تحتفل العواصم الخليجية بأسبوع المرور الخليجي السادس والعشرين. وأول ملاحظة يلمسها من يحاول تتبع فعاليات هذا الأسبوع التصريحات النارية التي وردت على لسان مسئولين في الوزارات ذات العلاقة عن برامجهم للحد من أخطار المرور، وخططهم المستقبلية لتحسين أوضاع أنظمته في تلك العواصم، التي تحولت، باعتراف الكثير منهم، إلى مدن موت حقيقية جراء تردي التحكم في انظمة المرور المعمول بها فيها، مما جعل تحسين تلك الأنظمة إحدى أصعب المشكلات التي تواجه أولئك المسئولين. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، يؤكد وكيل وزارة الداخلية الفريق سيف عبدالله الشعفار، أن «الوزارة تسعى للربط الإلكتروني المروري بين وزارة الداخلية بدولة الإمارات وشقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص تبادل المعلومات الأمنية عن حركة السيارات في دول المجلس، إضافة إلى الربط الإلكتروني في ما يخص المخالفات المرورية التي ترتكب في أي دولة خليجية وذلك لتسهيل إجراءات دفع المخالفات لمواطني مجلس التعاون في أي دولة خليجية».
أما في السعودية، فنجد مدير الإدارة العامة للمرور اللواء سليمان بن عبدالرحمن العجلان، أكثر طموحا من ذلك عندما يتناول المستجدات المرورية القادمة التي ستقوم بتطوير الأنظمة المرورية من خلال بناء «نظام آلي متكامل يتم من خلاله إنهاء كافة المعاملات المرورية آليا، مشيرا إلى إمكانية استخدام أجهزة الصرف الآلي لاستخراج رخصة القيادة». مبشرا بعزم الإدارة على
«التحول إلى الحكومة الإلكترونية وتحويل جميع الأعمال المرورية التي تقدمها في إداراتها وأقسامها لتصبح في متناول الجميع اختياريا في جميع المواقع والأوقات».
مقابل ذلك، كان على ذلك المتابع لفعاليات هذا الأسبوع ان يستعين بمجهر متطور كي يجد تحت عدسته المكبرة وبين ثنايا تلك التصريحات بعض الإشارات الخجولة التي تناولت ضحايا حوادث المرور في دول مجلس التعاون، رغم الإحصاءات الرسمية المرعبة التي تعترف بارتفاع عدد أولئك الضحايا وفقا للمعاير الدولية. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة تتفوق أبوظبي، العاصمة، على سائر الإمارات الأخرى من حيث الضحايا، الذين يصل عددهم إلى ضعف المعدل في الإمارات الأخرى. وتكشف أرقام صادرة عن هيئة صحة أبو ظبي أن «نسبة الحوادث المأساوية التي تقع على شوارع الإمارة تبلغ 37.5 في المائة لكل 100,000 شخص، مقارنة بنسبة 15.7 في المئة، بالإضافة إلى أنها تعد أكبر سبب للوفاة». وقد كشفت دراسة ميدانية «التزايد الطردي للوفيات الناجمة عن حوادث الطرق من العام 1997 وحتى العام 2007 في دولة الإمارات بنسبة 70.6 في المئة «.
مقابل ذلك تبوأت السعودية المركز الأول، على صعيد ضحايا الطرق عندما «سجلت أعلى نسبة وفيات بحوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي حيث وصل عدد الوفيات إلى 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان». وفقا لتقرير حديث أصدرته منظمة الصحة العالمية، وجاء فيه أن «السعودية تقدمت على دول كثيرة من حيث عدد الوفيات لكل مئة ألف من السكان، مثل مصر 41 شخصا، وفي إريتريا 48 شخصا، وفي أفغانستان 39 شخصا، وفي تونس 34.5 شخصا».
وعلى المستوى العربي يبدو أن مصر كانت تنافس السعودية على المركز الأول على هذا الصعيد، حتى العام 2007، فقد أكد تقرير قدم حينها لمجلس الوزراء المصري على «أن مصر تحتل المرتبة الأولى بين 35 دولة شملتها دراسة عالمية في عدد الوفيات نتيجة حوادث الطرق، حيث سجلت الإحصائيات 156 حالة وفاة لكل 100 ألف سيارة في مصر، في الوقت الذي سجلت فيه سويسرا التي احتلت المركز الأخير في الدراسة 8 وفيات فقط لكل 100 ألف، وجاءت إسرائيل في المرتبة العشرين، بـ 19متوفى لكل 100 ألف سيارة».
ولكي نكون موضوعيين، دون ان نكون مبررين، فليست دول مجلس التعاون هي، دون غيرها من دول العالم النامية التي تنتشر فيها هذه النسب العالية، فحوادث السير، ووفقا لإحصائيات رسمية « تودي بحياة أكثر من مليون شخص وتصيب أكثر من 50 مليون آخرين في العالم كل عام. علما بأن الأطفال في الشريحة العمرية 5 إلى 14 عاما هم الأكثر تعرضا لخطر هذه الحوادث». ومقابل «معدلات الوفيات في البلدان النامية التي تتراوح من 25 إلى 30 حالة وفاة لكل 10 آلاف سيارة نجد حالة إلى حالتين لكل 10 آلاف سيارة في البلدان المتقدمة»، كما تكشف عن ذلك الكثير من التقارير الدولية الموثوق بها.
من الطبيعي ان يكون هناك اكثر من سبب وراء هذه الظاهرة الخليجية الملفتة للنظر، التي لن تجدي فيها نفعا مثل هذه الاحتفالات الفلكلورية الموسمية، التي لاتكف عن التشدق بالإنجازات، دون التورع عن تغطية الاخفاقات، والتي تبدأ من تدني الثقافة المرورية التي ينبغي أن يرضع حليبها الأطفال في مراحل مبكرة من حياتهم، عندما يبدأون في الذهاب إلى المدارس، مرورا بحملات التوعية، ودون التوقف عند تنفيذ القوانين والأنظمة، بما فيها من جزاءات وغرامات.
لكن يبدو أن هناك سببا حقيقيا واحدا يقف وراء حوادث الطرق تلك، إذا ما تجاوزنا القضايا الفنية والإدراية، وهي قدرة المخالف لتلك القوانين والأنظمة على النفاذ بجلده من أي عقاب، متسلحا بعلو وضعه الاجتماعي او قوة نفوذه السياسي، الأمر الذي يشل فعل تلك القوانين والأنظمة، بغض النظر عن تطورها او فعاليتها، ويمنعها من تجاوز الورق الذي دونت عليه، او الملف الإلكتروني الذي حفظها.
هذه مجرد ملاحظة عابرة، بحاجة إلى روافع أخرى، قادرة على إنقاذ ضحايا حوادث الطرق من مصير قاتم يتربص بهم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2748 - الإثنين 15 مارس 2010م الموافق 29 ربيع الاول 1431هـ
تعديل المسارات وتدشين المزيد من الجسور المعلقة
شكر للأستاذ القدير عبيدلي وإنه آن الأوان لبناء المزيد من الجسور المعلقة وإزاله الدوارات الكبيرة والإستعاضة عنهم بالإشارات المرورية ودراسة حجم الحوادث المرورية والتغييرات الضرورية المطلوبة في المسارات .. مع تحيات (ندى أحمد)