منحْتَها البَرَدَ بدمك، على رغم اللهيب في الذروة. منحتها السمو، فلم تعد أرضا كأي أرض. أرض هي من نبْت السمو والعلى. منحتها بعضا من روحك، وإن تنكَّر القلة من المرضى المصابين بعاهة انحناء الرقاب. يحضر شاعر العرب الأكبر، الجواهري، في هذا الصدد:
لم يعرفوا لون السماء لفرط ما انحنت الرقابُ
لضريحك ومقامك اليوم سطوة تجاوزت الشغاف. لأيامك استعادة لمعنى الشمم. ولسواك مهرجانات من لعنات تطوف عواصم الدنيا. هو ذاته انتصار الدم على السيف.
كل سكْنة في النفس هي بعض من سكينتك في لجَّة الذبح وارتفاع النقع... وحمحمة الخيول وصليل السيوف المجدبة والمتعطشة للثأر... كل رفَّة عين تتقصَّى سيرتك لها في النظر اختلاف... وفي المعاينة فحص... وفي الدُّنو التحام... وفي النجوى كلام يستعصي على أمم من الثرثرة!
في العميق من الأثر أنت، وفي القلب من التحوُّل، وفي المركز من المسعى إليك؛ حين يضيق على الأحرار مداهم المصادر، وأفقهم المخنوق، وحين تضيق على المقهورين أقدارهم الأرضية، بعيدا عن القدر الذي ارتضته وأرادته لهم السماء.
ملْت إلى هذا الشفق المحتضن نحرك كأنه غلالة من ضوء... ملْت الى أباريق الفضة... ملْت إلى المعلقة قلوبهم على هوادج من وصل لا يجيء... ملْت إلى قيامة أنت بشارتها... يا جنَّة عرضها القلب في تبتُّل أساه وهواجسه... يا سنبلة أباهل بها عجاف سنوات أحالتني على نبش الصدقات ومداخل الجوامع المقفرة... من لي بعدك والسفر جارح.
كل سلامات الدنيا لن تفي حقك، وأنت القائم بالسلام أينما وليت وجهك الشريف الطاهر المطهر. طبت حيا، وطبت وأنت في دنيا خلودك أبا عبدالله.
سلام ملؤه التمني بنوال اليسير مما أفضت به على صحبك بالرحمة وشرف معاينتك وتحسس أنفاسك، عدا الاستشهاد بين يديك.
جعفر الجمري
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2668 - الجمعة 25 ديسمبر 2009م الموافق 08 محرم 1431هـ
كلامك جميل
سلمت يداك يا جمري