العدد 2677 - الأحد 03 يناير 2010م الموافق 17 محرم 1431هـ

مقارنة بين النموذجين السعودي والكويتي في معالجة الأزمات (2 - 2)

كارثة جدة أفصحت عن حالة دولة تملك احتياطيا نفطيا يكفيها لثمانين سنة مقبلة يدخل خزينتها صباح كل يوم نحو عشرة ملايين دولار يأتيها من بيع النفط... أفصحت عن وجود مدينة لا تملك شبكة لتصريف مياه المجاري (70 في المئة بلا شبكة) ولذلك سماها الصحافي خلف الحربي بصحيفة «عكاظ» السعودية بـ «مدينة الشفط» لأنه لا حل أمامها سوى الشفط، فالأموال التي خصصت لمشاريع الصرف الصحي تعرضت للشفط والشفاطون اختفوا عن الأنظار... و «نحن اليوم أمام مدينة مشفوطة تحتاج إلى شفط عاجل» أو إلى أشرطة CD توزع الأغنية السامرية «السيل يا سدرة الغرمول يسقيك»!

أخطاء كشفتها السيول والبحيرة، بكيفية بناء المدن والتساهل مع الذين يقيمون في المناطق العشوائية وفساد الذمم الذي فاحت رائحتها على حد قول الكاتب عبدالله نصار الفوزان بـ «الوطن» السعودية، فلولا البناء في الأودية والشعاب وترك المساحات الرملية لما حصل ما حصل... فالمشاريع التي يطلق عليها «التطوير العقاري» هي في حقيقتها أودية وبحار وما حدث قد يتكرر في مدن أخرى كما أشار إلى ذلك الكاتب عبدالرحمن الخريف بصحيفة «الرياض» والبناء على أرض يعلم المسئولون أنها أودية أو بحار مدفونة يتم بيعها لمواطنين بصكوك أو بأوراق خارجية يتم في وضح النهار! أما الكاتب زين العابدين الركابي من «الشرق الأوسط» فقد اعتبر أن (الطبقة الفاسدة العازلة) هي أصل البلاء في البلاد ويقصد الطبقة التي تعزل جهد الدولة وإنفاقها وإماكانتها عن نبض الشعب... فالموازنات العامة لا يلمس منها المواطن شيئا...

في غضون أسبوعين من وقوع الكارثة جرى التعامل بالأزمة من أعلى المستويات بالمملكة، أمر ملكي بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة، قرار بإغلاق البحيرة وتجفيف مياهها، إعادة فتح مجاري السيول المغلقة، إتمام شبكة الصرف الصحي، تعويض المتضررين ورفع سقف الانتقادات بشارع الصحافة الذي كسر بعض قيود الرقابة عليه...

لقد جرى تصحيح الصورة بفضل الكارثة الطبيعية ولولاها لبقيت مأساة البحيرة قائمة وعروس البحر الأحمر وبوابة الحج إلى مكة المكرمة كانت بلا شبكة مجار...!


أزمة مشرف وأسلوب المعالجة...

أما في محطة مشرف لمعالجة مياه المجاري بالكويت والتي توقفت عن العمل تماما في 23 أغسطس/ آب 2009 بسبب أعطال في عمل المضخات فتلك قصة أخرى تظهر جوانب الفساد الإداري... في إنجاز مشروعات البنى التحتية في دولة لديها احتياطي من النفط يكفيها لمدة 90 سنة مقبلة وبحجم من الاحتياطي يصل إلى 100 مليار برميل نفط...

والسؤال: كيف تعاطت الدولة في معالجة «أزمة» محطة مياه مجاري مشرف وإلى أين وصلت؟

عمليا، بدأ تنفيذ مشروع إنشاء المحطة في العام 2002 واستغرقت مدة الانجاز نحو أربع سنوات، بعد أن جرت عمليات مسح ورصد للتأكد من عدم حصول أضرار بيئية نتيجة بناء المحطة قرب المناطق السكنية وأن تصاعد الغازات السامة من المشروع يعتبر «ظاهرة طبيعية» ولا يوجد ما يثير القلق أو الخوف من انبعاث تلك الغازات، وطوال أربع سنوات من عملية البناء كانت هناك مطالبات ودعاوى تطالب بعدم بناء المحطة في منطقة سكنية لما تسببه من أضرار بيئية قاتلة...


رد المسئولين بوازة الأشغال كان قاطعا وحازما...

المحطة مصممة لتصريف 340 ألف متر مكعب في اليوم وفي أوقات الذروة، وستزود بنظام للتحكم بالرائحة الكريهة، وإن المشروع يهدف إلى رفع كفاءة مرافق الصرف الصحي وتحسين الأداء والقضاء على جميع المشاكل إضافة إلى أن المحطة تحت سطح الأرض وفيها 13 دورا وكل دور بارتفاع 3 أمتار ومزودة بنظام شامل للتحكم بالروائح.

لكن يوم 23 أغسطس 2009 تسربت المياه إلى غرفة المعدات واللوحات الكهربائية وغمرت القسم الأكبر منها بالمياه وبعدها انفصل التيار الكهربائي عن المحطة وتسبب بوقفها بالكامل وعدم القدرة على المياه غير المعالجة إلى محطة أخرى بعيدة عنها.

كلفة المشروع وصلت إلى 43 مليون دينار كويتي (نحو 150 مليون دولار)... المحطة سلمت إلى وزارة الأشغال قبل وقوع الكارثة بأسابيع وهذا يؤشر إلى أن الرقابة كانت غائبة...

مضى على «الأزمة» نحو خمسة أشهر تقريبا، كتبت عنها الصحافة والفضائيات والمواقع ما لا يحصى من حيث الأرقام، انشغلت الكويت عن بكرة أبيها بمحطة مشرف كل يوم قصة. الصحافة استهلكتها لدرجة أنه لم يعد فيها روح مجلس الأمة دخل طرفا، وأدرجت في سوق المزايدات وتصفية لحسابات، وراح عدد من النواب يهدد ويتوعد بمحاسبة المسئولين ووزير الأشغال وإجباره على صعود منصة الاستجواب، وانقسم الشارع والكتل السياسية إلى فريقين فريق يرى أن وزير الأشغال والوزارة (البلدية والأشغال) أنه لا يتحمل المسئولية بمفرده بل بمن سبقه، وآخرين تبرعوا بنشر وثائق فيها تجاوزات وسرقات...


لكن ما هي القرارات التي اتخذت وعلى أي مستوى؟

مجلس الوزراء بعد نحو الشهر تقريبا اتخذ قرارا بتكليف لجنة وزارية لتكون في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات واتخاذ الخطوات العملية اللازمة لاحتوائه والحد من آثاره البيئية المعالجة بأسرع وقت ولجنة تتولى التحقيق في الملابسات كافة المتعلقة بحادث تعطل المحطة وتحديد الأسباب وأوجه القصور والمسئولين عنه...

مجلس الأمة شكل لجنة تحقيق في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009... وقد كشف تقرير لجنة التحقيق المقدم إلى مجلس الوزراء والمحال إلى النيابة العامة عن وجود تجاوزات أوجدها المقاول المنفذ للمشروع والتي تختلف مع التصميم المعد لذلك وتجاوزات بدءا من طرح المناقصة ومكان المحطة وانتهاء إلى التنفيذ...

اليوم وبعد خمسة أشهر تقريبا مازال المشهد اليومي قائما، 400 صهريج ينقلون مياه المجاري من مشرف إلى محطات أخرى للمعالجة والباقي يذهب إلى البحر بانتظار حكم القضاء الذي يمنع وزارة الأشغال من إصلاح عطل المحطة قبل صدور حكم القاضي بعد أن قام خبراء من وزارة العدل بتفقدها وعمل المعاينة اللازمة... وبقي الأمر معلقا... الصهاريج تنقل المياه يوميا وبكلفة تصل إلى 8 آلاف دينار كويتي يوميا... والمعدات وقطع الغيار موجودة في صناديق بالقرب من المحطة واللجان التي شكلت مازال بعضها لم ينجز...

وهكذا هي حال أزمة امتدت إلى خمسة أشهر دون أن يعرف متى تنتهي وكيف، بعد أن أصدر وزير الأشغال الذي جرى استجوابه ونال ثقة مجلس الأمة قرارا بتمديد عمل اللجنة المشكلة للتحقيق الإداري مع العاملين بالوزارة!

العدد 2677 - الأحد 03 يناير 2010م الموافق 17 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً