الزمان: فبراير/ شباط 2010 (حلول فصل الربيع).
المكان: دمشق - الشام (الجمهورية العربية السورية).
المناسبة: عشاء عمل سياسي رفيع المستوى لقادة معسكر الممانعة.
الداعي: الرئيس السوري بشار الأسد.
المدعوان: الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
الموضوع: حفل تدشين استئناف نشاط جبهة الممانعة في المنطقة مرة أخرى!
بعد استراحة محارب، أو لنقل «نقاهة ضرورية» قررت جبهة الممانعة في الشرق الأوسط استئناف نشاطها بإطلالة قوية على وقع عشاء ربيعي فاخر في الشام جمع أقطاب تيار الرفض للقاطرة الأميركية في المنطقة من طهران حتى بيروت مرورا بالعاصمة الحاضنة.
الأكثر إثارة في هذا اللقاء السوري - الإيراني هو تهكم الرئيس السوري على الدعوة التي وجهتها سيدة الدبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون لبلاده للابتعاد عن طهران، التي قابلها الأسد بتوقيع اتفاق استراتيجي يفتح سورية وإيران لمواطني البلدين من دون تأشيرة عبور!
ثمة أمور كثيرة استدعت هذا اللقاء (العشاء السياسي رفيع المستوى) من الجدير الوقوف أمامها بشيء من التأمل:
لقد تزامن هذا اللقاء مع تصاعد النبرة الغربية الأميركية والأوروبية لجهة تعظيم العقوبات الاقتصادية على طهران لثنيها عن المواصلة في برنامجها النووي الذي تؤكد طهران سلميته فيما يرى الغرب غير ذلك. وفي هذا الصدد سمع أحمدي نجاد في دمشق كلاما طيبا وموقفا سوريا داعما لبلاده في مشروعها النووي لأبعد الحدود.
ولأسابيع خلت بدا أن طبول الحرب بدأت تقرع في المنطقة من جديد، وكانت مياه الخليج ساحة مفتوحة لاستعراضات عسكرية متبادلة تمثلت في ثلاثة تحركات ميدانية: التحرك الأول: توارد أنباء مؤكدة عن نصب واشنطن منظومة صواريخ متقدمة دفاعية – هجومية في عدد من دول الخليج. والتحرك الآخر هو المناورات العسكرية المشتركة بين المعسكر الغربي وحكومات عربية وخليجية لحماية المنشآت النفطية والقواعد الغربية، والتحرك الثالث هو رد إيران بالكشف عن حاملة صواريخ متقدمة من إنتاجها في الخليج أيضا.
وعلى رغم من كل ذلك التوتر، فإن جبهة الممانعة في المنطقة تدرك أن ما من شيء يدل على نية جادة من جانب واشنطن لخوض حرب عسكرية في الوقت المنظور على الأقل، بقدر ما ترى واشنطن أن العصا الغليظة ستحمل الإيرانيين على التراجع في الطموحات النووية، ولتحسين مزايا التفاوض من خلال إجبار طهران على القبول بالعروض المختلفة المقدمة من مجموعة 5+1، ولكن ذلك لم يحصل حتى الآن.
جبهة الممانعة عادت الآن بقوة بعد تهدئات ضرورية اختيارية، وعملت خلالها هذه الجبهة على إعادة التموضع تكتيكيا، فهذه الجبهة سمحت بتمرير اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، ومن ثم مررت انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان بعد شد وجذب، وبعد ذلك أعطت الضوء لولادة الحكومة اللبنانية (ذات القاعدة الائتلافية العريضة) برئاسة سعد الحريري.
ومن عدم الحكمة تجاهل الضرر الجزئي الذي لحق بمعسكر الممانعة بعد عدم الفوز المتوقع في استحقاق الانتخابات البرلمانية اللبنانية، لكن هذه الجبهة برهنت على فرض شروطها، وصممت على أن يكون صوتها نافذا وتمكنت من الحصول على حق الفيتو في مخرجات الحكومة اللبنانية الجديدة.
وهذه القمة لقوى الممانعة أتت كذلك بعد عودة الغريمين السابقين (الحكومة السورية وتيار 14 آذار) إلى خيار الواقعية في العلاقة بينهما، وبدا أن دمشق بدأت تستعيد نفوذها في لبنان ولكن على نار هادئة، وعلامة انتهاء الطلاق هي زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى دمشق، وهي الزيارة التي شكلت إيذانا بإسدال الستار عن العتمة في علاقة الطرفين. ومرت ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري هذا العام من دون هتافات مناهضة لسورية، بل إقرار من قوى الموالاة بأن التوافق مع دمشق قدر مكتوب لا مناص له لمسببات سياسية وجغرافية لها وصل بالتاريخ والمستقبل.
كما أن نبرة التهديد الإسرائيلية بإعادة سيناريو الحرب في لبنان شكلت محورا رئيسا على طاولة جبهة الممانعة، وللمرة الأولى اختار أمين عام حزب الله أن يهدد بقصف البنية التحتية الإسرائيلية في حال بادرت تل أبيب إلى تكرار مغامرة الحرب، رغم أن بنيامين نتنياهو تحاشى في طوال تاريخه السياسي أن يخوض حربا مفتوحة، ولكن من البديهي أن يتعامل القادة الثلاثة مع أسوأ الخيارات المطروحة.
ومن الواضح للغاية أن النشاط الجديد - القديم لجبهة الممانعة استؤنف بعد تطور نوعي إيجابي في العلاقات المتوترة بين سورية والمملكة العربية السعودية، وتوج هذا التفاهم الآني بين البلدين بالزيارة التاريخية التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى دمشق، والتي فتحت مناخا من الثقة بين دمشق والرياض.
اللافت أيضا أن هذا اللقاء الثلاثي جاء بعد التحسن الطفيف في مسار العلاقات السورية - الأميركية، وبلغ هذا التحسن ذروته في تعيين سفير للولايات المتحدة في دمشق، ولكن ذلك التطور لن يكون على حساب المصالح الاستراتيجية التي يجنيها السوريون من تحالفهم مع طهران وحزب الله في لبنان.
ثمة تطور تاريخي في المنطقة شكل دعما استراتيجيا لقوى الممانعة، وهو التحول الجذري في السياسة الخارجية التركية، فالخلاف التركي الإسرائيلي قابلته أنقرة بانفتاح أكبر على أقطاب محور الممانعة.
ورغم مضي عام على حرب غزة، لكن الجميع يدرك أن جبهة الممانعة هي أكبر كاسب من آثار هذه الحرب التي شكلت تداعياتها إحراجا كبيرا ولربما حصارا لخيار دول الاعتدال العربي أكثر منه حصارا على سكان القطاع! وبات من الصعب الحديث عن تجاوز هذا التطور في المشهد السياسي في المنطقة الذي صب في خانة التكتل المناهض للخيارات الأميركية والمتعاطفين معها.
وبعد عام من إدارة الرئيس الأميركي جاء هذا اللقاء الثلاثي ليستثمر الثغرات الواضحة في الخطاب السياسي الأميركي تجاه المنطقة، الآن وقد انجلى الغموض الذي كان يكتنف السياسية الأميركية في عهد باراك أوباما، فعملية السلام لم تتقدم خطوة للأمام بل ظلت تراوح مكانها بسبب عدم وضوح أجندة واشنطن وآلياتها في إدارة ملف الصراع في الشرق الأوسط.
خطاب القمة كان واضحا وجريئا بما فيه الكفاية للتعبير عن موقف موحد من الخطاب الأميركي، ويأتي ذلك في ظل شيوع أخبار عن زيارة مرتقبة سيقوم بها الرئيس باراك أوباما للمنطقة بعد فشل الزيارات المتعاقبة التي قام بها المبعوث الأميركي السناتور جورج ميتشل في تحريك أي من مسارات التفاوض. وفي ملف بلاد الرافدين المجاور فإن دمشق وطهران معنيتان بصورة كبيرة بتطورات الوضع في العراق الذي تربطهما معه حدود كبيرة، فبغداد مقبلة على استحقاقين مهمين: الاستحقاق الأول يتعلق بالانتخابات التشريعية في السابع من مارس/ آذار، والاستحقاق الآخر ولوج مرحلة الانسحاب العسكري الأميركي التدريجي، ولذا فإن طهران ودمشق ستسعيان - رغم التباين الجزئي بينهما - إلى ملء الفراغ في الساحة العراقية.
جبهة الممانعة استبقت القمة العربية المقبلة التي ستحتضنها طرابلس الغرب في أواخر شهر مارس، وربما أراد المجتمعون الكبار الثلاثة أن يحددوا مسار القمة، ومن المتوقع أن يجد هذا التحرك تناغما مع التحركات القطرية أيضا نظرا لوجود قدر من القواسم المشتركة رغم اختلاف الدوافع.
يمكن القول إذن وبكل ثقة أن الشام احتضنت لقاء مهما للغاية من حيث الداعي والمدعوين ومن حيث حساسية الزمان والمكان، وفي هذا اللقاء تبودلت وميضات عدسات الكاميرات والصور الدافئة والابتسامات والاتفاقات واستعراض العضلات، ولم تبدر خلاله أية إشارة غزل للمعسكر الغربي وأصدقائه في «نادي الاعتدال العربي»، وهذا يعني أن اللقاء جزءٌ من كل، لذلك لن يكون في كل الأحوال سوى البداية لمرحلة لها قواعدها ومواقعها المختلفة، خلاصة هذا اللقاء أن ما هو آتٍ ليس كما فات!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2734 - الإثنين 01 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الاول 1431هـ
لم اتصور...
لم اتصور ان سوريه بهذه الجرءه ...ولكن طالما ايران الظهر القوي صديقها وتدعمها اقتصاديا ومعنويا فامريكا الى الجحيم.