لم يكد يمضي شهر على إطلاق «غوغل» شبكتها الاجتماعية «طنين» ( Buzz )، حتى قامت مجموعتا مايكروسوفت وياهو، بالرد المشترك عليها عندما «حصلتا (أمس) على موافقة السلطات الأميركية والأوروبية على اتفاق الشراكة بينهما في البحث على الإنترنت». ومن المتوقع أن يدشنا هذه الخدمة خلال الأيام القليلة القادمة، التي من المتوقع أنها ستوفر للشركتين، عند اكتمال الخدمات المشتركة بحلول العام 2012 ، ما يربو على نصف مليار دولار.
إذا حاولنا تحديد الدوائر التي تتنافس فيها الشركات الثلاث، وجميعها على الإنترنت، وقبل هذه الشراكة الثنائية بين ياهو ومايكروسوفت، فسنجد أنها تتمحور حول ثلاث خدمات أساسية: الأولى هي خدمات البريد الإلكتروني، حيث يقف «هوتميل» مايكروسوفت في الصدارة يليه، بريد «الياهو»، ويأتي بعده «جي ميل» من «غوغل». أما الثانية فهي محركات البحث، وكانت السباقة إلى ذلك «الياهو»، ثم جاءت «غوغل» في مرحلة لاحقة ، لكنها سبقتها من حيث الاستخدام، وعدد الزوار، ومؤخرا ولجت مايكروسوفت ميدان البحث ، بمحركها الخاص «بينغ» ( Bing). أما الثالثة، فهي الشبكات الاجتماعية، وهنا كانت مايكروسوفت هي السباقة، عندما أطلقت «فيس بوك» ( Facebook )، ثم تبعتها «غوغل» عندما أطلقت في مطلع هذه العام شبكتها الاجتماعية «طنين».
ليست هناك حاجة إلى الدخول في تفاصيل الدوافع التجارية وراء مثل تلك التحالفات، فهي واضحة وقوية ولا ينبغي الاستهانة بها، سواء من حيث الدخول المالية المتأتية من وراء الخدمات التي تقدمها كل واحدة منها على حدة، أو من حيث الدخول الجانبية التلقائية التي تولدها خدمة منها كي ترفع من واردات خدمات أخرى ، مثل العلاقة بين محركات البحث، وقدرتها على مضاعفة عدد الزوار وقيمة الإعلان على محرك البحث ذي العلاقة، أو على مستوى الحصة السوقية التي تتمتع بها الشركة التي تقدم مثل تلك الخدمات.
ولكي يستطيع القارئ تصور القيمة المالية التي ولتها خدمات التقنية التي بحوزة هذه الشركات، يكفي أن قيمة مايكروسوفت كانت تتراوح خلال السنوات الخمس الماضيات بين 250 و300 مليار دولار، وووصلت قيمة «غوغل» خلال الفترة ذاتها إلى ما يربو على 200 مليار دولار، ولم تنزل قيمة ياهو، وهي الأصغر بينها، عن 40 مليار دولار.
ولعل من حق القارئ أن يتساءل ترى ما هو العنصر الرئيسي الذي أوصل بعض هذه الشركات، و في فترة قصيرة نسبيا بمعايير السوق، من نمط «غوغل»، إلى مثل هذه الأقيام؟ إن العنصر الأهم، بالإضافة إلى تلك التي أشرنا لها، الذي يمارس دورا مهما في رفع قيمة الشركة عند عرضها للاستحواذ أو الاندماج هي الملكية الفكرية التي بحوزة تلك الشركات، والتي تقف وراء القيمة المضافة التي يولدها، بشكل مباشر أوغير مباشر، هذا العامل. فباستثناء مايكروسوفت، التي بحوزتها بعض المنتجات الملموسة مثل «ويندوز»، و «أوفيس» وبعض البرمجيات الأخرى، سنجد أن «ياهو» و «غوغل» والتي تجاوزت قيمة كل واحدة منهما على حدة مئات المليارات من الدولارات هي في حقيقة الأمر «الملكية الفكرية» التي بحوزة كل منهما. بالطبع لا يشكل مدخول «غوغل» من منتج مثل هاتفها النقال قيمة تذكر عند حساب قيمتها الكلية.
والملكية الفكرية كما تعرفها حنان الترجمان في مقالتها على الإنترنت المعنونة « الملكية الفكرية ودورها في التنمية الاقتصادية» هي «كل ما ينتجه الفكر الإنساني من اختراعات وإبداعات فنية وغيرها من نتاج العقل الإنساني. وتنقسم الملكية الفكرية إلى ثلاث فئات هي: الملكية الصناعية، الملكية التجارية، الملكية الأدبية». ويبلور ذلك على نحو أفضل محمد سعيد العضب حيث يقول بأن حقوق الملكية الفكرية أصبحت «تعامل على أنها حقوق اقتصادية وتجارية بحتة ، كما تمكنت الشركات متعددة الجنسيات التي تسيطر عمليا ليس فقط على 70 % من حركة التجارة العالمية، بل تمكنت عبر كيانها العملاق أن تصوغ لنفسها مفاهيم، وأهداف، وعلاقات تختلف عن الأنماط التي تعارف عليها العالم ، كما أصبح هذا الكيان يفرض على العالم أهدافه ومصالحه الجديدة بشروط خاصة به عبر أداة تنفيذية اخترعها، وهي منظمة التجارة العالمية. علاوة على ذلك تمكنت هذه الشركات العالمية من تراكم رزم ضخمة من حقوق الملكية الفكرية هذه، كما استطاعت تحويلها إلى أصول استثمارية يجري تداولها والمتاجرة فيها عبر العالم . هذا وأخذت هذه الحقوق تحتل موقعا متميزا ضمن أصول ملكيتها وتشكل نسبة ملحوظة من استثماراتها الإجمالية حيث أصبحت الآن تعادل ثلث أصولها الاستثمارية الإجمالية في بلدان العالم المختلفة».
هذا يعني أن الاقتصاد العالمي اليوم يتحول من الاعتماد على الرأسمال المالي أو البضاعي، إلى التركيز على دور الرأسمال البشري الذي تستحوذ الملكية الفكرية على حصة الأسد منه. وهذا يفسر اتجاه حركة الاستثمار في المجتمعات المتقدمة نحو الاهتمام بالرأسمال البشري على حساب المصادر الأخرى التقليدية من رأس المال. وهذا يعني، أيضا وفي نهاية المطاف، أن الحرب التي تدور رحاها بين تلك الشركات الثلاث، ليست في جوهرها أكثر من نزاعات حول مستوى الملكية الفكرية التي بحوزة كل منها على حدة، وسعي كل واحدة منها مستقلة أو من خلال تحالفات تنسجها فيما بينها على تطوير تلك الملكية الأمر الذي من شأنه رفع قيمتها السوقية، وينعكس ذلك بشكل مباشر على القيمة السوقية للشركة، سواء من خلال ارتفاع أثمان أسهمها المعروضة في أسواق المال، أو عند تقويم موجوداتها في الأسواق الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2724 - الجمعة 19 فبراير 2010م الموافق 05 ربيع الاول 1431هـ