العدد 2720 - الثلثاء 16 فبراير 2010م الموافق 02 ربيع الاول 1431هـ

ظاهرة أم «فشة خلق»... هجرة الكويتيين إلى الخارج!

أحد الساخطين على الوضع السياسي في الكويت علَّق على توجه الكاتب والزميل الكاتب أحمد الصراف بالهجرة إلى الخارج بأنه ليس جديدا، مضيفا أن الرخاء المالي والاقتصادي الذي تعيشه هذه الدولة الخليجية هو الذي يغري الناس بالبقاء وفي اللحظة التي تتبخر فيها الثروة النفطية ستشهد البلاد موجات من الهجرة!

هذه الشريحة اليائسة والبائسة تسمع أصواتها أحيانا بالعلن ودائما بالسر وكأنهم أسقطوا من اعتبارهم الأرض البشر والتاريخ ولم ينظروا للجغرافيا ولا إلى المكان إلا بوصفه مساحة من الأرض للثراء والعيش الرغيد!

الزميل أحمد الصراف أراد أن يعبِّر عن رفضه لما يجري في الجانب السياسي والحكومي تجاه مشروع إسقاط القروض والفوائد المترتبة عليها استلفها نحو 317 ألف مواطن بإطلاق صرخة يأس أو كنوع من الاحتجاج تقول: إذا أقرت الحكومة وليس مجلس الأمة هذا القانون فسيحمل «نفسه وعفشه» ويفتش عن مكان آخر يقضي فيه بقية عمره...

البعض رأى في دعوة الصراف شيء من «لفت الأنظار» أو «فشة الخلق» كما يقولون فكان الأحرى به أن يذهب إلى تشخيص العلَّة وليس لأسبابها بحكم موقعه ككاتب ومثقف وهو مثل دور الطبيب المعالج للمرض الذي لا يكتفي بإعطاء المريض دواء مسكنا بل يعمل على معرفة أصل المرض لكي يسهل عليه محاصرته وعلاجه من جذوره... الزميل الصراف تحدث عن ظواهر المرض وليس عن المرض نفسه لأن معيار الكتابة وأثرها، أن تكون تنويرية بالمقام الأول، أن تستنهض وعي الناس والقارئ وتشحذ عقولهم بالحقائق وتصف لهم الداء عوضا عن الهرب للخارج وهذا ليس تنظيرا ولا خطابة، فما قاله في مقالته يمكن سماعه في الدواوين وعلى ألسنة العامة كالقول، «شنو هالخرابيط في المجلس» أو «بسنا عاد من النفاق والكذب»...

تحميل خزانة الدولة مبلغ 7 مليارات دينار كويتي مع احتساب الفوائد يطالب بها 317 ألف مواطن دفع الزميل الصراف وهو أحد كتاب الكويت المعروفين لإيصال رسالة لأصحاب القرار مفادها إذا استمرت الدولة «بتدليع» المواطنين وباتباع «ثقافة الصحراء» التي تدفع بتناول الكلأ قبل جفافه والماء قبل تبخره... فلن يكون بمقدوره وآخرين البقاء في الديرة!

ليس من جديد طرح موضوع الهجرة فالظاهرة رافقت نشأة الكويت منذ التأسيس، أيام هجرة العتوب وغيرها من القبائل، لكن باتجاه الداخل الكويتي، إنما حديثنا ينصب على الهجرة المعاكسة ففي الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات عرفت الكويت هجرات موسمية منها هجرة الغوص على اللؤلؤ والتي تستمر لأشهر متصلة بحثا عن الرزق والعيش الكريم وهي هجرة فتحت الأبواب أمام عدد من العائلات والتجار الذين اتجهوا من البحر إلى مدن الساحل الإفريقي وإلى الهند ومنهم من استقر في بومباي وأسسوا شركات وكانت لديهم تجارة ومصالح وسفن...

وهناك هجرة البدو الذين كانوا يتنقلون في صحراء الجزيرة وبادية الشام بحثا عن الرزق والكلأ دون أن توقفهم حدود أو تؤثر في اختيارهم للأرض التي سينصبون فيها خيمهم...

كذلك الحال مع هجرة السفر في مواسم النخيل خاصة إلى البصرة حيث تشهد تلك المنطقة رواج من تجار البلح والتمر الذين يقصدون تلك الأماكن لما تتمتع فيه من خبرات وافرة...

الهجرة المعاكسة من الكويت للخارج اختلط فيها الدافع الاقتصادي بالسياسي، فعندما نشير إلى هجرة الأطباء الكويتيين إلى كندا على سبيل المثال في السنوات العشر الأخيرة فكأننا نتحدث عن ظروف وعروض وبيئة عمل أفضل مما هو متاح في الكويت وهي ظاهرة حديثة جدا كانت مدار نقاش واستغراب...

في العام 2000 عندما ذهب الزميل عادل القصار إلى الولايات المتحدة الأميركية ليجري استطلاعا في عدد من الولايات عن «المغتربين» الكويتيين نشره في «القبس» على مدى 11 حلقة كان السؤال إن هناك تضخيما «للهجرة» وإن اعترض البعض على التسمية على أساس، كيف لمواطن يعيش في بلد من أغنى دول العالم ويتمتع بكافة الخدمات المجانية دون أن يدفع الضرائب أن يقرر العيش في دولة أخرى تعاني من مشاكل اقتصادية واضطرابات! هؤلاء لا يشكلون أكثر من 1% من تعداد السكان إذا كان ذلك صحيحا.

عدد محدود من الذين هاجروا لأسباب سياسية وإن كانت تظهر هذه الحالات في ظل ظروف مقيدة للحريات وتنامي نفوذ التيار الديني المتزمت واتساع انتشاره كما حصل مع د. شملان العيسى الأستاذ في جامعة الكويت والذي أعلن عزمه على الهجرة إلى أميركا بعد أن وصلت إليه فتاوى التكفير، أو مع د. أحمد البغدادي، أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة الكويت، الذي راح يبحث عن بلد آخر يستريح فيه وذهب للبحرين لكنه عاد مصدوما بعدما اكتشف أن ما وجده لا يلبي طموحه، أو مع د. خلدون النقيب أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت عندما صودر كتابه «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية» في الثمانينيات.

التاريخ يذكر أن هلال فجحان المطيري، أشهر أغنياء عصره، أيام الغوص على اللؤلؤ كان من أوائل المهاجرين احتجاجا على موقف سياسي وكان ذلك في عهد حكم الشيخ مبارك الكبير العام1911 عندما اتخذ قرار بمنع الكويتيين من دخول البحر للغوص على إثر موقعة «هدية» عندها قرر التوجه نحو البحرين مع إبراهيم المضف وشملان بن علي، للعيش هناك، وبقي هو في البحرين وتوجه الآخران إلى «جنة» في الأحساء...

ثم جاءت مرحلة خالد السعدون الذي خرج من الكويت العام 1939 ليختار البحرين ويقضي فيها نحو 60 عاما من حياته وكان عمره لا يتجاوز 16 عاما حينذاك اختلطت فيها الأسباب الاقتصادية بالسياسية...

ومن الذين يشار إليهم بالمهاجرين إلى الخارج، عبدالله حمد الصقر عضو الكتلة الوطنية في الثلاثينيات وعضو مجلسي 1938 و1939 الذي أمضى عدد من السنوات متنقلا بين البصرة ومصر ولندن، وكذلك يوسف أحمد الغانم الذي ذهب إلى لندن... بالطبع هناك هجرة من التجار الذين استوطنوا واستقروا في الهند ومومبي ومنهم من دفن فيها ولم يرجع إلى وطنه.

قد تكون الهجرات حصلت لخلاف عائلي أو تجاري أو قد تكون بهدف اقتصادي أو احتجاجا على سياسة عامة أو نتيجة التضييق في مجال الحريات العامة أو ربما لظروف تتعلق بالدراسة ومن ثم الارتباط بزواج مع فتاة أجنبية، إنما ما هو جدير بالتوقف عنده تلك الهجرات وإن كانت محدودة، بسبب الوضع السياسي وتدهور الحريات وتمدد التيار الديني والإرهاب الذي يمارسه على من يختلف معه بالرأي...

ربما كان الزميل الكاتب عبداللطيف الدعيج من أشهر المهاجرين الجدد بسبب الظروف السياسية والحريات العامة، والمعروف بصاحب الهجرتين، مرة العام 1976 والثانية العام 1996 وإن كان البعض يستذكر الفنان خالد النفيسي الذي عاش في المغرب وفيصل العيسى الذي لا يزال في الهند وسالم السديراوي ومحمد صالح الحميضي وهؤلاء من التجار الذين استقروا في مومبي وتوفاهم الله هناك والأكاديمي والأستاذ فيصل مقدم الذي اتخذ في أميركا مقرا دائما لعمله وعيشه بسبب أجواء الحريات والاستقرار السياسي الذي تتمتع به تلك الدولة وغيرهم الكثيرين...

هجرات البعض كما يطلق عليها أحد أبناء الكويت المخضرمين والذي يعيشون في لندن منذ سنوات تشبه «زعل المحبين» لأن طريق الرجعة فيها تظل مفتوحة وسالكة في الاتجاهين... وإن بقيت الهجرات الدائمة محدودة جدا قياسا بعدد السكان والعمر الزمني لها...

العدد 2720 - الثلثاء 16 فبراير 2010م الموافق 02 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:40 م

      الى متى

      اذا كان الوضع في الكويت التي تحترم المواطنة وتضع الكويتي اولاً وفي المرتبة الاولى لدرجة ان تحرم الجنسية على من ولدوا على ارضها وقضوا كل سنين حياتهم فيها اذا كان هذا الوضع يدفع الى الهجرة فكيف هو الحال في البحرين التي وضعت الجواز البحريني في جيوب القادمين من الهند وباكستان ومصر وغيرها

اقرأ ايضاً