الخلود الذي تربعت على عرشه كربلاء، والشموخ الذي مازالت تزيِّن به وجهها المشرق منذ سنيٍّ غابرة ربت على الأربعة عشر ألفا، لا يمكن أن يكون خلودا عابرا، أو شموخا ولدته الصدفة التي لا يتعلق بأسبابها إلا العاجزون عن تفسير ما ترمقه العيون!
وما اجتاحت الثورة الحسينية أفئدة أحرار الأرض على مر التاريخ متجاوزة حدود الجغرافيا، وقوانين الايدولوجيا، إلا لأنها ثورة إنسانية خاطبت ضمير الإنسان لأنه إنسان، قبل أن يكون مسلما منزويا في زاوية مذهبية مظلمة لا تتسع لمبادئ عظماء البشرية الذين تضيق بهم كهوف الانتماءات، وما الحسين إلا من أعظم أولئك الأعاظم لذلك تجده يجتاح الضمائر الحرة بمختلف دياناتها، وانتماءاتها.
ولم تفتأ محاولات تحجيم الثورة الحسينية واحتسابها على طائفة ما منذ صدرها الأول، وليس خفيا أن مصدر تلك المحاولات هم من يجدون في الحسين خطرا محدقا بهم؛ لأنه ينال من جبروتهم، وطغيانهم، ويمرغ أنوفهم في الأوحال، لذلك كانوا يفكرون على الدوام في سجن هذه الثورة خلف قضبان المذهبية، إلا أن عالمية ثورة الحسين، وسعة أفقها كانت أكبر من كل تلك المحاولات التي منيت بالفشل الذريع، وأنَّا للقشة أن تصمد في وجه الإعصار إذا بلغ الذروة والحسين كان كذلك.
المحاولة البائسة لتصوير كربلاء على أنها دمعة على فقيد مات قبل آلاف السنين وحسب، هي محاولة لا تنطلي على أصحاب الضمائر الحية التي نهلت من معين هذه الثورة من مشارق الدنيا ومغاربها، فوجدت الحسين عظمة تاريخية محفورة بماء الكرامة في وجدان الضمير الإنساني، لذلك كلما بالغ أولئك في تصوير كربلاء بما يتناسب مع ضيق آفاقهم المظلمة، كلما سطعت شمس الحسين على ساحات الحرية في العالم بأسره.
يفهم المنصفون جيدا أن الحسين للبشرية كلها، فهو الذي علم غاندي كيف يكون مظلوما فينتصر، وهو الذي أنطق عالم الآثار الإنجليزي وليم لوفتس بمقولة «لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة» وغير ذلك ممن فتحت عيونهم وقلوبهم شمس ساطعة على المعاني الغزيرة للحرية، وسيبقى الحسين كذلك ملهما للأحرار، وصرخة مدوية كانت ولازالت تطالب بحقوق الإنسان كإنسان، لذلك هي خالدة خلود الدهر.
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ
هو الحسين
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
لكنما عيني لأجلك باكية
تبتل منكم كربلاء بدم ولا
تبتل مني بالدموع الجارية
أنست رزيتكم رزيانا التي
سبقت وهونت الرزايا الآتية
بأبي أنت وأمي يا أبا عبدالله , بأبي أنت وأمي يا آبن رسول الله بأبي أنت وأمي يا مولاي يا حسين ( السلام على الحسين وعلى علي آبن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أنصار الحسين وعلى ساقي عطاشى كربلاء أبي الفضل العباس ) وحقا كما قال الشاعر :
كذب الموت فالحسين مخلد
كلما تجدد الزمان تجدد