استقبلت العاصمة السعودية الرياض يوم السبت الماضي الموافق 28 فبراير/ شباط 2010، رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ، على رأس وفد كبير، كان من بينه 25 شخصية من رجال الأعمال الهنود، بالإضافة إلى مجموعة من المسئولين الكبار في الدولة. ومن بين العوامل التي تضفي على هذه الزيارة بعض الأهمية كونها تأتي بعد مضي ما يزيد على ربع قرن من آخر زيارة قام بها رئيس وزراء هندي للملكة، وهي التي قامت بها أنديرا غاندي في العام 1982، ولم يسبق زيارة غاندي سوى تلك التي قام بها رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو في العام 1956. هذا من الجانب الهندي، أما على المستوى السعودي، فقد كانت الزيارة الأولى هي تلك التي قام بها الملك سعود بن عبدالعزيز في العام 1955، وكان على نيودلهي أن تنتظر حتى العام 2006، حتى تستقبل شخصية سعودية عالية المستوى هي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتي اعتبرها البعض حينها، كما نقلت وكالة الأنباء السعودية «قفزة نوعية في دعم مسيرة التعاون بين البلدين الصديقين ومعلما لتنمية التفاهم وتعزيز الشراكة في إطار المصلحة المشتركة والصداقة الوثيقة التي تجمع بين البلدين والشعبين»، نظرا لما تم خلالها من توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم حول «التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الجرائم، وتشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين، وتفادي الازدواج الضريبي، إلى جانب التعاون في مجال الشباب والرياضة».
وشكلت هذه الزيارة نقطة تحول إيجابي ملموس في تطوير العلاقات السعودية - الهندية، التي كان يشوبها بعض التوتر المبطن، جراء اعتقاد الثانية انحياز الأولى نحو كفة باكستان في الصراع الهندي - الباكستاني حول كشمير، نظرا لما تفتحه عضوية الباكستان في العديد من المنظمات الإسلامية العالمية، التي تتمتع الرياض بحظوة كبيرة لدى أعضائها، من نافذة واسعة تتلقى من خلالها - الباكستان - دعم تلك الكتلة الإسلامية الضخم، على المستويين المال والسياسي. واستمرت هذه الجفوة غير المعلنة أثناء ازدياد التوتر بين الهند وباكستان عندما اتهمت الأولى الثانية بتصديرها للعمليات الإرهابية التي عرفتها الهند خلال السنوات 2004- 2008.
لكن جاء انضمام الرياض إلى قائمة الدول الموقعة على البيان الصادر من نيودلهي في ديسمبر/ كانون الأول 2008، المطالب باكستان «بالقيام بالمزيد من التحركات الجدية والعملية لكبح جماح الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تستهدف الهند وذلك على خلفية الهجوم الإرهابي ضد مدينة مومباي بتاريخ 26 من العام نفسه»، ليشكل نقطة انعطاف إيجابية نحو الهند، تعززت فيما بعد عندما أخذت الرياض موقفا صريحا في البيان الهندي - السعودي المشترك الذي صدر في نهاية زيارة وزير الخارجية السعودي للهند في الفترة ذاتها لتقديم تعازي المملكة «لعائلات وأقارب ضحايا هجمات مومباي الإرهابية الأخيرة معربا عن تضامن السعودية مع الهند»، وما جاء في ذلك البيان من وصف للإرهاب - والمقصود به بالطبع ذلك القادم من باكستان - بأنه «سرطان مدمر ويمثل خطرا حقيقيا يهدد أمن ومصالح جميع الدول وبلا استثناء، ودعت في ذات الوقت إلى خلق جبهة عالمية عريضة لمحاربة الإرهاب».
وجاءت تلك المواقف المشتركة ضد الإرهاب منسجمة ومجسدة، ما تمخضت عنه زيارة الملك عبدالله المشار إليها أعلاه، والتي ورد نص واضح في واحدة من الاتفاقات الموقعة بين البلدين اعتبرا فيه «الإرهاب آفة تهدد البشرية جمعاء واتفقا حول الحاجة إلى تكثيف وتنسيق التعاون الثنائي والإقليمي والدولي لمكافحة واجتثاث الإرهاب». بل ذهبت الاتفاقية إلى أبعد من ذلك حين نصت على التزام البلدين ببذل جهودهما المشتركة «لتحقيق المقترحات الخاصة بإبرام الاتفاقية الشاملة حول الإرهاب الدولي المطروحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب الذي أوصى به المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في مدينة الرياض في شهر فبراير/ شباط 2005».
وعودة لهذه الزيارة الأخيرة، وأية محاولة لاستشراف آفاق العلاقة المحتملة بين البلدين، لابد لها من أن تقوم بقراءة عميقة لما جاء في المقابلة التي خص بها مانموهان سينغ جريدة «عرب نيوز» السعودية ونشرت نصها المترجم إلى العربية صحيفة «الشرق الأوسط»، ويمكن تلخيص أهم ما ورد فيها من احتمالات لتلك العلاقة في النقاط التالية:
1. أنها لن تكون على حساب علاقات الهند مع أية دولة أخرى في المنطقة، وأن «هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة».
2. ترتيب وضع الجالية الهندية في منطقة الخليج، وليس السعودية فحسب، والتي توليها الحكومة الهندية «أولوية كبرى»، معبرا عن «امتنان بالغ إزاء الاستقبال الحار الذي يلقونه بمختلف أرجاء المنطقة»، لكنه في الوقت ذاته يشعر «بفخر بالغ حيال إسهام الجالية الهندية في منطقة الخليج في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بها».
3. دعوة واضحة ومباشرة إلى «التعاون مع قطاع الأعمال في السعودية ودعوتهم للمشاركة في التحول الاجتماعي - الاقتصادي السريع الذي تشهده الهند من خلال مشروعات تتعلق بالبنية التحتية والطاقة والصناعة والخدمات».
باختصار حاول مانموهان سينغ أن يبعث برسالة واضحة تقول إنه قادم يمثل الهند الجديدة، بما يعنيه ذلك من كتلة سياسية قوية ترتكز على اقتصاد قوي متنام، تعززه بنية تحتية صلبة، مكنته من تجاوز أزماته الداخلية، والصمود في وجه انعكاسات الأزمة المالية العالمية. يضاف إلى كل ذلك الذراع الهندية الخارجية القوية والمؤثرة في مستقبل العلاقات القادمة، والمتمثلة في الكتلة البشرية الضخمة المنتشرة في ربوع دول مجلس التعاون. ومن ثم فهو ليس قادما للمنطقة بحثا عن معونة تساعده على تجاوز أزماته الداخلية، بقدر ما مستعد على مد يد الهند في ثوبها الجديد، لن يريد أن يتعاون معها، بعد أن يفهم مدلولات هذا الثوب الجديد وعناصر القوة التي تلتحف به.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2734 - الإثنين 01 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الاول 1431هـ
ولكن يجب ألا يؤثر ذلك على الحضارة العربية الأصيلة
شكر أستاذ عبيدلي على المقال الرائع ... نعم للعلاقات المتبادلة ولكن يجب ألا تكون تلك التمهيدت أن تؤثر على خصوصية البلد ولقد شهد لنا التاريخ بأن الإٌنتماءات العرقية الوافدة والتي وفدت إلى البلاد بقصد إقامة التجارة شيئا فشيئا ناطحت الهوية العربية الأصيلة وتصرفاتهم واضحه عندما تمكن أبناء هؤلاء من تولي مناصب حساسة ودحضهم لكل ما يمت للحضارة العربية بصلة مع تحيات (ندى أحمد)