الأمر الذي يضاعف من اهمية تناول «دور منظمات المجتمع المدني المميز في العمل السياسي»، هو الشعور بوجود شيء من الخلط في المفهوم ذاته، كما لمسناه عند الحديث عن تجارب عربية مشابهة للحالة البحرينية، حيث تحاول القوى السياسية، سواء من كانت على كراسي السلطة، أو في صفوف المعارضة، وبتفاوت ومن مداخل مختلفة، فرض هيمنتها على تلك المنظمات، وتحويلها إلى إقطاعية خاصة بها.
ولربما كان أحد الأسباب الكامنة وراء مثل ذلك السلوك، غير الصحيح، هو ما أورده الباحث إبراهيم بيومي، عندما حاول أن يرسم صورة للتباين «العربي» في سلوكه تجاه هذه المنظمات، فوجدناه يقول، في تشخيصه للحالة التي يعيشها مفهوم المجتمع المدني في أذهاننا بأن «هناك الكثير من الحقائق والأوهام حول (المجتمع المدني العربي)، ووظيفته الإصلاحية ولكنها أمور لا تزال مبعثرة، وغير متجانسة، وغير وظيفية خصوصا في علاقتها بعملية الإصلاح والتحول الديمقراطي وما يرتبط بها من قيم».
تشارك بيومي في هذه النتيجة، وبوضوح أكثر صفاء موسوعة «ويكبيديا الإلكترونية»، التي تشير إلى وجود عدة تعريفات مختلفة له، مما يدفعها نحو العودة إلى المعنى الأصلي للمفهوم والذي هو، كما تصفه «ذلك المجتمع السياسي الذي يحكمه القانون تحت سلطة الدولة».
ثم تورد الموسوعة التعريف الأكثر شيوعا اليوم وهو الذي يميز المجتمع المدني عن الدولة، «بوصفه مجالا للمجموعات والجمعيات المستقلة مثل جمعيات رجال الأعمال وجماعات الضغط والأندية والعائلات ونحوها. أي أن المجتمع المدني يتكون مما أطلق عليه إدموند بيرك (1729-97) Edmund Burke (الجماعات أو الفصائل الصغيرة little platoons).
وبهذا المعنى يعكس التمييز بين المجتمع المدني والدولة الانقسام بين العام والخاص: فالمجتمع المدني يضم المؤسسات (الخاصة) المستقلة عن الحكومة والمنظمة من قبل الأفراد لتحقيق أهدافهم ومصالحهم».
أما أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية المصري، هويدا عدلي، فتبرز كما جاء في ورقتها التي قدمتها في العام 2005 إلى ندوة «دولة الرفاهية الاجتماعية»، التطورات التي مرت بدور المجتمع المدني خلال العقود الثلاثة، والتي أدت من جانبها كما تقول الورقة إلى «إحياء مصطلح المجتمع المدني من جديد ليشير إلى مجموعة التنظيمات الطوعية والاختيارية القائمة فعلا في معظم المجتمعات المعاصرة، مثل النقابات المهنية والعمالية واتحادات رجال الأعمال واتحادات المزارعين والجمعيات الأهلية وغيرها من تنظيمات».
لكن الجديد الذي تأتي به الورقة هو الذهاب إلى القول إن هذا الإحياء لم يكن ليتم لولا بروز أزمة، « ففي حين كان لأحداث أوروبا الشرقية الفضل في تسليط الأضواء على دور المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي، فإن أزمة دولة الرفاهة في أوروبا الغربية قبل سنوات مما حدث في أوروبا الشرقية هي التي أدت إلى إحياء مفهوم المجتمع المدني من جديد».
ولربما ينبغي التوقف هنا عند التجربة البحرينية عندما برزت منظمات المجتمع المدني، ابان الأزمات السياسية التي سبقت تدشين المشروع الإصلاحي لإخراج المجتمع من الكثير من أزماته، التي لولا نشاطات تلك المنظمات ودورها البناء، كما شاهدنا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لدخلت البحرين في نفق تلك الأزمات المظلم التي لم يكن بوسع أحد التكهن بنهاياته الكارثية.
وعودة إلى سلبيات الفهم الخاطئ، لابد من التنويه إلى أن أحد أشكال الفهم الخاطئ لدور منظمات المجتمع المدني الداعي إلى حصرها في الجوانب السياسية، أو تقليص أنشطتها في القضايا الاجتماعية المحدودة فقط، وهو فهم يؤدي إلى تقزيم دورها التنموي، الذي يتجاوز تلك الأمور كافة.
هذا الدور التنموي الشمولي بأشكاله المختلفة من سياسية واجتماعية واقتصادية، هو الذي تشير إليه بوضوح الكثير من وثائق البنك الدولي، المعززة بالإحصاءات الميدانية الدقيقة التي تتحدث عن العلاقة بين مشروعات البنك التنموية، وخصوصا في الدول النامية، وتلك المنظمات التي زاد عدده من 6,000 منظمة في العام 1990 إلى 26,000 منظمة في العام 1999، والتي أصبحت كما تقول أدبيات البنك الدولي «عناصر فاعلة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية الأخرى كمكمل للعمل الحكومي، خاصة في المناطق التي يكون فيها الوجود الحكومي ضعيفا مثلما هو الحال في أوضاع ما بعد انتهاء الصراعات».
وتحولت منظمات المجتمع المدني بفضل ذلك إلى ما يشبه القنوات المهمة «لتوصيل الخدمات الاجتماعية وتنفيذ مشروعات التنمية الأخرى حيث تلعب خبرات المجتمع المدني وتجاربه دورا متمما للعمل الحكومي».
وفي سياق الحديث عن العلاقة بين مشاريع التنمية التي ينفذها البنك الدولي من خلال التعاون مع تلك المنظمات يعترف البنك أنه قام «على مدار الخمسة عشر عاما الماضية بتمويل ما يزيد على 100 صندوق اجتماعي في 60 بلدا بمبلغ يقدر إجماليا بنحو أربعة مليارات دولار أميركي. وقد اُستخدمت هذه الأموال بصورة رئيسية في إعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الحروب وتوفير الخدمات الاجتماعية وتعزيز المنظمات المجتمعية».
الأهم من ذلك كله هو قدرة منظمات المجتمع المدني، بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات من جهة، وانتشار قوانين العولمة من جهة ثانية، على التمرد على حدودها السياسية الضيقة، والانطلاق نحو ساحات العمل الدولية الرحبة، لتجيير المكاسب المحققة على المستوى الدولي، وفي المجتمعات المتحضرة لصالح القضايا الوطنية.
هذا الأمر تشير له، وتشجع على القيام به، منظمات عالمية مثل منظمة حقوق الإنسان التي لا تكف عن دعوة منظمات المجتمع المدني كي تمارس «دورا أساسيا في المراجعة الدورية العالمية، (من أجل) تحسين حالة حقوق الإنسان على أرض الواقع في البلدان التي تجري مراجعتها».
وتؤكد المنظمة على أن هناك «ثمة عدد من الخيارات أمام منظمات وجماعات المجتمع المدني للانخراط في المراجعة الدورية العالمية. ويمكن الاطلاع على بعض هذه القواعد التي تحكم المراجعة الدورية؛ بينما تتمثل أخرى في الفرص والأنشطة الدعوية التي تتاح لها على هامش العملية الرسمية».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2692 - الإثنين 18 يناير 2010م الموافق 03 صفر 1431هـ
سلالة مسيلمة الكذاب تنتسب للمحتمع المدني
شكرا للأستاذ عبيدلي موضوعه المتألق ونحن إذ نعقب بأن بعض من سلالة مسيلمة الكذاب تنتسب لأحد مؤسسة المجتمع المدني بحجة خدمة الشأن العام المحلي ولقد كانت تلك الشاكلة ما هي إلا لمآرب تقتنصها لمصالح شخصية يوم تجلس مع رئيس الجمعية تشكو المظلومية ويوم آخر تجلس مع موظف في مكان العمل وتطبع المقالات من الصحف مأوله بأن ما يدور في هذا المقال وذاك هو يخص مسئول في المؤسسة تلك الفئة تقتات وتكسب دخلها من أسلوب مسيلمة في ظل تنامي للإنحلال الأخلاقي مع تحيات( إبراهيم بوعمر الصنقيحي)