقالته المعنونة «تعريف الإرهاب في إطار القانون الدولي»، فيدلل أيضا على صعوبة تلك العلاقة بسرد قائمة من «13 صكّا قانونيا دوليا تقوم جميعا بدور متكامل في المجهود العالمي لمكافحة الإرهاب»، يبدأها بالاتفاقية «الخاصة بالجرائم وبعض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات». ويذيلها بـ «الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي أُقرّت في نيويورك يوم 13 نيسان/ أبريل 2005».
وفي الاتجاه ذاته، يمكن للقارئ الإطلاع على «الدليل العربي لقوانين مكافحة الإرهاب» الذي نشرته «المُنظمة الأستراليَّة للاستخبارات الأمنيَّة والشُّرطَة وأنت»، (http://amcran.org/ATLaws/Anti_Terror_Laws_3rd_Ed_Arabic_2up.pdf) كي يرى طبيعة العلاقة المعقدة بين القانون، محليا كان أم دوليا، وبين موضوعة «الإرهاب».
وإذا ما حاولنا الانتقال من العالمي إلى المحلي، فلربما تشكل الدراسة التي أعدها إبراهيم علوش عن «قوانين مكافحة الإرهاب الأميركية: إجراءات مؤقتة أم انقلاب على الدستور؟» مادة غنية لفهم العلاقة المعقدة بين «الإرهاب»، والقانون حينما «وقع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في أواسط شهر تشرين الثاني/ نوفمبر2001 قرارا يخوله بإجراء محاكمات عسكرية Military Tribunals للأجانب المتهمين بالإرهاب على أرض الولايات المتحدة الأميركية أو خارجها. هذه المحاكم ليس ضروريا أن تكون علنية، ويحدد الرئيس فيها بناء على تقديره الذاتي هوية المتهم والقضاة وقواعد المحاكمة، مثلا، الحد الأدنى الكافي من الأدلة والبراهين الكافيين لإدانة المتهم الذي وقع الاختيار عليه».
أما في بريطانيا فقد نقلت صحيفة «البيان» الإماراتية في مطلع هذا العام (2010) اعترافات «مسؤول أمني بريطاني سابق بأن بعض قوانين مكافحة الإرهاب التي أدخلتها حكومة بلاده في العام 2006، وبعد عام على وقوع هجمات لندن، عرّضت أمن المملكة المتحدة للخطر، وأثبتت أنها غير مفيدة لأجهزتها الأمنية». ونقلت الصحيفة ذاتها، ما كتبه الرئيس السابق لقسم مكافحة الإرهاب في شرطة لندن أندي هيمان، في صحيفة «ذي تايمز»، من أن «استخدام الشرطة لأوامر التحكم وصلاحية التوقيف والتفتيش اعتبرتها المحاكم غير قانونية في الشهور الأخيرة لأنها شعرت بأن هذه الإجراءات تجاوزت الحد المسموح للموازنة بين الحريات ومتطلبات الأمن القومي».
أما الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير، فتتبنى الخلاصة التي توصلت لها دراسة قامت بها مؤخرا «منظمة الخصوصية الدولية»، التي ترى «أن قوانين محاربة الإرهاب، المعمول بها في العديد من الدول الأوروبية تحد من قدرة الصحافيين على الحصول على المعلومات»، مما يعني أن القوانين، بقدر ما تنجح في تحقيق بعض الأهداف الآنية من جهة، فهي تدمر قوانين إنسانية أخرى، بوعي أو بدون وعي.
وعلى المستوى العربي، عبر المتحدث الرسمي للمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب (عقد في مدينة الرياض في مطلع العام 2005) والمتحدث الأمني الرسمي لوزارة الداخلية العميد منصور بن سلطان التركي، عن «بالغ السعادة والتقدير للوفود المشاركة لتلبيتها دعوة المملكة بالحضور للمشاركة في هذا اللقاء التاريخي وتفاعلهم وإسهامهم في إنجاح أعمال هذا المؤتمر للاستفادة من الانقسام في الرأي والمعالجة... ودعا إلى أن يكون هذا اللقاء العالمي المرموق خطوة متقدمة في مواصلة عملية لشراكة عالمية في مواجهة الإرهاب وأسلحته وتنظيماته». مما اعتبر حينها إشارة واضحة إلى انقسام المؤسسات «الأمنية» المختلفة حول الموقف من «الإرهاب»، وانعكاس ذلك على القوانين والتشريعات.
وقد جاء في التقرير الختامي الصادر عن «مؤتمر عن الإرهاب وحقوق الإنسان: نحو اتباع نهج شامل لحماية حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب»، المنعقد في القاهرة في مطلع العام 2002 إشارة واضحة إلى «فشل المجتمع الدولي بصورة عامة في الاستجابة بصورة كافية وفعالة للإرهاب على مدى عدة عقود، والاتساع المستمر للهوة بين القوة وسيادة القانون الدولي، وحرص بعض دول الشمال على استغلال هذه الفجوة في تعزيز مصالحها في جميع أنحاء العالم».
ولعل أفضل ما يثبت كون الإرهاب «لغزا» أمام القوانين التي تحاول أن تحدّ من انتشاره على المستوى العالمي، ما جاء في أحد تصريحات الأمين العامة لمنظمة العفو الدولية، أيرين خان، حين قالت: «لقد كان من شأن تزايد الاستقطاب والمخاوف بخصوص الأمن القومي أن تحدّ من حيز التسامح وقبول الاختلاف. ففي سائر أنحاء العالم، من إيران إلى زمبابوي، أُخرست كثير من الأصوات المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان في غضون العام، واكتسبت الأشكال القديمة للقمع زخما جديدا تحت ستار مكافحة الإرهاب في بلدان مثل مصر، بينما انطوت قوانين مكافحة الإرهاب ذات الصياغات الفضفاضة تهديدا لحرية التعبير في المملكة المتحدة... وليس هناك ما يصور بدقة الطابع العالمي لانتهاكات حقوق الإنسان مثل (الحرب على الإرهاب) التي تقودها الولايات المتحدة... وبالرغم من ذلك، فإن إستراتيجيات مكافحة الإرهاب لم تسفر عن نتائج تُذكر في التقليل من خطر العنف أو ضمان العدالة لضحايا الإرهاب، ولكنها أضرت ضررا كبيرا بحقوق الإنسان وسيادة القانون على المستوى العالمي».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2754 - الأحد 21 مارس 2010م الموافق 05 ربيع الثاني 1431هـ
تم تهجين مبادىء القومية العربية وإستبدال اللغة العربية باللغة الإنجليزية من قبل الشخصيات الرخوة
شكرا للأستاذ عبيدلي .. الواقع يشهد بأن هناك إرهاب ضد المواطن البحريني ونخص هنا تصرفات حديثي النعمة بالوظيفة حيث تم إبتلاع حقوق بعض المواطنين الموظفين بإجتثاث قدرات وتكبيل كبار المؤهلين بإستغلال إستراتيجيات مدروسة ومطبقة على أرض الواقع وتم الإستعانة بصغار الموظفين لتحقيق مآرب دنيئة للشخصيات الرخوة التي إتخذت مواقع إدارية بناء على أجندات خاصة وهذا ما حصل مع الآفات التي زرعت في مواقع العمل بشهادات مرور من الجامعات الخاصة وحظوا على مناصب كبيرة لا تتماشى مع فقدان أهلية الأداء مع تحيات (ندى أحمد)