تتوقع المصادر المالية احتمال ارتفاع أسعار النفط خلال الأيام القليلة المقبلة كي ترسو على قرابة 72 دولارا للبرميل. وتبني هذه المصادر توقعاتها على العديد من عناصر السوق بما فيها احتمال هبوب «موجة البرد في الولايات المتحدة».
لكن هذه التفاؤلات تتراجع عندما تنظر إلى استمرار تداعيات الأزمة المالية في أسواق رئيسية مثل الأسواق الأوروبية، بل وحتى الصينية.
رغم هذا التذبذب، هناك التقرير شبه المتفائل الصادر عن البنك الوطني الكويتي الذي يتوقع معدلات للنفط خلال العام 2010 قد تصل إلى 80 دولارا للبرميل.
بعيدا عن النفط، وفي نطاق الأسواق أيضا، يطالع المرء أخبار استمرار سويسرا في احتلالها المرتبة الأولى في مقاييس ما يعرف بالتجارة العادلة (Fair Trade). وتفصلها مسافة بعيدة عن المملكة المتحدة التي تليها في الترتيب. فبينما يعتبر السويسري أكبر مستهلك في العالم لمنتجات التجارة العادلة، اذ يبلغ نصيب الفرد من الانفاق في هذا المجال 21,06 يورو، لا يتجاوز إنفاق مثيله في المملكة المتحدة 12،00 يورو فالمواطن الدنماركي بنحو 8,00 يورو، فاللوكسومبرغي بنحو 7,00 يورو.
ويقاس مدى انخراط الدولة في التجارة العادلة، بكمية المال التي ينفقها المواطن، لاقتناء حاجاته الاستهلاكية، في فترة زمنية معينة، شرط خضوع عملية هذه البضائع لقوانين ذلك النوع من التجارة.
ولربما يتساءل القارئ الكريم، ما علاقة النفط بهذا النمط من التجارة، وهو - أي النفط - البضاعة الإستراتيجية التي، كما يبدو للكثيرين منا، تحكم أسواقه قوانين ناضجة وعادلة، طورها الناشطون في تلك الأسواق، منذ ما يزيد على قرن من الزمان.
أي ان أسواق النفط والقوانين التي تحكمها سبقت ظهور التجارة العادلة التي لا يزيد عمرها عن 60 عاما، في أفضل الأحوال.
وكي يتسنى لنا الحكم على مدى ملاءمة قوانين التجارة العادلة لأسواق النفط، ومن ثم إمكانية إخضاع أسعاره وقنوات بيعه لها، لابد لنا من أن نلقي نظرة ولو كانت سريعة على طبيعة تلك التجارة والقوانين التي تسيرها، والأهداف المرجوة من وراء تطبيق تلك القوانين.
التجارة العادلة هي أكثر من مجرد تجارة تحكمها قوانين منصفة، بالمعنى الضيق لهذه الكلمة، فهي تسعى، كما تتحدث عنها مواقع كثيرة على الإنترنت، لتحقيق «أكبر من العدالة للتجار والمنتجين المهمشين، من خلال السعي لتغيير القواعد والممارسات التقليدية والتجارة والتداول ويمكن أن يكون كذلك لمجرد شخص، أو لمجموعة من الأشخاص، أو لدولة معينة من الدول».
ولذلك تقوم التجارة العادلة كما يراها موقع «أكلة أمينة» على «الحوار، الشفافية والاحترام حيث يتمثل هدفها في الوصول إلى عدل وإنصاف للتجارة العالمية. وتساهم أيضا في التنمية المستديمة بتقديم أفضل الشروط التجارية وتضمن حقوق المنتجين والعمال».
ويضيف لذلك موقع «إسلام أون لاين» باعتبارها الوسيلة العادلة التي تبحث عن سبل «توفير فرص وسبل جيدة للمنتجين في الدول النامية لبيع سلعهم ومنتجاتهم بأسعار عادلة وقريبة من الأسعار العالمية، وتقليل حالات الاستغلال التي يتعرض لها هؤلاء المنتجون، وخاصة من بلدان الشمال المتقدم التي تدفع إليها قواعد التجارة التي تحكم النظام التجاري الدولي، وتؤصل لها منظمة التجارة العالمية».
ويمكن لمن يريد من القراء الإطلاع على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع العودة لكتاب الموسوم، «التجارة العادلة (نظرة إلى أحوال العالم اليوم)»، من تأليف أدريان كوبر، ترجمة وتحقيق: دعاء صلاح محمد وداليا محمد إبراهيم بالاشتراك مع: مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، ومن إصدار دار نهضة مصر للطباعة والنشر.
وترتكز التجارة العادلة على مجموعة من القوانين الأساسية، التي قام بتعريفها الكثير من المواقع ذات العلاقة بها. ويمكن تلخيص أهمها في أربعة مبادئ هي:
1 - شراء المنتجات بصفة مباشرة من صغار الفلاحين الأكثر احتياجا بدون وسيط بينهم وبين المستهلك.
2 - تحديد سعر الشراء بشكل عادل من خلال النظر إلى الاحتياجات الحقيقية للمنتجين الصغار وعائلاتهم، وكذلك مع الأخذ في الاعتبار أسعار تلك المنتجات في الأسواق.
3 - تتأسس العلاقات مع الفلاحين على قواعد عقود شراكة طويلة الأجل، بالمقابل يلتزم هؤلاء الفلاحون بجودة الإنتاج، وعليهم أن يتطوروا بسرعة نحو الإنتاج البيولوجي الخالي من المبيدات الكيماوية.
4 - تمنح منظمات التجارة العادلة الفلاحين الصغار منحة سنوية تمكنهم من تمويل المشاريع التي تسعى إلى التطور المحلي الدائم.
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك عند تناولهم موضوعة التجارة العادلة، فيربطون كما فعلت رئيسة قسم علوم صحة البيئة في الكويت فاتن العطار في محاضرة بعنوان «التنمية المستدامة والتجارة العادلة»، ربطت بعمق بين التنمية المستدامة والتجارة العادلة، حيث سلطت الضوء على مساهمة التجارة العادلة «في تطوير التنمية المستدامة من خلال تقديم شروط تجارية أفضل وحماية حقوق العاملين والمنتجين المهمشين وخصوصا في دول العالم الثالث، حيث تقوم منظمات التجارة العادلة التي يدعمها المستهلكون بمساندة المنتجين بنشر التوعية وإجراء حملات من أجل تغيير قواعد وممارسات التجارة التقليدية».
وحددت العطار «تسعة معايير وضعها الاتحاد العالمي للتجارة العادلة (IFAT) من أجل أن تتقيد بها منظمات التجارة العادلة في نشاطاتها اليومية وهي إيجاد فرص للمنتجين المهمشين اقتصاديا ودعم المنتجين الفقراء، والشفافية والمساءلة من خلال التعامل مع الشركاء التجاريين على أساس من العدالة والوضوح، وتحسين مهارات المنتجين وإتاحة الفرصة لهم لتسويق منتجاتهم، وترويج مفهوم التجارة العادلة عن طريق نشر الوعي بين الأشخاص حول التجارة العادلة واطلاعهم على مصدر المنتجات، وضمان حصول المنتجين على أسعار عادلة لمنتجاتهم، والمساواة بين الذكور والإناث من حيث الفرصة في العمل ودفع الثمن لمنتجاتهم، والحرص على أن يعمل المنتجون في مكان عمل صحي وآمن، وأخيرا الحرص على احترام مواثيق الأمم المتحدة الخاصة بحقوق العمالة للأطفال».
ربما تلمس القارئ ملامح شكل العلاقة التي يمكن أن تقوم بين التجارة العادلة وتسويق النفط، وعلى وجه الخصوص منه النفط العربي.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2714 - الثلثاء 09 فبراير 2010م الموافق 25 صفر 1431هـ