العدد 2749 - الثلثاء 16 مارس 2010م الموافق 30 ربيع الاول 1431هـ

المرض المزمن عند بعض الجمعيات

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

بعض الأمراض التي تعاني منها بعض المجتمعات، خاصة المجتمعات الناشئة أو وليدة الديمقراطية، تتمثل في بعض الأحداث التي نطالع تفاصيلها اليوم، تذكرنا بأحداث مماثلة أو شبه مماثلة وقعت بالأمس القريب، على سبيل المثال ما يتخلل البحرين من أحداث حرق وتعطيل لبعض الشوارع، حيث ارتبطت هذه الأحداث لدينا وكأنها تقليد أو عرف عند كل سباق «فورمولا واحد» ينظم في البحرين أو مناسبة الحكومة طرف بها، هذا بجانب التسابق لتسجيل الأهداف السياسية أو الدعائية في الأوقات الأخيرة من عمر المجلس النابعة من عقدة أو مرض «الأنا».

الجديد في هذه الأحداث التي نشير إليها بأنها تفتقر التوثيق أو الرصد وهذا مؤشر لما بدأنا به وهو أن تلك الأحداث أصبحت عرف أو تقليد وذلك يعود لسببين أما تقبل المواطن لهذه الأحداث لسبب تقزيمها أو لخلق الأعذار لها. وآخر ما استجد في الأمر، فأنه يتعلق بالأنباء التي يجري تناولها بين الحين والآخر في أيامنا هذه، ومن دون تحفظ أحيانا، حول هذا الطرف أو ذاك بغية السيطرة أو تحقيق هدف سياسي ما!.

وهنا نقول ما دمنا نشير إلى هدف ما، «ترى هل يحق لنا تصوره بالقول إنه لا بد أن يتصل بحلم المواطن القديم الجديد». نعني الحلم القائل بأن تطلعات المواطن لمنزل آمن، حياة كريمة يمهد لها هذا الطرف وذاك. ولكن وللأسف جل ما تمكن المواطن تحقيقه اليوم من هذا الحلم هو إشهار تلك النطف السياسية، التي تنبعث أولوياتها السياسية حسب تقسيمات شرائح المجتمع في منظورها.

إن السبب الرئيسي لهذا المرض يمكننا تسميته بـ «مرض الأنا»، حيث يشكل خطرا على المصاب به دون سواه.

حين يختار المرء هذا المرض، بملء إرادته، يهاجم به نفسه كما يهاجم غيره، كما أن هذا المرض أصبح كابوسا حقيقيا في حياتنا، وخصوصا عندما تضخم وتخطى المعقول والمنطق، في سياق التعامل بين أفراد بعض النخب المختلفة لسبب أو لآخر.

إن المصاب به لا بد أن ينقلب مع مرور الوقت، إلى إنسان فوقي بكل معنى الكلمة، وخير دليل على ذلك ازدواجية البعض بالطرح، أو الشريحة التي تعتقد بأنها تنطق باسم الحقيقة المطلقة. ومعلوم هنا أنه عندما يتعالى الإنسان على الإنسان، فإنه لا يتوقف عن الشعور بأنه خلق ليكون سيدا، بل سيد فقط من دون أن يقيم وزنا لمن هم حوله، وبالتالي يفرض عليهم واقع القبول به، غير قابل للتبديل أو التغيير كأنه القدر وهذا واقع بعض جمعياتنا السياسية والشواهد على ذلك كثيرة، وتلك الشواهد تتفاوت لدى الفرد بدرجة قبولها أيدلوجيا أم عقديا أما بقبول إلغاء العقل طوعا من قبل البعض.

ولهذا المرض دوره البالغ في تشويه الأشياء الجميلة في الحياة وها نحن نرى بعض الأحداث بتفاصيلها سواء على الأرض أو بالفكر النشاز ولكن نخلق لها الأسباب والأعذار تارة ونقزمها تارة أخرى وصولا لتحقيق رغبة الأنا.

ومن المفارقات بأن هذا المرض قد بدأ من الذات أولا وكما نعلم، قد ينتقل من الذات إلى الغير بفعل العدوى أو عن طريق التقليد في أحيان كثيرة. ومن الأمراض الأكثر احتمالا لقبول التقليد هو هذا المرض بالذات (الأنا )، ولهذا فإن الإصابة به، على مستوى الفرد قد يكون سببا في اتساع رقعته عبر محاولات التقليد أو المحاكاة من قبل الغير. وعندئذ بطبيعة الحال فإن التصادم قد يكون عنوان الساعين إلى إثبات الوجود، في البيئة الواحدة على حساب الآخر. لذلك كثير منا ما يفاجأ أن ثمة الكثير منا لم تقرأ بعد ما يدور حولها وينبغي لها أن تقرأ، إذا كانت قد فعلت ذلك فمفيد أن تعيد هذه القراءة، لأنها قد تشكل مدخلا لفهم الحاضر من خلال فهم ما حدث بالأمس، سواء ما كان منه بعيد نسبيا أو قريبا.

إن قراءة الأحداث لا يجب أن تكون وقفا على الجمعيات السياسية وبعض الساسة أصحاب القراءة الخاصة بهم. ففي الواقع تم إلغاء وظيفة العقل في الكثير من مواقع الحياة بسبب هذه الجمعية أو تلك، كما هو ملاحظ، من هنا تكمن ضرورة التعرف على أحداث الأمس، وعلاقة هذه الأحداث بصانعيها استنادا إلى أيديولوجياتهم التي تغذت بها عقولهم، إلى حد الإيمان بها كما لو كانت من الثوابت التي لا يجوز تخطيها لأي سبب كان، وذلك تجنبا لغضب أربابهم، على غرار ما ترويه أساطير الشعوب القديمة.

من هنا جاءت الدعوة لإعادة النظر في تشخيص هذا المرض، وصولا إلى القيم العليا وغرسها في أعماق نفوس الناشئة من أبناء الوطن، أينما كان موقعه، ومتى كان زمانه، وصولا إلى ما نسميه بالتواضع.

والتواضع، كما أن الأنا مظهر إنساني يمكننا استشعاره. وعندما نقوم بعملية الفرز بين التواضع والأنا فإن غالبيتنا، كما نقدر ننحاز عفويا، إلى جانب الأكثر تواضعا من سواه. هذه حقيقة إنسانية في نهاية المطاف. ولهذا يمكننا استذكار قول القائل ذات مرة «لا يتواضع إلا كل رفيع»، فأي قول ترى ينطبق على الصنف الآخر من الناس؟

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2749 - الثلثاء 16 مارس 2010م الموافق 30 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:57 ص

      نعم للرائ السديد

      من بو أحمد محبي بو خالد مقال رائع و جرئ واضح المعالم لكاتب بحرينني أصيل يقرأ ما بين السطور و يعرف كيف يصيب هدفه صح لسانك بو خالد

اقرأ ايضاً