العدد 2681 - الخميس 07 يناير 2010م الموافق 21 محرم 1431هـ

اليمن... مرآة الأزمة العالمية غير المالية (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أول مظاهر الأزمة العالمية تبدأ لحظة تحول توجيه اتهامات تعكير صفو الأمن وإثارة القلاقل من الحوثيين، الذين تقاتلهم الحكومة اليمنية منذ العام 2004، إلى تنظيم «القاعدة»، بما يحمل ذلك من تناقض عقيدي، وتخبط سياسي. فبعد أن كانت إيران هي المسئولة عن إندلاع الاضطرابات في جبال صعدة، أصبح تنظيم «القاعدة»، هو المحرك للأحداث. وعوضا عن تبرير اضطرار السعودية إلى التدخل المباشر في الحرب، خشية من امتداد «شيعي - سياسي» في أراضيها، تجهز صنعاء، وبشكل منفرد، كما تقول وسائل إعلامها، حملة من ثلاث آلاف رجل تنوعت مهماتهم بين العسكرية والأمنية، من أجل مطاردة عناصر القاعدة المتسللة إلى صنعاء لضرب أهداف أجنبية، والمنتشرين في ثلاث محافظات يمنية، ويترافق ذلك مع تصريح مفاجئ لوزير الخارجية اليمني أبوبكر القربي، في مقابلة مع شبكة سي إن إن (CNN) يعترف فيه صراحة بخطأ ارتكبته بلاده عندما «استهانت بوجود تنظيم القاعدة»، وغاب عن إستراتيجيتها التركيز «على مكافحة تنظيم القاعدة بالشكل الكافي، لأنها تواجه تمردا في شمال البلاد، وحركة انفصالية في الجنوب».

لكن أحد كتاب صفحة الرأي في صحيفة «التايمز» اللندنية براون مادوكس، يرد على ذلك، كما نقل موقع هيئة الإذاعة البريطياني عنه قوله بأن «اليمن كان حاضرا بقوة على خريطة التهديدات قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لمدة سنتين على الأقل في التقارير الاستخباراتية التي كانت تقدم إلى المسئولين الأميركيين والوزراء البريطانيين، وبأن الامر كان كذلك حتى جاءت محاولة إسقاط الطائرة، فلم يرغب أي بلد غربي في إعلان أن اليمن كان مشكلة كبيرة».

إذا فتدهور الأمن في اليمن، واحتمال امتداداته على الصعيد العالمي، كان حاضرا أمام أعين الاستخبارات العالمية التي لم تحرك ساكنا وعلى مدى ما يزيد من ثماني سنوات، وفي ذلك تعبير واضح عن أزمة تلك الدوائر، ذلك أنها أما أن تكون قد أخطأت في تقدير الأولويات في مواجهة «الإرهاب»، فركزت على أفغانستان، وأعطت العراق وفي وقت أكثر تبكيرا فارتكبت حماقة أخرى هي افتقاد الدقة في تقدير الوقت الصحيح، أو أنها قللت من حجم الأخطار الكامنة في اليمن. والاستنتاج الطبيعي في أي من تلك السيناريوهات هو أن تلك الدوائر كانت أعجز، وبسبب أزمة داخلية تعاني منها، من التوصل إلى، أو اتخاذ، الموقف الصحيح، وتنفيذ السياسة الملائمة. وهو ما يشير إليه صراحة مادوكس حين يقول «إن بقية الأسباب تتمثل في أن الغرب كان يحدوه الأمل في أن تتبدد المشكلة، وأنها ليست في خطورة الجبهات الأخرى في العراق وأفغانستان وباكستان».

نصل هنا إلى بيت القصيد، فبينما ركز الإعلام اليمني، ومن ورائه الإعلام الغربي، وعلة امتداد الأشهر الخمسة الماضية،على الحوثيين وحلفائهم الإقليميين، وعلى وجه الخصوص إيران، نجدهم جميعا اليوم ينقلبون نحو تنظيم «القاعدة» التي تؤكد المصادر الغربية أنه كان حاضرا في اليمن منذ الهجوم على البرجين الأميركيين في مطلع هذا القرن. ولربما كان مصدر هذا التناقض هو، كما تقول صحيفة «الحياة» اللندنية نقلا عن صحيفة «نيويورك تايمز» هو «إن رغبة صالح (الرئيس اليمني) في مكافحة القاعدة هي أيضا أمر مشكوك فيه لأنه لا يعتبرها عدوه الرئيسي، وأن الرئيس اليمني لم يبدأ أخذ خطر القاعدة على محمل الجد إلاّ العام الماضي».

المظهر الثاني من مظاهر تلك الأزمة هو التناقض في مداخل البحث عن الحل، فبينما تتمخض اتصالات الرئيس اليمني ومحادثاته الهاتفية مع رؤساء العالم في أوروبا والولايات المتحدة، داعيا إياهم مساعدة اليمن من أجل الخروج من أزمته، وينتهي ذلك بالدعوة لمؤتمر دولي حول اليمن يعقد في العاصمة البريطانية في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني 2010، وفيما يجري الحديث عن زيادة الدعم الأمني الأميركي لليمن، بما في ذلك المشاركة المباشرة في عمليات مطاردة من يعكر صفو الأمن ويشكل تهديدا لوجود والمصالح الغربية هناك، لا يكفّ المسئولون اليمنيون عن ترديد أن بلادهم «لا تقبل بتدخل أميركي مباشر على الأراضي اليمنة، لأن اليمن قادر على التصدي لتنظيم القاعدة». يجري كل ذلك وسط تسرب تقارير شبه مؤكدة على أن «الولايات المتحدة نفذت عمليات عسكرية ضد أهداف على الأراضي اليمنية في العام 2009». ويتمظهر هذا التناقض في الرغبة في الاستعانة بقوى خارجية، من دون أن يكون لها تواجد مباشر على الأراضي اليمنية، والشلل الذي يكبل الخطوة العملية العلنية للقوى المعاضدة الدولية يعكس حقيقة أزمة واضحة في الموقف الدولي من اليمن، وينعكس بشكل واضح في تصريحات القربي، حيث يؤكد في إحدى مقابلاته بأن «الشراكة مع الولايات المتحدة متينة ولكنهم يخشون من تركيز أميركا على مكافحة الإرهاب من دون معالجة المشكلات اليمنية الاجتماعية والاقتصادية، (محذرا الولايات المتحدة) كي تتعلم من تجاربها في باكستان وأفغانستان وعدم تكرار الأخطاء ذاتها في اليمن في مسألتي التعامل مع الحكومة ومواجهة القاعدة».

وتكشف صحيفة «الاندبندنت» اللندنية، في تقرير نشره موقع «محيط» عن المأزق العالمي من أزمة اليمنية من خلال تسليط الأضواء على الدور الأميركي، إثر اكتشاف محاولة تفجير الطائرة المتوجهة إلى ديترويت ليلة عيد الميلاد فتقول « إنه ينبغي أن يكون هدف السياسة الأميركية أكثر تواضعا ويهدف إلى إبعاد اليمن عن الوقوع في الهاوية من خلال زيادة الاستقرار الداخلي، وهذه المهمة لن تتحقق بسهولة وبسرعة أو بكلفة زهيدة».

الأزمة الحقيقية الكامنة وراء استمرار تدهور الأوضاع في اليمن، والحديث هنا عن الإطار العالمي بعيدا عن أسباب الأزمة الداخلية من تفشي الفساد في مؤسسات الدولة وأجهزتها، وطغيان العلاقات القبلية على سياسات الدولة ومشروعاتها، مصدرها عدم قدرة الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة من التوصل إلى حل جذري يساعد اليمن على الخروج من محنتها. فمن جهة هي غير قادرة على توفير الدعم العسكري والأمني المباشر لليمن، نظرا إلى انتشارها الواسع والمكلف في أفغانستان والعراق، ومن جهة ثانية هي أكثر حاجة لأموالها ومصادر تمويلها، بحيث لم يعد في وسعها، وفي المستقبل المنظور على الأقل، من تقديم بعض المساعدات المالية التي تعين اليمن على التخفيف من أزمته الاقتصادية الداخلية.

وإلى أن يخرج العالم من أزمته، لا يبقى أمام اليمن من طريق يسلكه لحل أزمته، سوى ذلك الذي يعتمد فيه على قواه الداخلية. فهل يلتفت اليمن داخليا ويرتب أوضاع بيته من الداخل، أم يواصل السير في طريق التطلع للدعم الخارجي، وهو مسلك، كما قرأنا، مشكوك في جدواه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2681 - الخميس 07 يناير 2010م الموافق 21 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً