العدد 2683 - السبت 09 يناير 2010م الموافق 23 محرم 1431هـ

إيران بين الايدلوجية والواقع (1)

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ترددت في الكتابة في هذا الموضوع لحساسيته السياسية والمذهبية إلا أن عاملين اثنين فرضا نفسهما.

الأول مرتبط بالأحداث الداخلية التي تمر بها الجارة إيران، والثاني يتعلق بالتأثيرات الكبيرة لسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مجمل الأوضاع في المنطقة بصفة عامة، وعلى الأوضاع الداخلية في بعض دول الجوار بصفة خاصة.

ومع عدم التقليل من وجاهة الرأي الذي يرجع مسئولية ما يجري من أحداث الى تدخلات خارجية، وهو الأمر الذي لا تنفيه هذه القوى، إلا انه من غير الحكمة التقليل من خطورة الخلافات الداخلية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

فما تشهده إيران من أحداث داخلية لا يمكن اعتباره إلا مؤشرا على انحسار التوافق التام الذي كان سائدا عن الشعارات والمبادئ الأساسية للثورة.

وهذا الانحسار يجيء بعد تجربة كافية لواقع معيشي لجيل لم يعش معاناة وتجربة فترة ما قبل الثورة، مما يجعل من تطلعاته لمستقبل أفضل مما جاءت به شعارات الثورة أمرا طبيعيا. فهو لم يقتصر على فئات من الجيل الجديد، بل شمل أيضا طبقة عريضة من رفاق الدرب من محافظين وإصلاحيين، ومن مفكرين وإعلاميين وصحافيين، وذلك في ظاهرة نادرة من الانشطار العمودي والأفقي منذ رحيل الإمام الخميني سنة 1989، حينما تحول بعض اليسار الإسلامي من أمثال سعيد حجيريان (منظر واستراتيجي لمعسكر محمد خاتمي) وعبد الكريم سوروش وأكبر محتشمي ومير حسين موسوي، الى إصلاحيين.

هذا الانشطار العمودي يتمثل الآن في تكتل الإصلاح (الثاني من خرداد) المؤيد لتوجهات الرئيس السابق محمد خاتمي الداعية الى المزيد من الحرية والديمقراطية وفقا لنظرية الديمقراطية الإسلامية، وهي المبادئ التي حاول العمل على تطبيقها حتى نهاية فترته الرئاسية العام 2005.

وبالرغم من ضعف في التنظيم لتكتل الإصلاح إلا أن تنوعه واتساع قاعدته التي تضم ثمانية عشر حزبا ومجموعة تبنت نظرية الديمقراطية الإسلامية التي ارتكز عليها برنامج خاتمي الإصلاحي العام 1997، قد حمل الكثيرين الى اعتبار هذا البرنامج مخرجا لحالة الاختناق التي رأى بعض السياسيين من أمثال عطا الله مهاجري، أن استمرارها يشكل تقويضا ونهاية للجمهورية الإسلامية.

وهذا التنظيم الإصلاحي الذي ولد من رحم النظام السياسي يضم، بالإضافة الى الثالوث خاتمي/ موسوي/ كروبي قيادات أخرى فاعلة من أمثال هاشمي رفسنجاني وناطق نوري.

كما يضم تنظيمات سياسية كجبهة المشاركة الإسلامية بزعامة محمد رضا خاتمي وسعيد حاجريان، وتكتل روحاني مبارز، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية بزعامة بهزاد نبوي، ومحسن أمين.

من هذا المنطلق تأتي خطورة هذا النوع من الانشطار الذي يجب احتواؤه وعدم التقليل من آثاره الخطرة.

وعلى المستوى الأفقي فقد استقطبت المعارضة شريحة واسعة من الشباب والعاطلين والمثقفين والمفكرين وخريجي وطلبة الجامعات، وكل الفئات المتضررة من التضخم والبطالة، ناهيك عن الفئات الليبرالية الأخرى المعارضة لتقييد الحريات الشخصية، ومؤيدي النظام السابق المتضررين اقتصاديا وسياسيا الذين يستثمرون هذه الخلافات لصالح أجنداتهم الخاصة.. هذه الشرائح الواسعة لا بد من فرزها وعدم التقليل من النتائج السلبية لتجاهلها.

يرى الإصلاحيون ومعهم شريحة من المحافظين ضرورة الانتقال بالنظام السياسي من مرحلة الثورة الى مرحلة بناء الدولة والأمة.

وهذا الانتقال يتطلب توافقا سياسيا على مستوى الداخل، وتغييرا في الأولويات والشعارات على مستوى الخارج، حيث إن بناء الداخل يتحقق بصورة أفضل عندما لا تكون الجمهورية الإسلامية في مواجهة مستمرة مع العالم، فمثل هذه المواجهة لم تقو عليها محاور دول عظمى.

كما ترى المعارضة أن تقدم إيران وضمان استقرارها يستدعي تغيير الشعار من الثورة والشهادة والجهاد ومحاربة الامبريالية الى شعارات تلامس احتياجات الداخل المثقل بالهموم السياسية والمعيشية المتمثلة في ملفات البطالة والتضخم، والحرية والمساواة وحكم القانون، والديمقراطية المتوازنة، والمشاركة، ومحاربة الفساد، والتأكيد على المواطنة وإعطاء أولوية تسخير كل الإمكانيات والموارد لبناء الأمة.

من الواضح إن الاختلاف بين طرفي المعادلة هو اختلاف استراتيجي هيكلي مغاير للاختلاف حول الآليات، كما هو حاصل في الأنظمة الديمقراطية المستقرة المتفقة على الإستراتيجية الوطنية، ولكنها قد تختلف على أدوات الإدارة الحكومية كالاختلاف على النهج الأصلح لإدارة الملف الاقتصادي، أو تناول ملفات السياسة الخارجية، أو معالجة مسائل اجتماعية أو صحية أو تعليمية.

من هنا يصح القول إن النظام السياسي للجمهورية الإسلامية غير مستقر لحين التفاهم على حسم مسألة الهوية والاستراتيجية.

فعندما يلامس الاختلاف الأسس والمبادئ التي يقوم عليها النظام السياسي، وهي أسس إيدلوجية في المقام الأول، فإن الخطر على سلامة النظام وأمن الأمة يبقى حاضرا على الدوام، وهذا ما يراهن عليه أعداء النظام السياسي الإيراني الذين لا يرون ضرورة ملحة لتدخل عسكري يعيد توحيد طاقات الأمة من جديد.

وقد أثبتت سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما صحة هذا التوجه. فسياسة اليد الممدودة أبرزت الخلافات المؤجلة في الساحة الإيرانية الى السطح بشكل خطير.

من جهة أخرى فبالرغم من صداقية المبادئ التي يرتكز عليها النظام السياسي في إيران والمتمثلة في دعم المستضعفين والقضايا الإنسانية العادلة كالقضية الفلسطينية، إلا أن بناء أي لنظام سياسي على أسس ايدلوجية بحتة مفهوم قد انحسر منذ انهيار الكتلة الشيوعية. وعندما نتمعن في طبيعة النظم السياسية في المنطقة وفي أغلب دول العالم نلاحظ هذا الانحسار لصالح المصالح الاقتصادية والسياسية

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2683 - السبت 09 يناير 2010م الموافق 23 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:33 ص

      اضطراب الأحوال في دول الجوار ليس من صالحنا

      الله يصلح أحوال كل المسلمين من حولنا ، احنا دولة صغيرة ، وأي هزة من حولنا اتأثر على اقتصادنا ، وأهم شي نسأل الله ألا تحدث تدخلات قوى عظمى وتشب النار ، هذا الكلام قاله سعادة وزير الخارجية بأنه ليس من مصلحة البحرين أو دول الخليج اشتعال حرب في دولة مثل إيران ، وفي رأيي أن هذه السياسة عين الحكمة .

    • زائر 1 | 4:45 ص

      مقال واقعي

      صحيح ليس به تلك التشبيهات الأدبية و الأساليب اللغوية الملتوية، التي يستخدمها بعض الكتاب الذين يصفون أنفسهم بالمتخصصين في الشؤون الإيرانية، إلا أنه بالفعل لامس الواقع. و أنا أؤيدك بالقول بأن إيران اليوم في طور مراجعة هويتها، و أن الاديولوجيا الاسلامية لم تعد تنفع كعقار لتخدير آمال و تطلعات شرائح كبيرة من المجتمع الإيراني، و هذا ما يضع القيادة السياسية في هذا البلد أمام اختبار ليس بالسهل.

اقرأ ايضاً