من آليات العمل النيابي لجان التحقيق وذلك للتحقق من المخالفات والتجاوزات، وتوثيقها لعرض الحقائق بما يتماشى مع آليات البرلمان التي تعقب تلك اللجنة. يعد ما قدمته لجنة التحقيق بتقريرها المتعلق بالتجاوزات على البحر والسواحل أحد الركائز المتميزة لعمل لجنة التحقيق التي ممكن الحكم على معطياتها بالسلب أم الإيجاب تجاه السبب التي أنشئت من أجلة.
وبما أن جميع الدراسات والقراءات «الرسمية» توضح أن الثروة السمكية في انخفاض دائم حتى أكثر من 50 في المئة ، و أن الدفان ضروري بسبب صغر حجم مملكة البحرين ، بالإضافة إلى أن معظم الأراضي في مملكة البحرين لا تمتلكها الدولة بل تمتلكها فئات خاصة، مما جعل الدولة تتجة إلى أسلوب دفان السواحل لتوفير الأراضي الصالحة لبناء التجمعات السكنية. وفيما يتعلق بالأثر الإيجابي لدفان البحر والسواحل تم التوضيح بأنه يجب أن يكون الأثر الإيجابي لدفان البحر والسواحل لجميع فئات المجتمع وليس محددا بفئات دون غيرها . أما فيما يتعلق بالمساحة المدفونة وردود بعض الجهات التي أفادت بأنها ليست جهة اختصاص ومن ضمن هذه الجهات جهاز المساحة والتسجيل العقاري، علما بأن هذا الجهاز مختص بتسجيل جميع الأراضي فكيف لا يكون يعلم بتلك الأراضي ومجلس التنمية الاقتصادية هو الذي اعتمد المخطط الهيكلي الاستراتيجي ولا بد أن يكون له علم بالمساحات التي دفنت والتي ستدفن مستقبلا .
أما وزارة المالية ردت بعدم الاختصاص علما بأن هذه الوزارة لديها قسم الأملاك الذي يعنى بحفظ وثائق جميع الأراضي المسجلة التابعة للحكومة حسب ما جاء في التقرير. ومن المفارقات بأن هناك بعض المشاريع قد أعطيت ترخيصا للدفان دون مرورها على إدارة التقويم البيئي كمشروع "دراري" جنوب درة البحرين، ومشروع «دلمونيا» جنوب جزر أمواج، و هناك بعض المشاريع لم تعمل لها دراسة بيئية، وهي بذلك تكون مخالفة لشروط البيئة وقرار رقم ( 1 ) لسنة 1998 .
أما ما يتعلق بالاستفادة الاقتصادية تبين من رد وزارة الأشغال وبعد تحليل اللجنة جدولا لكميات الرمال المسحوبة تحليلا ماليا لتوضح قيمة الرمل المسحوب لا حـظت أنه لو وضعت قيمة الرمل المردود يقارب 290 مليون دينار لو حسبت المتر المكعب بدينار وسبعمئة فلس . وبعد كل ما تقدم لا نستطيع إلا القول بأن عمل هذه اللجنة عمل مهني وجهد تشكر عليه، كما نوجه الشكر للسلطة التنفيذية على تعاون أغلب أجهزتها للوصول إلى مكمن الخلل وتصحيحه، فمن المفترض عند العمل على تصحيح الأخطاء من خلال السلطة التشريعية والتنفيذية ليس بها غالب ولا مغلوب فالهدف المرجو هو حفظ حقوق المواطن . وما يهم المواطن والمتتبعين هو الاستنتاجات والقرارات التي ستتخذ عند اكتشاف الأخطاء.
فمن الاستنتاجات العامة للجنة تبين أن المساحات البحرية والسواحل التي ردمت منذ العام 2002 م حتى الآن وصلت إلى أكثر من 23 كيلو مترا مربعا، كما تبين أن ما نسبته من 85 في المئة إلى 90 في المئة من تراخيص الدفان للفترة 2002 م إلى اليوم هي لأفراد أو مؤسسات خاصة، كما تين بعدم وجود خطة واضحة للمساحات المخصصة لاحتياطي الأجيال، و أن دفان بعض المناطق البحرية قد تم دون الحصول على ترخيص من الجهات ذات العلاقة، هذا بجانب استخلاص بعض رخص الدفان بعد الانتهاء من المشروع.
ومن المفارقات كذلك تخضع عمليات الدفان لمراقبة من جهات خاصة وليس الجهات الحكومية، كما أن الرمال البحرية تسحب من البحر دون قيمة أو مردود مالي، ما يعد هدرا للمال العام، وضياعا للثروة البحرية . وما يهمنا في نهاية التقرير هي التوصيات والقرارات التي خرج بها المجلس بعد هذا العمل الجبار وثمرة تعاون السلطة التنفيذية رغم حساسية هذا التحقيق . يعد كل ما توصلت إليه لجنة التحقيق بالتعاون مع السلطة التنفيذية نتاجا طبيعيا للمشروع الإصلاحي الذي أرساه جلالة الملك. ولكن بالنتيجة عندما تتطرق اللجنة إلى 20 توصية في غالبها أجرائي وعملي ويتسم بالمهنية إلا أنها خلت من تحديد المسئولية المباشرة لأي طرف وإن جاءت على استحياء في الفقرة رقم 6 بكلمة وجوب تحمل الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية مسئوليتها القانونية المنصوص علىها في المرسوم بقانون 50 لسنة 2002 .
وكي لا تصبح تقارير لجان التحقيق تقليدا، يجب الإجابة على عدة تساؤلات منها هل ستتوقف أعمال الردم و الدفان أم إنها ستستمر ومازالت مستمرة حتى بعد صدور هذا التقرير؟ ولماذا خلت التوصيات من إنشاء شركة حكومية لسحب الرمال بدل سحب الرمال دون قيمة اقتصادية تصب في خزينة الدولة أم تقوم المملكة ببيع هذه الرمال على المستثمر أو المنتفع الشخصي أم هذا النوع من التوصيات يتعارض مع الرؤية الاقتصادية ؟ وبما أن التوصيات غير ملزمة للحكومة ففي الأساس ما هدف المجلس من قيامه بهذا العمل المضني ورفع توصياته إذا كان الرد علىها غير ملزم من قبل الحكومة .وهنا نقول للجزء الأكبر من النواب الذين يرددون منهم في الخفاء ومنهم جهرا ، إن المجلس مكتف وغير قادر على مباشرة مهامه في الوقت الذي هم تخلوا عن صلاحياتهم وآلياتهم المتاحة بعد هذا التقرير . وإذا كان المجلس يتعفف عن استعمال آلياته بالمواضيع المتعلقة بالأمن الغذائي واحتياطي الأجيال القادمة، فمتى سيستخدمها أم من الضروري للسادة النواب أن يكون الاستجواب سياسي أو طائفي كي يشمروا عن سواعدهم ؟
فبعد هذه القراءة للتقرير نقول ليس من الإنصاف أن يقع اللوم على السلطة التنفيذية بعد تعاونها مع لجنة التحقيق أو المشروع الإصلاحي، فاللوم يقع على من تم اختياره ولم يحسن استخدام آلياته وصلاحياته، حيث من الواضح أن المجلس اتفق على التقرير وترك حرية الآلية منفردة لكل نائب حتى لنواب الكتلة الواحدة لا نعلم خوفا أم طمعا .
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2691 - الأحد 17 يناير 2010م الموافق 02 صفر 1431هـ
لكي لا تضيع حقوق الأجيال القادمة!
مقالك يا أستاذ هو الذي يتسم بالمهنية و بعد النظر, واصل تطرقك لمثل هذه المواضيع, حفظك الله و حفظ حقوق الأجيال التي لن تضيع, طالما هناك من هو يطالب بها من أمثالك و ما أكثرهم, عساك على القوة, والله لي يضيع أجر أمثالك الصادقين / أخوك أحمد جوهر
مشاكلنا كلها بسبب خوفا" أو طمعا"
من الواضح أن المجلس اتفق على التقرير وترك حرية الآلية منفردة لكل نائب حتى لنواب الكتلة الواحدة لا نعلم خوفا أم طمعا ..