تتميز الانظمة الديمقراطية بمظاهر متنوعة تختلف من بلد إلى آخر بحسب اختلاف بيئته الثقافية، ومن تلك المظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، العناصر الآتية:
الاستفتاء الشعبي، الاعتراض الشعبي،الاقتراح الشعبي، حق الحل الشعبي، حق الناخبين في إقالة النائب،حق عزل رئيس الجمهورية.
والمظاهر الثلاثة الأولى تعتبر أساسية جوهرية بالنسبة لهذا النظام، وهي تتعارض تماما مع النظام النيابي، ولا خلاف بشأنها عند فقهاء القانون الدستوري، ولكن المظاهر الثلاثة الأخرى تعد ثانوية، حدث خلاف بشأنها بين فقهاء القانون المعاصر، إذ ذهب فريق منهم إلى أنها لا تتعارض مع النظام النيابي، وانتقد فريق آخر هذا الرأي، وذهب إلى أنها تتعارض مع النظام النيابي.
ماذا يعني كل مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشر؟
1- الاستفتاء الشعبي: الاستفتاء الشعبي يكون بشأن قانون قد تم تحضيره في البرلمان ثم يعرض على الشعب ليعلن رأيه فيه إما إيجابا فينفذ القانون وإما سلبا فيسقط ولا يعتد به، والاستفتاء يكون أما بنعم أولا... ولا يتعدى ذلك إلى المناقشة والتعديل وما إلى ذلك.
إلا أن الاستفتاء يتنوع إلى أنواع عدة:
أ) من حيث قوة إلزامه: ينقسم إلى استفتاء ملزم، واستفتاء استشاري. فالأول تتقيد الحكومة بنتيجته عكس الثاني. وان كانت الحكومات الديمقراطية عملا لا تخالف رأي الشعب حتى وان كان من الناحية القانونية استشاريا فقط. ولهذا فإنه لا يجوز الإلتجاء إلى الاستفتاء في النظام النيابي البحت.
ب) من حيث ضرورة إجرائه: وينقسم الاستفتاء إلى إجباري يجب معه الرجوع إلى الشعب، واختياري يجوز فيه الرجوع إلى الشعب جوازا (كأن يكون الاستفتاء بطلب البرلمان أو بناء على طلب عدد معين من أعضائه أو برغبة الحكومة والمجلس أو بناء على طلب عدد معين من الشعب).
ج) من حيث موضوعه: ينقسم إلى استفتاء في مشروع قانون دستوري، واستفتاء في مشروع قانون عادي.
د) من حيث ميعاده: ينقسم الاستفتاء التشريعي إلى نوعين:
استفتاء سابق على القانون (أي استفتاء على المبدأ فقط الذي يدور عنه المشروع وقبل وضع مواده في صيغة قانون، فإن وافق الشعب على الفكرة في أساسها تولى البرلمان وضع القانون). والنوع الثاني هو الاستفتاء اللاحق وهو الغالب ويقصد به استفتاء الشعب في مشروع قانون كامل أقره البرلمان،. فإن وافق عليه الشعب نُفّذ وإلا فلا ينفّذ. وهذا يشبه حق التصديق المعترف به لرئيس الدولة.
ومظهر الاستفتاء هو أكثر مظاهر الديمقراطية نصف أو شبه المباشرة، وهي أكثر انتشارا لا سيما في الدساتير التي صدرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
2 - الاعتراض الشعبي: ويعني إعطاء الحق لعدد من الناخبين في الاعتراض على قانون صادر من البرلمان خلال مدة زمنية معينة. فإذا تم هذا الاعتراض اثناء هذه المدة المعينة فإنه ينتج أثره في وجوب عرض هذا القانون على الشعب لاستفتائه عليه، لمعرفة هل يوافق عليه أم لا، بحيث يسقط القانون بأثر رجعي في حال عدم الموافقة. أما إذا لم يتم هذا الاعتراض في المدة المحددة فإن القانون يصبح نهائيا وواجب النفاذ.
3 - الاقتراح الشعبي: وهنا يقترح الناخبون في مشروع القانون بخلاف الاستفتاء الشعبي والاعتراض الشعبي الذي يكون القانون أو مشروعه من صنع البرلمان. وقد يكون الاقتراح بالمبدأ فيتولى البرلمان الصياغة وقد يكون بمشروع قانون كامل، وفي الحالتين قد يعرض هذا المشروع على الشعب أو لا يعرض بحسب نص الدستور.
4 - حق الحل الشعبي: قد تمنح بعض الدساتير لعدد معين من الناخبين حق طلب حل الهيئة النيابية جميعها وعزل أعضائها كلهم قبل انقضاء المدة التي تم انتخابها لها، فيعرض الأمر على الشعب ليبدي رأيه في ذلك. ويتوقف مصير المجلس النيابي على نتيجة الاستفتاء، فالحل الشعبي يستلزم الاستفتاء الشعبي. وتشترط بعض الدساتير موافقة غالبية الناخبين، ويكتفي بعضها باشتراط غالبية الصوتين فحسب.
5- حق الناخبين في إقالة النائب: وبمقتضاه يستطيع الناخبون إقالة نائبهم، ويمكن أيضا لعدد من الناخبين (حسبما هو محدد في الدستور) أن يقترحوا عزل نائبٍ ما قبل انتهاء مدته القانونية واعادة انتخاب بديل عنه في الدائرة الانتخابية. وضبطا لهذا الحق وحتى لا يصبح سيفا مسلطا على رؤوس بعض النواب وبشكل تعسفي فإنه اشترط لذلك: أن يُدفع بدل تعويض إلى النائب إذا اعيد انتخابه من جديد وكذلك لا يجوز الاعتراض عليه إلا بعد سنة من انتخابه وقبل سنة أيضا من انتهاء مدة نيابته
6- حق عزل رئيس الجمهورية: في ظل هذا المنظور للديمقراطية شبه المباشرة، يجوز للشعب عزل رئيس الجمهورية إذا بان له أنه جاوز المهمة التي اختير من أجلها، قبل انقضاء مدة رئاسته. وبذلك يباشر الشعب رقابته على السلطة التنفيذية حينما يفقد رئيسها الثقة والاعتبار كما أنه نظرا لخطورة هذا الاجراء فإن العزل يقيّد بشروط:
أ - أن يكون الطلب الخاص بعزل رئيس الجمهورية موقعا عليه من عدد معين من الناخبين.
ب - أن يوافق البرلمان على هذا الطلب بغالية الثلثين، ولا يترتب على توافر هذين الشرطين عزل رئيس الجمهورية، بل يوقف عن مباشرة أعماله.
ج - يعرض أمر عزل رئيس الجمهورية على الشعب في استفتاء عام، ويلتزم رئيس الجمهورية بالانسحاب من منصبه، إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على عزله. أما إذا لم يوافق الشعب على عزله عُدّ ذلك بمثابة تجديد لانتخابه وترتب على ذلك حل البرلمان
العدد 27 - الأربعاء 02 أكتوبر 2002م الموافق 25 رجب 1423هـ