تناولت المقابلة التي أجراها برنامج «ريتشارد كويست الاقتصادي» مع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وبثتها شبكة «سي إن إن» الإخبارية، وأرسل نصها المترجم مكتب تابع للشبكة في دبي، ونشرتها الصحافة المحلية، الكثير من القضايا التي تهم المنطقة.
تداخلت في حديث سموه الجوانب المحلية مع تلك الإقليمية والعالمية، وأتسع نطاقها كي تشمل الاقتصاد مع السياسة.
توقف سموه عند نقطة في غاية الأهمية، على المستوى الداخلي، والتي هي دور القطاع الخاص في الحراك الاقتصادي، حين قال «نحن نسير إلى اقتصاد أكثر تنوعا يعتمد على القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيس للنمو، وبموازاة ذلك، ومع القطاع الخاص، نحو إنفاق مواردنا الطبيعية في دفع عجلة الدورة الاقتصادية إلى الأمام. ونحن في طريقنا لتحقيق ذلك عبر تحفيز مناخ الأعمال من خلال تحويل دور الحكومة، ومواصلة الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة والابتكارات، مضيفا (...)، دعنا نفكر في الأمر على أننا ندعم نمو القطاع الخاص، ونستعيض عن الدور الأساسي الذي تأخذه الحكومة، بدورة مفيدة تنشر الثروة وتطور الإنتاجية لجميع مواطنينا».
تنبع أهمية ما جاء في تلك المقابلة من أربعة مصادر رئيسية هي:
الأول، هو توقيت بث المقابلة، فهي تأتي بعد موجة الانتقادات التي سيطرت على أجهزة الإعلام العربية، والبعض منها كان رسميا، حول التقاء وزير الخارجية البحرينية مع بعض الشخصيات اليهودية. وليس القصد هنا أخذ موقف من ذلك اللقاء او تقويمه، بقدر ما هو الإشارة إلى الزوبعة الإعلامية التي أثارها، والتي كانت بحاجة إلى نوع من المسكنات التي تهدئها، من مستوى لقاء مع سمو ولي العهد. ولا ينبغي لنا هنا أن ننسى تصريحات سابقة لسموه بشأن تقويمه لفشل الإعلام العربي أيصال الرؤية العربية لدوائر صنع القرار في المؤسسة الصهيونية، بما فيها تلك التي تسير السياسة الإسرائيلية.
الثاني، هو الوضع السياسي، والثقل الإعلامي، اللذان تتمتع بهما المؤسسة (سي إن إن) التي أجرت المقابلة وبثتها، وعلاقاتها الوثيقة بدوائر صنع القرار الأميركية، وبالتالي، فما قامت به الــ «سي إن إن» ليس مسألة لقاء عفوي مع مسئول عربي، أو مجرد خبطة إعلامية سبقت بها فضائيات أخرى. كان يمكن وضع المقابلة في هذا الإطار الإعلامي، لو أنها تحدثت عن موضوع، ربما يكون مهما أيضا، لكنه لن يتمتع بالثقل السياسي ذاته، مثل سباق الفورمولا -1. لكن كون اللقاء يتمحور حول قضايا عسكرية واقتصادية تهم المنطقة، وهي بالطبع ليست بعيدة عن اهتمام الدوائر الأميركية تلك أيضا، يضعها في سياق مختلف تماما عن نطاقها الإعلامي، وبالقدر ذاته يضع البحرين في مرتبة سياسية، تفوق بكثير تلك التي تؤهلها لها إمكانياتها البشرية والاقتصادية.
الثالث هو المكانة الرفيعة المتقدمة التي يحتلها سموه في هرم صنع القرار السياسي/ الاقتصادي في مملكة البحرين، فإلى جانب كون سموه وليا للعهد، ينبغي أن لا ننسى منصبه الآخر كرئيس لمجلس التنمية الاقتصادية، الذي يمارس - المجلس - اليوم دورا حيويا ورئيسيا في صنع القرارات المصيرية بشأن مستقبل البحرين، دع عنك حاضرها. هذا يضفي على المقابلة بعدا قتصاديا يضاعف من أهميتها السياسية.
الرابع، هو الموضوعات التي تناولتها المقابلة، وفي القلب منها القضايا الداخلية، التي تتقدمها المسائل الاقتصادية. وعندما نضع حديث سموه عن دور القطاع الخاص في هذا الإطار، نكتشف، أهمية الدور الذي ينتظر القطاع الخاص، على وجه التحديد، الذي يناشده سموه كي يبادر فيلتقط الدعوة، ويمسك أول الخيط، كي يصل إلى نهاية الطريق، الذي يكرس دور القطاع الخاص كمحرك أساسي للتطورات التي يفترض أن تشهدها البلاد، وعلى الصعد كافة.
هنا نصل إلى لب تلك المقابلة، بالنسبة للمواطن البحريني، الذي يرى اليوم أكثر من أي وقت مضى، ضرورة أن ينضوي القطاع الخاص عن نفسه كل تركات الماضي، ويغتنم هذه الفرصة، كي يمارس الدور الذي يتوقعه منه سموه.
لا نتحدث هنا عن أي شكل من أشكال التطابق في الرؤية، لكننا نصر على أن هناك فرصة ثمينة متاحة، ربما لا تتكرر، وقادمة من مستويات عالية. وطالما أن لكل قطاع مهني في البحرين، مؤسسة محددة من مؤسسات المجتمع المدني تحتضنه وتدافع عن مصالحه، فلا يمكن لعاقل هنا ان يفكر في من يستطيع، بل ويجب، أن يمثل التجار أكثر وأفضل من غرفة تجارة وصناعة البحرين. وربما نجد من ينبري كي يقول إن سموه تحدث عن القطاع الخاص، ولم يذكر الغرفة بالاسم. لكن تبقى هذه مسألة شكلية لا ينبغي أن يتوقف عندها التجار أو الغرفة على حد سواء.
لا يتيح المكان او الزمان مجالا لاختلاف أو حتى الحوار، ولا يسمح بالتلكؤ، فالفرص لا تتكرر نفسها كل يوم، وعلى التجار ان يستفيدوا من هذه الدعوة كي يكرسوا دورهم الاقتصادي، ومن ورائه حصتهم السياسية، ومن خلال «بيتهم» الذي بنوه، والذي هو غرفة تجارة وصناعة البحرين. وليس المطلوب هنا أيضا ردة فعل عفوية، تبحث عن مكسب آني سريع، بقدر ما ينبغي «التريث» دون التباطؤ، والخروج بورقة عمل سليمة تعبر عن «حقوق» القطاع الخاص، وتعكس طموحاته، تتقدم بها الغرفة إلى سمو ولي العهد، تسلط من خلالها الضوء على الدور الوطني المسئول الذي يريد التجار أن يلزموا انفسهم القيام به، ومن خلال الغرفة، وليس أحد سواها.
لا أحد يطالب الغرفة بأن تقوم بحركة راديكالية خارجة عن إطار صلاحياتها أو مسئولياتها، بقدر ما ندعوها كي تقرأ بشكل جيد ما ورد في تلك المقابلة، وتترجمه في ورقة عمل استراتيجية، تخاطب بها سمو ولي العهد، الذي نعتقد أن إيمانه بكل كلمة وردت في تلك المقابلة تجعل صدره مفتوحا لكل اقتراح من شأنه أن يساهم إيجابيا في عمليات البناء والتطوير.
وانسجاما مع كل ذلك فنحن نتفق مع سموه حين يقول إنه يبحث جديا عن «اقتصادا أكثر تنوعا يعتمد على القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيس للنمو». وليس هناك ما يدعو إلى التمييز بين الغرفة والقطاع الخاص، ومن ثم فنحن نضم صوتنا إلى صوت سموه الذي نأمل أن تردد أصداؤه جدران «بيت التجار».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2744 - الخميس 11 مارس 2010م الموافق 25 ربيع الاول 1431هـ
مجلس التنمية و مجلس الوزراء
ماهي حدود كل منهما تجاه الآخر؟ السؤال الأصعب في البحرين.
رؤية 2030 ولبناتها الأولى
نشكر للأستاذ عبيدلي المقال المتميز ... العديد من الجهود الحثيثة التي روعيت من قبل قيادة الوطن في بداية الطريق لرؤية 2030 والمطلوب هو جدية المواطن في تحقيق تلك الرؤية إلى ترجمة واقعية ... مع تحيات ( باسمه العبدالله)