«استطعنا أن نُدَشِّنَ برنامجا شاملا لتطوير التعلىم في المملكة مبنيا على خمسة محاور، وخلقنا جهازا مستقلا للرقابة على المدارس، وأسسنا بوليتكنيك جديد وهي جامعة مهنية خاصة، ودشَّنا برنامجا لإصلاح المدارس الثانوية من ناحية إمكانيات وأساليب التعلىم داخل المدارس، وأسسنا كلية للمعلمين، ورتَّبنا أوضاع جامعة البحرين... فهذه هي المحاور الخمسة، استطعنا أن ننطلق بها باسم التنمية الاقتصادية، لأن أي شعب متعلم هو شعب منتج».

خمسةُ مساراتٍ أراد منها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة أن تكون السكك التي يسير علىها قطار تطوير نظام التعلىم في مملكة البحرين؛ ليكون قادرا على مواجهة التحديات الكمية والنوعية، لتأهيل الكوادر الوطنية لتلعب الدور المناط بها، عبر التنسيق والتعاون بين كافة الجهات الحكومية والأهلية، مثل وزارة التربية والتعلىم ووزارة العمل ومجلس التنمية الاقتصادية وجهات أخرى من القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني لضمان عدم التداخل بين المبادرات الوطنية التي تهدف إلى تطوير التعلىم والتدريب، في الوقت الذي تتسابق دول العالم اليوم نحو تنويع الموارد الاقتصادية من أجل توسيع رقعة الطبقة الوسطى ـ التي بدأت تتقلص تدريجيا ـ وخصوصا مع تنامي الهوَّة بين الأغنياء والفقراء، وما يشهده العالم من تحديات اقتصادية كبرى، لذا كان لزاما إصلاح النظام التعلىمي، الذي يشكل الركيزة الأساسية لتحقيق الرفاهية لشعوب العالم.

بوجه عام فإن تجربة ضمان الجودة ـ بوصفها هيئة مستقلة ـ تقوم على الشفافية في نشر نتائج تقارير المراجعات لجميع مؤسسات التعلىم والتدريب في كل من القطاعين العام والخاص، وهذا بحد ذاته أمر يبعث على الاطمئنان، وخصوصا أن التقويم الخارجي من قِبَل هيئة مستقلة يُعَدُّ بمثابة خطوة جديدة أكثر ثباتا وصدقا وموضوعية، من خلال جملةٍ من معايير الأداء والمؤشرات النوعية، والتي لن تأتي أُكُلَها إلا بتغيير نمط الثقافة السائدة للاقتراب أكثر من مستويات الأداء العالمية كما هو الحال في المملكة المتحدة ونيوزلندا وايرلندا وهونغ كونغ وغيرها.

وبالانتقال إلى بوليتكنيك البحرين، وهي مبادرة تؤكد على المزاوجة بين المعرفة والمهارة، لخلق بيئة حاضنة للابتكار وصولا إلى مجتمع قائم على الاقتصاد المعرفي، فإن ذلك لا يتم إلا من خلال تقديم بعض التسهيلات والقروض والمنح الدراسية بالمرحلة الجامعية ليكون التعلىم العالي مُتاحا للجميع، والتأكيد على الدور المحوري للمعلم في إحداث التغيير المطلوب والنهوض بالعملية التعلىمية كما هو الحال في الدول الإسكندنافية، وهي من أهم الدول المتقدمة في مجال التعلىم.

أما بالنسبة لإعداد برنامج لإصلاح واقع المدارس الثانوية باعتماد أساليب وطرق حديثة في التدريس فإننا نستطيع القول بأن هناك تغيرا ملحوظا ولكنه لم يلامس بعد جوهر العملية التعلىمية التي مازالت أسيرة التعلىم القائم على أدنى مستويات المعرفة (أي الحفظ والتذكر والتلقين)، لنؤكِّد في هذا السياق على أن أي إصلاح لواقع التعلىم لابد أن يرتكز على بُعدين أساسيين أولهما التعلىم الأساسي والآخر التوجيه أو الإرشاد المهني.

ما يدعو إلى التفاؤل بالنسبة لكلية المعلمين هو التحاق نخبةٍ من الطلبة المتفوقين دراسيا بها، رغبة منهم في إحداث تغيير نوعي في العملية التعلىمية، لتكريس ثقافة طالما نادى بها الخبراء والمعنيون بضرورة إعداد معلمين من ذوي الكفاءات العلمية والمعدلات التراكمية المرتفعة، ولكنها مسألة قد تحتاج إلى بعض الوقت، إذ لابد من التوافق حول مفهوم أساسي وهو «تمهين التعلىم»، والذي سيساهم بلا شك في إخضاع المعلمين للدورات التدريبية المتقدمة ومنحهم الحوافز والمكافآت، وإلحاقهم بالدرجات التخصصية أسوة بالأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن الاحترافية والذين يحصلون على عروض وامتيازات سواء في القطاع العام أو الخاص.

أما المحور الأخير المتعلق بتحسين أوضاع جامعة البحرين، هذه الجامعة الوطنية التي ظلَّت بعيدة عن أزمة التعلىم العالي، وكان لابد من مبادرةٍ شجاعة لترتيب بيتها الداخلي، على طريقة «إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة» في الوقت الذي تعاني الجامعات الخاصة الكثير من الأوضاع غير المشجعة أو المتدهورة ـ إن صحَّ التعبير ـ على المستوى الإداري والتعلىمي والمخرجات وغيرها.

وأخيرا نقول: بهذه الخماسية سيصل القطار حتما إلى المحطة التي يريدها سمو ولي العهد.