إن كلمة (الأحوال) الشخصية اصطلاح ابتدعه الفقه الايطالي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر إذ كان يقوم في ايطاليا وقتئذ نظامان قانونيان، الأول نظام القانون الروماني وهو قانون عام، الثاني نظام محلي فأطلق على القانون الروماني (قانونا) بينما أطلق على القانون المحلي كلمة (حال) وجمعها أحوال ثم انتقل الى كتب بعض فقهاء الشريعة الاسلامية، والى الوقت الحاضر لم يوضع تعريف جامع مانع له وقد طالب عدد من فقهاء القانون بضرورة العدول عن استعمال هذا الاصطلاح، والأخذ باصطلاح أحكام الأسرة، أو (العائلة) وقد استخدم هذان الاصطلاحان الآخران في احكام الأسرة عند المسيحيين واليهود وخصوصا القانون الانجليزي الذي استخدم مصطلح قانون الأسرة.
بموجب المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1971 بشأن تنظيم القضاء برز المصطلح في نص المادة (10) من القانون وهي «تختص محاكم القضاء الشرعي بالفصل في جميع المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين» وأكد ذلك نص المادة (22) من القانون ذاته وهو انه «يتبع في شأن رفع الدعوى المتعلقة بالأحوال الشخصية القواعد المعمول بها حاليا ويتم الفصل فيها وفقا لتلك القواعد وذلك الى ان تصدر لائحة خاصة بقواعد المرافعات أمام المحاكم الشرعية»، وأن على هذا المصطلح المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1971 بشأن قانون المرافعات المدنية والتجارية، المادة (15) أكدت الاختصاص بدعوى الأحوال الشخصية، كما نظم المرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1986 بشأن الاجراءات أمام المحاكم الشرعية رفع دعوى الأحوال الشخصية أمام المحاكم الشرعية، وصدر المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 1999 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1971 بشأن تنظيم القضاء، إذ جاء في المادة الأولى يستبدل بنصوص المواد (17) و(18) و(20) من المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1971 بشأن تنظيم القضاء النصوص الآتية:
مادة (17):
تتكون المحاكم الشرعية من:
1- المحكمة الاستئنافية الشرعية العليا.
2- المحكمة الكبرى الشرعية.
3- المحكمة الصغرى الشرعية.
وتختص كل منها بنظر الدعاوى التي ترفع إليها طبقا للقانون، وتؤلف كل محكمة منها من دائرتين: -
أ- الدائرة الشرعية السنية.
ب- الدائرة الشرعية الجعفرية.
وتختص كل دائرة بنظر قضايا الأحوال الشخصية بالنسبة إلى المسلمين على أساس مذهب المدعي وقت رفع الدعوى.
ونخلص من ذلك إلى أن المشرع البحريني قد أخذ بمصطلح الأحول الشخصية أسوة بأقرانه من المشرعين القانونين في الوطن العربي.
محاولات ايجاد تقنين لقانون الأحوال الشخصية في مملكة البحرين:
دوائر المحاكم الشرعية مقسمة الى قسمين المحاكم الشرعية السنية والمحاكم الجعفرية إذ ان الأولى تأخذ بمذهب الإمام مالك وهو مذهب الحاكم كما هو معروف والثانية تأخذ بالمذهب الجعفري الاثني عشري.
وظلت هاتان الدائرتان للمحاكم الشرعية تقضيان بما جاء في المذهبين الاسلاميين اللذين يأخذ بهما شعب البحرين وفي الآونة الأخيرة أخذت المحاكم الشرعية السنية بقانون الأحوال الشخصية الموحد الصادر عن مجلس التعاون الخليجي المأخوذ من المذاهب السنية.
لقد اجتهدت في البحث عن تقنين اجتهادي لقانون الأحوال الشخصية فبعد البحث: أخذت محاولتين جادتين لتقنين قانون الأحوال الشخصية في مملكة البحرين بقصد اثراء هذه الورقة: الأولى للشيخ محسن آل عصفور في كتابة «قانون الأحوال الشخصية على ضوء الفقه الجعفري» الجزء الأول الصادر العام 1999، الذي جاء فيه اقتباس من الكتاب ص 2 «وكان القصد من تأليفه هو التيسير والاختصار قدر الامكان مع تحري الفروع الفقهية التي اغفلها المصنفون الآخرون فيما تحت هذه الاسم أو ما يقرب منه، وقد وفق سبحانه وتعالى إلى تدوين مواده في أربعة أجزاء» انتهى الاقتباس وبغض النظر عن من يتفق أو يختلف مع هذا الكتاب في الفقه الجعفري، إلا أنه محاولة جادة لتقنين قانون الأحوال الشخصية في ضوء الفقه الجعفري.
المحاولة الأخرى، أطروحة الماجستير للشيخ عبدالرحمن ضرار عبدالرحمن «التطبيق الشرعي في الأحوال الشخصية»، وكتاب الاطروحة هذا في الحقيقة محاولة جادة لايجاد تقنين لقانون الأحوال الشخصية وفقا للفقه السني. وقد خلص هذا الكتاب إلى تأكيد عدة ثوابت للتقريب بين المذهبين في مملكة البحرين وأوردها في صورة اقتراحات، الاقتباس ص 585 «2- أن تقدم دولة البحرين من خلال الهيئة القضائية الشرعية (الدائرة السنية والدائرة الجعفرية) وبالاستعانة بأهل الخبرة من رجال القانون، بتقنين احكام الأحوال الشخصية والعمل بها في المحاكم الشرعية بالدولة لكي يتسنى للقضاء معرفة الحكم الشرعي في القضية المتنازع فيها، وليسهل عليهم الوصول الى هذا الحكم والقضاء به، وحتى يتعرف الناس على هذه الاحكام الشرعية من خلال هذا المشروع القانوني».
ولا مانع عندي من أن تستفيد حكومة البحرين من قوانين الأحوال الشخصية العربية لوضع هذا المشروع القانوني، ولا مانع عندي كذلك من توحيد القانون بين المحاكم السنية والمحاكم الجعفرية، وخصوصا أن الكثير من المسائل هي في الغالب موضع اتفاق في الجملة.
أما بخصوص المسائل الفرعية المختلف فيها بين المحكمتين فترجع كل محكمة فيها الى القول الراجح في المذهب الذي تعمل به، وتترك هذه المسائل بلا تقنين.
3- أن يكون هناك نوع من الاجتهاد (وإن كان جماعيا) وفي المسائل الخلافية مثل: مسألة طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد، فإن القول بوقوعه كما هو مطبق في المحكمة السنية في دولة ا لبحرين، فيه الضرر الكبير على أفراد الاسرة ويؤدي الى تفككها وانهيارها من غير رجعه، فالاجتهاد في هذه المسألة مطلوب، والمصلحة تقتضي الأخذ بالرأي الذي فيه مصلحة الأسر المسلمة مع عدم مخالفة الدليل» انتهى الاقتباس.
وهذا مثل على محاولة من شيخين جليلين، من المذهبين لمحاولة تقنين قانون الأحوال الشخصية.
كما أن هناك محاولة لتقنين القانون، عندما تشكله اللجنة الأهلية لاعداد قانون الأحوال الشخصية في مملكة البحرين العام 1982 واستمرت أعمالها قرابة 21 سنة، وكانت هناك محاولات من وزارة العدل والشئون الاسلامية أيام تولي الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، لوضع تقنين لقانون الأحوال الشخصية.
قانون الأحوال الشخصية والبرلمان.
في البدء لابد من تأكيد عدة ثوابت وحقائق:
أ- لم يعرض على مجلس النواب أو الشورى أي قانون بشأن الأحوال الشخصية أو أحكام الأسرة.
ب- تم تقديم سؤال في مجلس النواب من عبداللطيف أحمد الشيخ لوزير العدل جواد العريض يستفسر فيه عن سبب عدم وجود قانون لأحكام الأسرة حتى اليوم.
كما تم تقديم اقتراح برغبة وهو ليس قانونا، من كتلة المنبر الاسلامي عن قانون أحكام الاسرة وهو ما يؤكد ويقطع أن الحكومة والنواب لم يقدموا حتى يومنا هذا أي مشروع بقانون أو اقتراح في تقنين قانون الأحوال الشخصية.
ومن خلال متابعتي لما نشر في الصحافة المحلية عن سماحة مشايخ المذهب الجعفري من اعتراضات على تقنين الأحوال الشخصية وهي في حقيقتها تعبر عن حرص شديد على المذهب والشريعة الاسلامية الغراء ولا ضير في ذلك وأنه اختلاف في ا لرأي لا يفسد للود قضية وإن في اختلاف أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المسألة رحمة من أجل توضيح المفاهيم الاسلامية بهذا الصدد وهناك أيضا يجب تحديد ثوابت لا يجب الحيدة عنها وهي أولا لا يعنى ايجاد تقنين لقانون الأحوال الشخصية الخروج عن الشريعة الاسلامية الغراء أو محاولة فرض هيمنة على مذهب آخر كما ان هذا القانون يأتي وفقا لما يرتضيه المذهبان ووفقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.
كما يجب ان نؤكد أن تقنين الأحوال الشخصية محمي أيضا بنص دستوري وهو نص المادة (2) من الدستور التي أكدت «أن دين الدولة الاسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع».
وهو ما يقطع بعدم دستورية أي نص في التشريع بما فيه قانون الأحوال الشخصية يخرج عما هو مقرر في الشريعة الاسلامية. ولا تملك سلطة بما فيها السلطة التشريعية أن تقرر حكما مخالفا للشريعة الاسلامية، والتشرع يخضع لرقابة السلطة القضائية ممثلة في رقابة المحكمة الدستورية.
وهو ما يبدد أي تخوف بشأن تقنين قانون الأحوال الشخصية كما ان السلطة التشريعية بطبيعة الحال ممثلة في المجلس الوطني الذي يتألف من مجلس النواب المنتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب وهم جميعا مسلمون، ولا يجوز دستوريا وقانونيا تحرير أي قانون إلا من خلال السلطة التشريعية، فإن أعضاءها محكومون بتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية. فأين التخوف من تقنين قانون الأحوال الشخصية فاذا كان هناك تخوف من أن تسري أحكام مذهب على مذهب آخر فإن من يملك وضع الضوابط الشرعية له هم علماء الشريعة الاسلامية في المذهبين وهم من سيناط بهم وضع وصوغ تقنين قانون الأحوال الشخصية إذا اتفقنا عليه اصطلاحا وهم من سيراجعون هذا القانون بعد عرضه على البرلمان وفقا لآلية يتفق عليها تحت اشراف ومظلة وزارة الشئون الاسلامية ووزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، فإذا كان التخوف على المذهب الجعفري فإن الجمهورية الايرانية لديها تقنين لقانون الاحوال الشخصية وضع منذ أواخر العشرينات من القرن الماضي أبان حكم الشاه ولم يلغى هذا القانون أو يعدل في عهد الجمهورية الاسلامية التي تأخذ بالمذهب الجعفري الاثني عشري وذلك لمساهمة هذا القانون في استقرار حياة الأسرة الايرانية، كما أن جمهورية مصر العربية التي وضعت تقنينا لقانون الأحوال الشخصية منذ العام 1929 هو مجتمع أسري مستقر على رغم ضخامة مشكلات الأسرة المتنوعة التي ينظمها قانون للأحوال الشخصية جرت الكثير من المحاولات لتعديله وذلك مع المحافظة على الابقاء عليه ولم تشهد جمهورية مصر العربية أية محاولة لالغاء قانون الأحوال الشخصية وانما لايجاد البديل الأفضل له
العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ