العدد 2686 - الثلثاء 12 يناير 2010م الموافق 26 محرم 1431هـ

الكلام عن الفساد والصراعات فائض عن الحاجة...

ماذا بشأن الجامعة العربية والمنظمات المتخصصة؟

يبدو أن كرة الفساد لم تصل بعد إلى المنظمات العربية وأجهزتها، بدليل أن الجامعة العربية لم تبادر من قبل إلى طرح أي مشروع لمكافحة الفساد على مستوى المنظمات والهيئات التابعة لها والمنضوية تحت رايتها...

الجامعة تئن من البيروقراطية ومع ذلك لم تقم بتكليف شركة متخصصة ومحايدة بدراسة أعراض مرض الفساد من شأنها نفض الغبار عن الصدأ الذي أكل إداراتها وعدد من القياديين الذين لم يشغلوا مناصبهم إلا من باب الترضيات السياسية لهذه الدولة أو تلك وكثير ممن عاصروا الجامعة، يتحدثون علنا حول عقلية التوظيف للمراكز القيادية العليا وكيف وظفت لمصلحة بعض الدول الغنية المؤثرة وصاحبة النفوذ والتي تمنح الجامعة مبالغ من الدعم المالي والحصص والتسهيلات من الصعب اتخاذ قرارات تبعد مواطنيها عن شغل تلك المناصب!

رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص عانى من الفساد والمال السياسي كثيرا وخاض تجارب مريرة في هذا الشأن، تحدث يوما عن ثقافة الفساد التي باتت في صلب ثقافة المجتمع العربي وقال عنها «أصبح لكل شيء ثمن، حتى القيام بالواجب الوظيفي»...

الأمر ينسحب على المؤسسات والهيئات العربية التي تحولت إلى أوكار للتوظيف السياسي، بل هناك هيئات يتم التجديد لقيادييها والعاملين فيها لفترات تتعدى بكثير الحالات المسموح بها، على رغم بلوغ هؤلاء سن التقاعد...

جامعة الدول العربية تجتهد بتوزيع وثائق تتناول ميثاق الشرف العربي ومنهج العمل العربي المشترك بعد غزو العراق لدولة الكويت لكنها لم تتحرك في سبيل تفعيل دور الكوادر والقيادات الموزعة على المنظمات المتخصصة العربية...

المسألة لا تخص هيئة بعينها بل هي ظاهرة تطال معظم الهيئات التي بقيت بعيدة عن أعمال الرقابة والمساءلة والمحاسبة، والجردة السنوية للإنجازات لا تحتاج أكثر من إشادة بالأمين العام وبالدولة المضيفة وتقارير إنشائية توزع على الصحافة ووسائل الإعلام وبعده يذهب كل إلى داره أو مزرعته للتنزه!

وبكثير من المصارحة، مازال العرب، من خلال المؤسسات التي يتعاملون فيها من «داخل البيت العربي» بعيدة عن الإصلاح السياسي والإداري والمالي وإن انخرطت في توزيع الحصص والأنصبة على ممثلي الدول في اللجان والمجالس من باب «سد الذرائع» وضمان عدم فتح النار من قبل هذه الدولة ودبلوماسيتها وصحافتها على الجامعة العربية وتقصيرها أو عجزها عن القيام بمبادرات فاعلة وجريئة من شأنها رفع درجة التعامل مع القضايا المشتركة بمستوى يماثل ما يعمل به في المنظمات الإقليمية الدولية المشابهة، كالإتحاد الأوروبي وتجمع جنوب شرق آسيا وغيرهما من التكتلات...

الكلام عن الديمقراطية والشأن السياسي في العالم العربي فائض عن الحاجة، والحديث عن الخلافات والمحاور السياسية فيه ما يكفي لهذه الأمة من عدة شغل لمئة سنة قادمة، لكن ليس فيها من يصلح ويؤسس لهيئات مشتركة لها وزن وفاعلية تأخذ بالإدارة الحديثة وبعمل المؤسسات ذات الاستقلالية بالقرار وبالتعيين والأداء...

قد يكون من الأجدى التفكير بهيئة للرقابة والنزاهة على المستوى العربي يدخل في صلب عملها تقييم أعمال المنظمات والهيئات العربية وكشف حالات الفساد السياسي والمالي، ومعاقبة المسيئين والمتجاوزين تتمتع بصلاحيات تتيح لها إصلاح ذات البين، هيئة تستطيع أن تسأل وتبحث وتفتش وتقول جملة مفيدة... ماذا قدمت وماذا صرفت وأين أعطت وأخطأت...

في شهر مارس/ آذار القادم سيلتئم القادة العرب في مؤتمر للقمة بليبيا وسيكون على جدول الأعمال، بحث تعيين أمين عام جديد، يخلف السيد عمرو موسى الذي مضي عليه نحو عشر سنوات منذ تسلمه المنصب بعد السيد عصمت عبد المجيد ووسط ظروف سياسية واقتصادية غاية في التعقيد...

انتخاب أمين عام جديد يجب أن لا يرتبط بالشخص بقدر ما يرتبط بنظام المؤسسة وهو ما أفصح عنه السيد عمرو موسى الذي أشارت إليها صحيفة «الأهرام» بصفته «أمين عام جامع الدول العربية» وهو خطأ فني بالتسمية قد يكون أصاب شيئا من الحقيقة من دون أن يخطط لها، وإن كنا لسنا من القائلين بتحويل الجامعة إلى جامع، فلهذا دور ووظيفة ولذلك دور ووظيفة مختلفان عن بعضهما بعضا...

هناك دعوات لا تحصى بضرورة مكافحة الفساد وإطلاق صفارة الإنذار بعد أن اهتزت ثقة الشعوب في القيادات والحكومات كما وصفها الزميل «فرحات حسام الدين» لكن لم يحدث أن تقدم أحدهم بإطلاق الصافرة داخل مؤسسات «بيت العرب» وبقي محصنا وبعيدا عن نقاط الحرائق المشتعلة في ديار العرب، ولأن الفساد السياسي بات الجامع المشترك لهم من دون أن تسجل إحداها نقطة مضيئة في قائمة الدول الأكثر نظافة، فالديمقراطية التي أخذت بها بعض الدول العربية لم تساعد في مكافحة الفاسد الحكومي والسلطوي، بل انضمت المجالس المنتخبة من الشعب إلى جوقة الفساد بدل أن تقضي عليها أو تحد منها.

اليوم معظم المجالس، وغالبية «النواب الممثلين للأمة» صاروا من الفاسدين والأكثر فسادا من الوزراء والقائمين على السلطات العليا في بعض الدول.

في الغالب سيكون الأمين العام القادم من أبناء مصر وهو تقليد سارت عليه الجامعة منذ إنشائها العام 1945 واختيار عزام باشا ثم عبدالخالق حسونة ومحمود رياض وعصمت عبدالمجيد باستثناء «حالة شاذة» وحيدة ويتيمة هي الشاذلي القليبي من تونس عندما سحبت مصر نفسها من العروبة واتجهت للصلح مع «إسرائيل» بعد زيارة السادات التاريخية وهبوطه بطائرة مصر للطيران في مطار بن غوريون في تل أبيب العام 1977.

وسواء جاء أمين عام جديد أم تم التجديد لموسى، سيخرج من يصرح بأن مواجهة المشكلات العربية لن تحل في مؤتمر قمة واحد أو بأمين عام جديد، فقد تأخذ 30 أو 40 سنة قادمة ولو كان متيسرا استحضار أية مقابلة سابقة مع السيد عمرو موسى بعد الخمس سنوات الأولى التي قضاها في الجامعة لقرأنا العبارات والجمل نفسها للعام 2010! وبلغة تفاؤل تضفي جوا من الارتياح في النفوس لقدومه على سدة الأمانة العامة.

حالة الفساد الإداري والسياسي غير مرتبطة بشخص معين ولا بأمين عام معين، هي حالة قائمة تنسحب على معظم المنظمات والهيئات العربية.

هناك أمناء عامون في بعض المنظمات الموجودة في الكويت مضى عليهم نحو 17 سنة وآخرون وصلوا إلى 28 سنة وفي كل مرة يجري التجديد لهم إلى أن استبدلوا بآخرين. هذه المنظمات ماذا قدمت غير التقارير والنشرات والدراسات والاجتماعات المقررة والصرف على المهمات الخارجية للعاملين فيها.

هناك من تجاوز السن القانوني وهناك من لم تنطبق عليه الشروط بالبقاء والتمديد وأناس غير متخصصين في المواقع التي يشغلونها والسؤال يبقى... ما هي أوجه الاستفادة للدول الأعضاء في المنظمة مقابل الحصص المالية التي تدفعها؟

أوجه الفساد كثيرة لكن الوجه الوحيد الغائب عن الساحة هو قيام لجان تحقيق أو لجان كشف الذمم ومحاسبة المقصرين وإن تم ذلك فسيكون خطوة نحو الإصلاح الحقيقي...

العدد 2686 - الثلثاء 12 يناير 2010م الموافق 26 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:38 م

      تحتاج عشر سنوات قادمة

      هل تحتاج 10 سنوات قادمة لمطالعة نتائج الفساد ومخلفاته ورواد كوبونات الجامعة الخاصة الذين رفضوا العمل والإلتزام بالأخلاق العامة ( مع تحيات إبراهيم بوعمر الصنقيحي)

اقرأ ايضاً