العدد 2678 - الإثنين 04 يناير 2010م الموافق 18 محرم 1431هـ

كي لا تتحول الغرفة إلى ساعة «أوميغا» سياسية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين الحين والآخر تطالعنا الصحف المحلية بتصريحات أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين يتطرق فيها إلى رؤية الغرفة في الشأن السياسي العام. وغالبا ما تنتهي مقالاته بتلميح مباشر أو غير مباشر حول موقف الغرفة، والتجار بشكل عام من مسألة الانتخابات النيابية المقبلة، والدور الذي تنوي الغرفة ممارسته إزاء تلك الانتخابات.

من يتوقف عند تلك التصريحات ويمعن النظر فيها، ويحاول قراءتها سياسيا، يجدها، وللأسف الشديد لا تقدم ولا تؤخر أيضا، بل تراوح مكانها معبرة عن حالة شلل تقترب من حالة الكساح الميئوس منها.

لم تعد هذه الحالة مقبولة حتى في صفوف التجار أنفسهم، الذين بدأت تسري في أذهانهم موجة جديدة تعكس رغبة جامحة في ممارسة العمل السياسي، وإن لم يكن هناك تصور محدد لهذا الدور.

هذه الحالة لا نعتقد أنها تُعبّر بصدق عن الواقع السياسي لتجار البحرين في هذه المرحلة من التطور السياسي الذي تعيشه المملكة، والذي يدعو التجار كي ينغمسوا في العمل السياسي، مع مراعاة الظروف الخاصة بهم، ودون تجاوز لأي من الخطوط الحمراء التي لا يزال البعض منهم يقيد نفسه، ودونما انتهاك غير مبرر لقيمهم من خلال زجهم في معارك هم لا يزالون غير مقتنعين بجدواها، أو غير قادرين على خوض غمارها. ونرى أن ذلك يعود في جوهره إلى الأسباب الرئيسية التالية:

1.ان هناك هامشا من الحريات السياسية، التي لم تكن متاحة خلال مرحلة «قانون أمن الدولة»، تبيح للتجار اليوم مساحة سياسية واسعة نسبيا بوسعهم التحرك في نطاقها، للدفاع عن القضايا الوطنية بشكل عام، وحماية مصالحهم على نحو خاص.

فدرجة الخطورة التي كانت تخيف التاجر البحريني إبّان تلك الفترة السوداء من تاريخ البحرين المعاصر، قلص الكثير منها ما حمله مشروع جلالة الملك الإصلاحي، الذي حاول أن يفسح المجال أمام دور سياسي مميز للقطاع التجاري.

2.ان معظم أطراف الحركة السياسية، إن لم يكن جميعها، وبمختلف تلاوينها، لديه الرغبة والاستعداد، وبشكل متفاوت بطبيعة الحال، لمد يد التعاون مع القطاع التجاري والتنسيق معه، في حال رغبته في ممارسة دور محدد في الحركة السياسية البحرينية، وفي الإطار الذي يرسمه، وفي نطاق الأولويات التي يحددها.

من الطبيعي أيضا أن لا يصل هذا التعاون إلى درجة التطابق، نظرا إلى التباين في الخلفيات السياسية أولا، ولطبيعة التكوينات الاجتماعية المختلفة بين قطاع التجار من جهة، والبنية البشرية للتنظيمات السياسية من جهة ثانية. هذا يفتح أمام التجار أبوابا جديدة، كانت موصدة في وجوههم من قبل.

3.ان التجار بشكل عام، والغرفة على وجه الخصوص، قد تسربت إلى صفوفهم بعض من التحولات السياسية التي شهدتها البلاد منذ تدشين المشروع الإصلاحي، وقد انعكس ذلك بشكل جلي في انتخابات مجلس إدارة الغرفة الأخير، حيث غلبت الخلافات السياسية، على معظم الخلافات الأخرى، حتى وإن اتخذت شكلا مظهريا مختلفا. هذا يجعل من محاولات إقناع الغرفة بممارسة دور سياسي أسهل مما كانت عليه في السابق.

4.ان العديد ممن بدأوا يتلمسون ضرورة أن يكون للتجار دور سياسي، أصبحوا مقتنعين أن العمل السياسي، يختلف في جوهره عن العمل التجاري المحض، وأن لكل منهما قوانينه الخاصة به.

وبالتالي فليست العملية مجرد توفير رأس مال بحجم معيّن، يقوم بالاستثمار في قطاع محدد.

لقد اكتشف هؤلاء أن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك، وأنه مثلما تحتاج ممارسة التجارة مهارات معينة، يتطلب العمل السياسي خبرات غنية متطورة. هذه القناعة دفعت التجار بخطوات أسرع نحو مسرح العمل السياسي بعد أن دأبوا حتى فترة قريبة على تحاشي حتى مجرد الاقتراب من شوارعه.

على هذه الأرضية، وفي ضوء النتائج التي تمخض عنها مؤتمر جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) الاستثنائي الذي خرج بقرار الموافقة على المشاركة في الانتخابات المقبلة، ونظرا إلى موافقة أطراف تيار العمل الوطني الديمقراطي الأخرى على المشاركة، يبدو، في الأفق، تشكل أرضية أولية صلبة من أجل التأسيس لعلاقة من مستوى معين، وفي إطار محدد بين غرفة تجارة وصناعة البحرين، وتلك الأطراف الوطنية الديمقراطية، دون أن يكون في ذلك التأسيس، أية نزعة معادية للأطراف الأخرى، التي بوسعها، متى ما رأت فيه ما يشكل خميرة صالحة لعمل وطني عام أن تمد هي الأخرى يد الرغبة في التعاون والتنسيق.

ولابد من التذكير هنا من أن المسافة الزمنية التي باتت تفصلنا عن الانتخابات أصبحت قصيرة، الأمر الذي يدعو إلى حث خطى ذلك التقارب، إن كانت لديه الرغبة في الاتفاق على برنامج العمل الوطني الديمقراطي وتحديد الرموز التي سيخوض بها معركته الانتخابية.

بقيت نقطة مركزية لابد من التنويه لها، وهي ان هذه الخطوة لا يمكن أن يكتب لها النجاح، إذا ما استمرت الغرفة تمارس دورها السياسي على استحياء، وإذا لم تمتلك الشجاعة الكافية كي تقول كلمتها الصريحة التي تحدد موقفها بكل وضوح، وإلا فهي ستكون كما يقول المثل «ساعة أوميغا التي لا تقدم ولا تؤخر»، وهذا آخر موقع يريد التاجر أن يرى غرفته واقفة فيه.

وعلى قدم المساواة نطمح من التيار الوطني الديمقراطي، أن يزيح من أذهانه أية ذكريات سلبية عن دور التاجر البحريني السياسي، وأن يستوعب الظروف المستجدة التي تبيح للتاجر أن يمارس دورا محددا في عملية التحول الديمقراطي التي تشهدها البحرين، وإن كان ذلك التحول يتم بحركة في غاية البطء.

وعلى هذا الأساس نتوقع أن يضع ذلك التيار، وهو يكتب برنامجه الانتخابي ويحدد العناصر التي تمثله، حسابات صحيحة لدور التاجر البحريني السياسي. وإذا ما جرى كل ذلك، فسوف يجد الطرفان أن كلا منهما يندفع نحو الآخر من أجل تحقيق هدف مشترك واحد يصب في طاحونة ذلك التحول.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2678 - الإثنين 04 يناير 2010م الموافق 18 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً