انتهى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، والنشرة الجوية العالمية تشير إلى أن الطقس حار رغم برودته، ممطر رغم جفافه، أما الرياح، فحدِّث بشأنها ولا حرج. على من يريد التنبؤ بما سيحصل في السنة الجديدة، أن يقف ليراجع أولا ما حصل في سابقاتها. فالتاريخ لا يبدأ من الصفر أبدا، وإنما تترتب نتائجه على أحداث كثيرة، والعصر الحجري لم ينتهِ لأن الأحجار نفذت من على سطح الأرض، وإنما لأن مرحلة جديدة في التطور البشري بدأت لتغير ما سبقها.
هناك حاجة بشرية غريبة جدا لفهم الماضي، وترويضه وإزالة الغموض عنه من أجل استيعابه.
تلك الحاجة هي التي تدفع الكثيرين مع نهاية كل عقد من الزمان دفعا لأن ينطلقوا في اختراع أسماء يلقبون بها ذلك العقد المنصرم. فهل يا ترى نستطيع الآن أن نطلق اسما على هذا العقد المزدحم الذي ودّعْناه وودّعَنا، أم أننا سنحتاج بعضا من الوقت لنلملم الأوراق، ونرتب قطع الصورة بجانب بعضها قطعة قطعة، لكي ندرك بوضوح ما الذي خسرناه، وما الذي سنشعر لاحقا بالفخر لتحقيقه؟ هل كان عقد هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وبداية الحرب العالمية على الإرهاب، أم أنه عقد دحر العنصرية وانتخاب أول رئيس أميركي أسود؟ هل كان عقد انهيار الحكم الاستبدادي في العراق أم أنه عقد دخول العراق في حرب لم يعرف بعد متى تنتهي؟ هل كان عقد تأزم القضية الفلسطينية أم عقد بدايات انفراجها؟ هل كان عقد إعصار كاترينا وأمواج التسونامي، أم أنه عقد قمة كوبنهاغن وبدء أخذ قضية التغير المناخي مأخذ الجد عالميا؟ هل كان عقد الأزمة الاقتصادية العالمية التي ستحتاج وقتا طويلا قبل معالجتها، أم أنه عقد الثورة التكنولوجية والتقنية التي أصبحت تتطور وتتجدد بالكامل كل عامين؟ وفي البحرين: هل كان عقد التضخم السكاني وأزمة الأراضي، أم أنه عقد الإصلاحات السياسية والممارسة الديمقراطية التي لم يسبق أن شهدناها لعقود طويلة؟
من السهل أن نتجاوز التغيير عندما يحصل، حتى لو كنا نعلم بأنه كان تغييرا جذريا ومحسوسا وتاريخيا، غير أن قدرتنا على استيعاب هذا التغيير، وإدراك نتائجه وتبعاته، وما أحدثه فينا، ومجاراة ذلك كله، لن تكون سهلة.
اليوم، تقدر كمية المعلومات التي يمكن استقائها من متابعة أسبوع واحد فقط من صحيفة النيويورك تايمز، بأكثر من كمية المعلومات التي كان يمكن أن يتعلمها شخص عاش في القرن الثامن عشر في عدد سنوات حياته كاملة. اليوم أيضا، تمتلك الهند الدولة الآسيوية النامية التي كانت مستعمرة بريطانية، أطفالا ذوي معادلات ذكاء مرتفعة، يفوق عددهم كامل مجموع أطفال الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكثر تطورا في العالم. وقريبا جدا، ستتربع الصين، الكيان الاشتراكي الأكبر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، على عرش الدول التي تضم أكبر عدد من متحدثي اللغة الإنجليزية في العالم!
لم يحدث ذلك كله فجأة، بل كان نتاجا لتغيير مطرد تبدلت من خلاله المقاييس. لذلك، يمكنك أن تطلق على عقدنا الذي انصرم للتوّ ما شئت من الأسماء، ولكن بحسب موقعك، ورؤيتك، وموقفك.
سمه بداية التحول، بداية الإصلاح، بداية الحرب، أو بداية التغيير، غير أن السنون ستمر سريعا، فتزيد الرؤية عمقا، والموقف استنارة.
قال إبراهام لينكولن يوما، وهو أهم رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية « أفضل صفة في المستقبل هو أنه يأتي إلينا يوما بيوم». فالمستقبل لن يأتي إلينا دفعة واحدة، ولو وقفنا للحظة لكي نتأمله، لتحول سريعا إلى ماضي.
لذلك فإن علينا أن نعيش مرحلتنا هذه، وأن لا نسمح للساعة والتقويم السنوي أن يعمينا عن حقيقة أن كل دقيقة من حياتنا هي معجزة ولغز علينا أن نعيشه بكل ما فيه ونساهم في حله... وكل عام وأنتم بألف خير
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2676 - السبت 02 يناير 2010م الموافق 16 محرم 1431هـ
مقال حلو
شكرا ندى، اسلوبك جذاب في الكتابة، اتمنى لك التوفيق
جميل ممتع ومختصر
شكرا العزيزة ندى على مقالك الجميل والمبسط ،والذي احتوى بدوره على معلومات اعجبني وخاصة اضافتك لقيمة اللغة الانجليزية آنيا الذي سيجعل من دولة كالصين تتربع على عرش الدول الاكثر تحدثا للانجليزية على مستوى العالمز عام سعيد لك وللجميع
فاطمة واصل- اليمن