بعد ما يربو على ثلاثة عشر قرنا من وفاة النبي محمد (ص) فإن أثره لا يزال قويا متجددا في كل أنحاء الدنيا، ولم يكن محمد (ص) بالشخصية الإنسانية التي مرت دون حراك، أو تركت جانبا يسيرا من التراث البشري، بل إنها ملأت الدنيا وشغلت الناس، فكل تلك السنين ومازالت الأقلام لم تجفّ بعد عن خط سيرته والحديث عن مناقبه الشريفة، ومازالت الألسن لم تكل بعد من ذكره الكريم، ومازالت الأصوات ترتفع علوا بالصلوات عليه في كل وقت ومكان، إنه محمد وما أدراك ما محمد؟
عاش (ص) ثلاثا وستين سنة، أربعين منها قبل أن يبعث بالرسالة، وثلاثا وعشرين سنة نبيا قضى منها ثلاثة عشر سنة في مكة وعشر سنين في المدينة المنورة، حين ولد محمد (ص) أقام جده عبد المطلب مأدبة دعى إليها كل أفراد قبيلة قريش، الذين سألوا عبد المطلب:
ماذا سميته؟
فقال سميته محمدا.
فنظروا إلى بعضهم دهشة مما سمعوا.
فسألوه: لم رغبت عن أسماء آبائك؟
فقال أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده أهل الأرض في الأرض.
تظهر عظمة النبي محمد (ص) في قدرته الإعجازية على تغيير الجزيرة العربية التي كانت على حال يصفه الإمام علي (ع) خير توصيف بقوله: «بعثه والناس ضلال في حيرة، وخابطون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستنزلتهم الكبرياء، واستخلفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل، فبالغ (ص) في النصيحة ومضى على الطريقة ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة».
فالخلق الرفيع والحكمة التي تمتع بهما النبي محمد (ص) هي سلاحه في الكفاح، وهذا ما أشار إليه مهاتما غاندي بقوله «أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر... لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف».
الخطاب الإلهي للرسول محمد (ص) في القرآن الكريم خطاب كبير له من التبجيل والرفعة والشأن الكبير، إذ قال تعالى: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا»، و «وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين»، و «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين».
صفات عدة وصفها رب العالمين لنبينا المصطفى، صفات بها من التقريب لم يحظَ بها نبي من قبل فهو حبيب الله، والحب أعلى درجات الارتباط، فقد اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى كليما ولم يتخذ غيره حبيبا، كما يصفه «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وصفا كليا ليس به تجزئة لخلق دون سواه، كما جاءت الصفة تحمل معنى الاستمرارية إذ لم يقل سبحانه وتعالى وإنك لصاحب أو ذو خلق، وذلك يرجع لمحدوديتها لفترة محددة.
للنبي ارتباط وثيق بأمته لذا يأمره رب العالمين بالصلاة لنا: «خُذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلِّ عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم» وبالمقابل كان للأمة حب النبي محمد (ص) وطاعته وخلاف ذلك يوجب توبيخ الله وتحذيره وهذا ما يتضح في قوله تعالى «قُلْ إِنْ كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»، هو النبي محمد (ص) الذي نحتفل بمولده الشريف، ليكون هذا اليوم تشريفا لأعظم مخلوق في وجه هذا الكون الذي وحّدنا تحت الراية المحمدية، نحن مطالبون في هذه المناسبة لنقف معا ونمد أيدينا ونسمو على ذواتنا إجلالا لنبينا، فليس لنا نبي سواه.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2736 - الأربعاء 03 مارس 2010م الموافق 17 ربيع الاول 1431هـ
خوله
اللهم صلي على محمد وعلى أل محمد وعلى اصحابه وزوجاته اجمعين
رمله تحياتي لج
يازميلة الدراسه :)