العدد 2687 - الأربعاء 13 يناير 2010م الموافق 27 محرم 1431هـ

لشبونة - أول خطوة في حل أزمة الهوية الأوروبية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

جرت المصادقة في 1 يناير/ كانون الأول 2009 على معاهدة لشبونة، وهي اتفاقية إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مما يجعل الإعلان الأوروبي للحقوق الأساسية، وهي وثيقة تضع المجال الكامل للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواطني الاتحاد الأوروبي والمقيمين فيه، مُلزِمة قانونيا. أصبح مواطنو أوروبا ذوو التنوع الواسع الآن محميين قانونيا بشكل أفضل ضد التفرقة على أساس العرق أو الخلفية أو الدين أو التوجه الجنسي.

إلا أن لشبونة لا تشكل حلا شاملا لأزمة الهوية القائمة في أوروبا. يتوجب على الأوروبيين كذلك أن يتعلموا العيش معا.

أظهر استطلاع أجري مؤخرا في كافة أنحاء أوروبا نتائج مزعجة حول مستويات التفرقة التي تواجهها الأقليات في حياتها اليومية. نشرت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية نتائج استطلاع أجرته مؤسسة غالوب تم من خلاله استطلاع 23,000 مواطن من الاتحاد الأوروبي من أقليات عرقية ومجموعات مهاجرة حول تجاربهم مع التفرقة عبر تسعة من مجالات حياتهم، مثل البحث عن عمل والسكن والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والتعليم والتسوّق وفتح حساب بنكي أو الحصول على قرض.

النتائج مزعجة إلى أبعد الحدود. ذكر 11 % ممن هم من أصول شمال إفريقيّة أنهم تعرّضوا لتفرقة عرقية خلال الشهور الاثني عشر الماضية، عندما دخلوا متجرا ببساطة. وشعر 19 % آخرون أنه جرى توقيفهم من قبل الشرطة بسبب عرقهم. كما ذكر 17 % من الذين تم استطلاعهم في روما أن موظفي الرعاية الصحية قاموا بالتمييز ضدهم، وشعر حوالي ربع من هم من أصول من إفريقيا شبه الصحراوية أنه جرى التمييز ضدهم مرة على الأقل عندما تقدموا للحصول على وظيفة.

يستطيع المرء عند أخذ هذه الأرقام بالاعتبار أن يتصور ببساطة احتمالات التمييز ضد شخص من أقليات مركّبة. ويطرح السؤال التالي نفسه: هل يوجد لامرأة مسلمة داكنة البشرة مكان في أوروبا اليوم؟

إضافة إلى ذلك، يشير الاستطلاع إلى أن حوالي 46 % من المستطلَعين لم يكونوا على علم بحقوقهم فيما يتعلق بالتمييز في المتاجر والمطاعم والبارات أو النوادي الليلية، بينما لم يسمع 63 % بـِ «هيئات المساواة»، وهي مؤسسات عامة تتسلم احتجاجات حول التمييز، في كل دولة. لم تكن غالبية المستطلعين على علم بأية منظمة تقدم الدعم أو المشورة للأقليات التي تتعامل مع التمييز. وأخيرا، لم يُبلِغ 82 % من الذين شعروا بالتفرقة ضدهم عن آخر تجاربهم لأية سلطة أو منظمة.

تكشف هذه الإحصائيات تحديات خطيرة، فهي أولا تلفت الانتباه إلى عجز شديد في الوعي بالحقوق المدنية ومسؤولية المجتمع تجاه الأقليات. يتوجب على مجموعات الأقليات، تماما مثل مؤسسات توفير الخدمات، بما فيها المستشفيات والمدارس والشرطة وأصحاب العقارات وأصحاب الأعمال، أن يكونوا على علم تام بأحكام الإعلان الأوروبي للحقوق الأساسية والهيئات التنظيمية ذات العلاقة. تستطيع وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل فردي والمجلس الأوروبي - وهو منظمة بين الحكومات تعمل باتجاه التكامل الأوروبي - والمجتمع المدني الأوروبي لعب دور أساسي في تحسيس الجمهور المستهدف، بمن فيهم الصحافيين بهذه القضايا القانونية.

أما التحدي الثاني الذي يعكس الهوية المعاصرة للمواطنين الأوروبيين فهو أكثر خطورة. ليس هناك من شك بأن أوروبا القرن الحادي والعشرين متنوعة. إلا أن هذا الاستطلاع يثبت أن العديد من الأوروبيين لا يقدّرون بشكل كامل هذا التنوع. ومن الأمثلة على هذه الصعوبات الخلاف الذي جرى مؤخرا حول تصويت سويسرا بمنع بناء المآذن أو الحوار شديد التسييس والاستقطاب حول معنى الهوية الوطنية في فرنسا.

هل هناك من سبيل للخروج من أزمة الهوية الأوروبية؟ الجواب هو نعم.

يجب أن تبدأ جهود حل هذه المعضلة على مستوى التعليم والإعلام وصناعات الترفيه، وهي الساحات التي تشكّل مواقف الناس ومعتقداتهم.

يتوجب على الأحزاب السياسية في التيار الرئيس كذلك أن تحثّ الأوروبيين على الاستثمار في المناهج الحساسة للتنوع لتلاميذ المدارس عبر أوروبا. إضافة إلى ذلك، يجب أن تعكس تركيبة الفرق الإخبارية، بما فيها المذيعون والمحررون والمخرجون، بصورة أفضل واقع التنوع العرقي في المجتمع الأوروبي. وأخيرا، يتوجب على صناعات الترفيه الأوروبية أن تتبنى شريعة مسؤولية اجتماعية للمؤسسات الكبرى وأن تنتج أفلاما ومسلسلات تلفزيونية ليست ترفيهية شعبية فحسب وإنما تعمل كذلك على تحويل التوجهات والسلوكيات نحو رعاية التسامح بين الناس.

يشكّل تطبيق الإعلان الأوروبي للحقوق الأساسية مسؤولية قانونية وأخلاقية ليس فقط بالنسبة للسلطات الحكومية والإعلام والمجموعات السياسية وإنما للمجتمع الأوروبي ككل. وحتى يتسنى حل أزمة الهوية هذه يجب إدامة الجهود للعمل بعمق في مجال العيش المشترك داخل الاتحاد الأوروبي.

* الممثل الأوروبي، ومركزه بروكسل ببلجيكا لمنظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة عالمية غير ربحية مكرسة لتغيير الأسلوب الذي يتعامل فيه العالم مع النزاع، ومحلل في مجال النزاع بمعهد تحليل النزاع وحله، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2687 - الأربعاء 13 يناير 2010م الموافق 27 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً