في الوقت الذي تبدو فيه طموحات إيران النووية رامية عموما لأن تصبح لاعبا رئيسا على الساحة الإقليمية وتتبوأ لقيادة العالم الإسلامي (أم القرى بالتعبير الإيراني) على نطاق أوسع. وهذا ما يفسر ميل الشارع العربي إلى إيران، وهو ميل ليس حبا في إيران بقدر ما هو تأييد لها كتعبير رمزي أيضا مبعثه الشعور بالغبن في عالم يتجاهل العرب وقضاياهم، في عالم يناصر الأنظمة العربية التسلطية ويغض الطرف عما تفعله بالشعوب التي تتحكم بها، في ظل مجتمعات عربية مكبوتة، مهانة، محتقرة، وأمراض تنخر في أحشائها. وهنا يجنح المظلوم لردود الأفعال، فعندما يتشيع هذا في فلسطين، أو ذاك في المغرب العربي فهو تعبير رمزي عن فعل له معنى عند هؤلاء المتشيعين، تعبير عن حالة الظلم والاستهانة والضعف، وجد هؤلاء بإيران كحالة نقيضة لما أصاب المشروع النهضوي العربي من تردٍ وانهيار وضعف.
بالتأكيد إن إيران لن تطلق طلقة واحدة من أجل فلسطين، ويبقى دعمها فقط دعما معنويا وشعاراتيا. فماذا فعلت إيران لأهل غزة في محنتهم إثر العدوان الإسرائيلي على القطاع، إذ اكتفت بالتنديد والشجب والاستنكار، وعمليا لم تفعل شيئا، بل جيرت العدوان وما ترتب عليه من نتائج لخدمة مصالحها واستراتيجيتها الشاملة في المنطقة من خلال إضعاف خصومها وإحراج النظم العربية الحاكمة وإظهار نفسها كقوة تدافع عن الحق الفلسطيني في الوقت الذي يتراجع العرب عن ذلك. وماذا فعلت إيران بالحصار المضروب على غزة، اكتفت فقط بالتنديد بالصمت الذي تلتزمه الدول العربية تجاه الحصار متهمة بعض الرؤساء العرب بالتآمر على غزة مثلما تآمروا على لبنان خلال العدوان الإسرائيلي العام 2006، وشنت هجوما إعلاميا ودبلوماسيا ضد السعودية ومصر.
هكذا جيرت إيران العدوان والحصار لإضعاف خصومها في المنطقة وإظهارهم بمظهر الضعفاء وتعريتهم أمام شعوبهم، من خلال لومها للعرب في تقصيرهم بحق القضية الفلسطينية، وإضعاف النظم العربية والقيادات الحاكمة، وإظهارها بمظهر النظم الراضخة للمشروع الصهيوني؛ لاكتساب أرضية جديدة وإحراز النقاط في مرمى الحكام العرب. وبالتالي فإيران لم تقدم للفلسطينيين سوى الشعارات والخطابات.
إذن لم يختلف الموقف الإيراني عن نظيره العربي. ولكن الاختلاف فقط في حدة اللغة والخطاب والشعار الذي لامس مشاعر وأحاسيس الجماهير العربية المغبونة وهي جماهير تعشق الخطاب المشحون المفعم بالانفعالات واللغة الحادة البعيدة كل البعد عن الفعل العملي العقلاني. وهو خطاب يجد طريقه في تربة محرومة ومتعطشة للخطاب الحماسي والعاطفي؛ لأن مستوى عواطفها (الجماهير) يزيد كثيرا عن مستوى وعيها وفهمها العقلاني.
هذا الخطاب استطاع أن يغزو عقلها سريعا. وبالفعل وجدت إيران تأييدا لها في الشارع العربي.
والهدف الآخر من الدعم الإيراني لـ «حماس«، هو تجسير الفجوة بين المصلحة القومية الإيرانية وأيديولوجيا الثورة الإسلامية المتجسدة في النظام الحاكم (الثيوقراطي).
إن السياسة الخارجية الإيرانية تأسست على ركيزتي المصلحة الوطنية والأيديولوجية الإسلامية داخل إطار الإرث الإمبراطوري التاريخي ضمن أفق للتطلع للعب دور الدولة الإقليمية المهيمنة. والفكرة الرئيسية هنا أن أحد المرتكزات الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية - كما ينص الدستور الإيراني - هو الدفاع عن المستضعفين والعداء للمستكبرين، والدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية.
المشكلة هنا أن السياسة لا تعمل ولا تتحرك من منطلقات أخلاقية ومبدئية، فالسياسة هنا هي فن الممكن، وهي تقوم على أساس المصلحة أولا وقبل كل شيء. وهذا صحيح فجميع الأنظمة تتعامل مع الأحداث والصراعات والخلافات السياسية من منظور المصلحة السياسية، وأن مصالح الأمن هي أكثر ما يحرك الدول، ويستنهض هممها، لذا فإن الدول تهتم أشد الاهتمام بالمحافظة على قواتها وتعزيزها. وبالتطبيق على إيران التي تحاول أن تجمع بين مصلحتها القومية وإيديولوجيتها الإسلامية، نجد في سياستها الخارجية الكثير مما يخالف هذه الرؤية، أي ايديولوجيتها الإسلامية، فالعراق وأفغانستان يمثلان الدليل الناصع على ذلك. لذا تكون فلسطين أو بالأحرى «حماس» والمنظمات الفلسطينية الأخرى التي تتلقى الدعم الإيراني، حلا لهذا الإشكال. فمن خلال دعمها لـ «حماس» تؤكد إيران التزامها الإيديولوجي (العقدي) تجاه القضية الفلسطينية، ويشكل ذلك الأنموذج لنشاطها المرتكز على البعد الإسلامي للصراع.
وهكذا تثبت إيران أنها ملتزمة بمرجعيتها الدينية في أهم قضية إسلامية ألا وهي القضية الفلسطينية. وبذا تعطي لنفسها الحق في الاعتراض على كل من يدعي أن ما يحرك سياستها هو مبدأ مصلحي أناني فقط منزوع من أي بعد إسلامي عقدي، فبدعمها لـ «حماس« تثبت إيران العكس.
قلنا في مقدمة المقال إن الحكم على تبعية «حماس« لإيران يصعب إثباته بطريقة علمية، إذ إن المحك أو المعيار العلمي في الحكم على مدى استقلالية «حماس» أو تبعيتها هو تناقض مصلحة الأخيرة مع المصلحة الإيرانية مع بقاء استمرار «حماس» تأدية دور يصب في مصلحة إيران لا مصلحتها هي. وفي الحقيقة إن هذه المرحلة لم تأت بعد. يمكن أن يقال - مثلا - إن «حماس» تعرقل المصالحة الوطنية بقرار إيراني، وهو ما قيل بالفعل.
نقول إن هذا لا يعتبر مؤشرا على التبعية؛ لأن «حماس» لا تريد المصالحة في هذا الوقت، أي قبل ضمان الاعتراف الأميركي أولا والاعتراف العربي ثانيا بها كقوة لها دورها في النظام السياسي الفلسطيني، أي اعتراف الخارج بها كقوة بديلة عن «فتح« ومنظمة التحرير وأنها بوابة الدخول إلى القضية الفلسطينية. لذا فإن المصلحة متطابقة وليست متعارضة بين «حماس» وإيران.
ومع ذلك أرى كباحث ومراقب لعلاقة الفصائل الفلسطينية وطريقة تعاملها مع الخارج وبخاصة مع إيران وسورية، أن بعض هذه الفصائل لا تستند في علاقتها مع الخارج على أساس القوة والندية والاعتزاز بالنفس كونها تحمل قضية مقدسة لدى المسلمين والعرب، أي القضية الفلسطينية، بل تتعامل بضعف وبمستوى متدنٍ من القوة والثقة بالنفس، وهذا قد يكون شرطا نفسيا لقبول الاستتباع للخارج.
ومن مؤشرات ذلك إن بعض القيادات الفلسطينية في مقابلتها لدول كإيران أو سورية كانت تطالب بأن تكون علاقتها عبر وزارة الخارجية لا عبر الأجهزة الأمنية كتعبير عن القوة والندية في العلاقة، ومع رفض هذا المطلب، تقبل هذه القيادات في النهاية أن يكون التنسيق من خلال الأجهزة الأمنية، وهو الشكل الغالب في علاقة هذه القيادات مع هذه الدول. وهذا يدفعنا إلى التشكك والتوجس من تبعية الفصائل الفلسطينية لسورية وإيران رغم عدم ثبوت ذلك بأدلة علمية وموضوعية قاطعة كما بينا سابقا. ونتمنى بأن نكون مخطئين في ما ذهبنا إليه وأن لا ينطبق ذلك على علاقة «حماس» بإيران.
وما يدعو للدهشة أيضا ويضع علامة استفهام على طبيعة هذه العلاقة، هو ما صرح به خالد مشعل خلال زيارته إلى طهران في ديسمبر 2009، إن الحركات الإسلامية في المنطقة ستقف جبهة واحدة مع إيران إذا تعرضت لهجوم من جانب «إسرائيل».
وبرغم أن مشعل ليس ناطقا باسم الحركات الإسلامية في المنطقة لكي يحدد ردود أفعالها؛ إلا إذا كان مطلعا على ذلك وأن هناك تنسيقا بالفعل بين هذه الحركات وأن لديهم رؤية واضحة تجاه هذه المسألة. والتساؤل هنا ما هي طبيعة الدعم الذي يمكن أن تقدمه الحركات الإسلامية لإيران؟ إلا أن هذا ما يدفع إلى التخوف والتشكك في مدى استقلالية «حماس» عن إيران. ومع ذلك نقول إن لحظة الحسم لم تأت بعد، ويمكن أن يكون موقف مشعل موقفا تكتيكيا بغرض الحصول على المال الإيراني ليس أكثر من ذلك.
* كاتب فلسطيني، والمقال ينشر بالتعاون مع "مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org"
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 2714 - الثلثاء 09 فبراير 2010م الموافق 25 صفر 1431هـ
إيران تاج راسي , ونجادى رئيسي , والخامنه اي قائدى ..
يا بابا , اسرائيل ما تنمسح بالسهوله اللي تتوقعونها ..
إن شاء الله بتزول بظهور الامام الحجة [ عج ] ..
بو خالد
وين كلام نجاد بانه راح يمسح اسرائيل من الوجود .........كله كلام في كلام و على قولة المصريين ينبح و يهوش عند بيته.
حاقد
لو إيران رفعة تأيدها لفلسطين لجعلتهم أمريكا أسيادك و أسياد العرب مثل عهد الشاه
تحياتي لأهل غزة الشرفاء ويسقط العملاء
كلمة حق يراد بها باطل هذا ما استطيع ان اقوله لموضوعك الساذج والوقح هذا اخي الكاتب فهذا الغمز واللمز الذي ذكرته كان الأجدى بك بدلا من توجيهه الى ايران الإسلام كان الأجدى بك ان توجهه الى من باع القضية بكاملها وانت تعرفهم جيدا حيث مازالوا يتمادون في اذى اهل غزة الصامدين ولعلك سمعت بالأمس غن الجدار الفولاذي الذي تشيده مصر وليس ابران ولعلك ايضا سمعت اليوم عما تقوم به مصر من التفكير جديا في تنفيذ حصار بحري ايضا على شواظىء غزة وملاحقة السفن التي تنقل المواد التموينية وغيرها الى اهل غزة الشرفاء